خلال الأيام الأخيرة، شغلت حوادث العنف بين الطلاب الرأى العام، بعد أن شهدت محافظة الإسماعيلية واقعة مأساوية حيث قُتل طالب فى المرحلة الإعدادية على يد زميله، تلتها حادثة مشابهة فى محافظة الدقهلية، حيث أقدم طالب على قتل زميله باستخدام مفك إثر مشادة كلامية، بينما كانت بداية العام الدراسى قد شهدت واقعة أخرى حين تعرضت طالبة في مدرسة بالهرم للضرب والتعذيب على يد زميلاتها، هذه الحوادث المتكررة أشعلت قلق أولياء الأمور، وأثارت تساؤلاتهم حول العلامات المبكرة التي قد تكشف عن ميول العنف لدى الأبناء، وكيف يمكن التعامل معهم قبل أن تتفاقم الأمور وتتحول إلى كوارث تهدر أرواحًا بريئة.
علامات تدل على وجود ميول للعنف
يقول الدكتور مصطفى الزريقي، استشاري الطب النفسي والتخاطب، إن هناك مؤشرات سلوكية واضحة تكشف عن ميل الطفل أو المراهق إلى العنف، من أبرزها الاعتداء الجسدي المتكرر على الآخرين، سواء كانوا زملاءه أو إخوته، باستخدام الدفع أو الضرب أو العض، إضافة إلى اللجوء المتكرر إلى التهديد أو استخدام الألفاظ المؤذية بقصد إيذاء الغير.
كما يظهر الطفل العنيف ميلاً لتدمير ممتلكات الآخرين عمدًا، سواء ألعابهم أو أدواتهم الخاصة، إلى جانب قسوة مفرطة تجاه الحيوانات تصل أحيانًا إلى تعذيبها.
ويضيف استشاري الطب النفسي أن من العلامات اللافتة أيضًا عدم قدرة الطفل على ضبط انفعالاته، إذ ينفجر غضبًا بسرعة ولا يهدأ بسهولة، ويظهر سلوكًا عدوانيًا في المدرسة مثل التنمر أو الشجار أو رفض الالتزام بالقواعد، مع غياب التعاطف تجاه المتضررين من أفعاله، واهتمامه المفرط بألعاب العنف والأسلحة الافتراضية، إلى جانب اندفاعه الدائم وعدم احترامه لحدود الآخرين.
كيف يتعامل الأهل مع الطفل العنيف؟
يشدد استشاري الصحة النفسية على أهمية فصل الطفل العنيف عن الآخرين فورًا عند حدوث نوبة غضب، وتهدئة المكان دون استخدام العنف ضده، لأن "العنف بالعنف يزيد المشكلة"، كما يقول يجب أن تكون سيطرة الوالدين هادئة وحازمة في الوقت نفسه، حتى لا تتحول المواجهة إلى صراع.
كما ينصح بضرورة وضع قواعد منزلية واضحة وثابتة، مثل: عدم الضرب، عدم الكذب، احترام الآخرين، وتعليق هذه القواعد في مكان ظاهر داخل المنزل لتذكير الطفل بها باستمرار.
تعليم مهارات التحكم في الغضب
يرى استشاري الطب النفسي أن من أهم الخطوات في التعامل مع الطفل العنيف هي تدريبه على التحكم في غضبه، من خلال تقنيات بسيطة مثل التنفس العميق، والعد إلى ثلاثة قبل الرد، وإخراج الهواء ببطء، أو ممارسة نشاط مهدئ مثل الضغط على كرة مطاطية أو المشي القصير. كما يجب تشجيعه على التعبير عن مشاعره بالكلام بدلًا من الفعل، حتى لا يكبتها أو يفرغها في سلوك عدواني.
تدريب الأبناء على حل المشكلات
يشير استشاري الطب النفسي إلى أهمية أن يجلس الوالدان مع أبنائهما في جلسات حوارية تحاكي المواقف اليومية، ويتعلم الطفل خلالها التفاوض واختيار الحلول البديلة بدل السلوك العدواني، كما ينبغي تعزيز السلوك الإيجابي فورًا، بالثناء والمدح المحدد أو مكافأة بسيطة عند التصرف الهادئ أو الاعتذار أو التعاون.
بناء المهارات الاجتماعية وتنظيم الروتين اليومي
ويختم استشاري الصحة النفسية حديثه بالتأكيد على أن تربية الطفل العنيف تحتاج إلى تأسيس بيئة منظمة ومستقرة، تتضمن مواعيد ثابتة للنوم، والطعام، واللعب، والمذاكرة، إلى جانب تعليمه المهارات الاجتماعية الأساسية مثل المشاركة، واحترام الدور، والتعاون مع الآخرين، والتعبير بالكلمات بدل الأفعال.
فبناء الانضباط العاطفي والسلوكي في بيئة آمنة ومحبة هو الطريق الحقيقي لتحويل طاقة العنف إلى قوة إيجابية وإبداعية.