لماذا يثير السيد البدوي هذا الجدل؟.. رحلة القطب الصوفي بين الحقيقة والأسطورة

الإثنين، 20 أكتوبر 2025 11:00 ص
لماذا يثير السيد البدوي هذا الجدل؟.. رحلة القطب الصوفي بين الحقيقة والأسطورة مولد السيد البدوى

محمد عبد الرحمن

يُعدّ السيد أحمد البدوي أحد أبرز رموز التصوف في التاريخ الإسلامي، وواحدًا من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التراث المصري والعربي، وبينما يراه أتباعه إمامًا جليلًا وصاحب كرامات خارقة، يرى معارضوه أنه شخصية أسطورية تضخمت حولها الحكايات حتى اختلط فيها التاريخ بالخيال، والعقيدة بالشعبية.

وفي هذا التقرير، نستعرض رحلته منذ مولده في فاس المغربية، مرورًا بهجرته إلى الحجاز، وصولًا إلى استقراره في طنطا، ثم نعرض جانبًا من الرؤى النقدية الحديثة التي أعادت قراءة سيرته بعيون الباحثين والمؤرخين.

من المغرب إلى الحجاز.. بداية الطريق

وُلد أحمد بن علي بن إبراهيم البدوي عام 596 هـ / 1199م في مدينة فاس المغربية، وينتمي نسبه إلى الإمام علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، كانت أسرته من الأشراف الذين هاجر أجدادهم من الحجاز إلى المغرب في القرن الأول الهجري، واستقرت في فاس لما يقارب خمسة قرون.

ومع اضطراب الأوضاع السياسية في المغرب في عهد دولة الموحدين، وما رافقها من اضطهاد للعلويين والشيعة، قرر والده الرحيل نحو المشرق، فهاجر مع أسرته إلى مكة المكرمة عام 603 هـ مرورًا بمصر.

في مكة، استقرت الأسرة ست سنوات، وهناك توفي والد أحمد، فاختار الابن طريق العزلة والعبادة والزهد، متأثرًا بتعاليم الصوفيين الكبار مثل عبد القادر الجيلاني وأحمد الرفاعي، عرف بين الناس بتقواه وصمته، وكان يضع لثامًا على وجهه، مما أكسبه لقب "البدوي" تشبيهًا بأهل البادية.

الرحلة إلى العراق ثم إلى طنطا

في الثلاثينيات من عمره، غادر البدوي مكة إلى العراق حيث أقام في الموصل، وهناك ذاعت سيرته بين مريديه، ثم عاد إلى الحجاز، حتى رأى رؤيا متكررة تأمره بالسفر إلى طنطا في مصر.

يُروى أنه سمع في المنام هاتفًا يقول: "سر إلى طنطا فإنك تقيم فيها وتربي رجالًا وأبطالًا."

استجاب للرؤيا، وجاء إلى طنطا حيث نزل ضيفًا على الشيخ ركين الدين التاجي، ثم استقر في دار ابن شحيط حتى وفاته عام 675 هـ.

ارتبط اسمه في الذاكرة الشعبية المصرية بكرامات عديدة، منها عودة الأسرى من أيدي الصليبيين، وكان الناس يهتفون: "الله الله يا بدوي جاب اليسرى."

البدوي والحروب الصليبية

عاش السيد البدوي في زمنٍ تزامن مع الحملات الصليبية على مصر وبلاد الشام، وفي هذه الفترة شهدت البلاد نهضة صوفية كبيرة ضمت أعلامًا مثل أبي الحسن الشاذلي وإبراهيم الدسوقي وأبي العباس المرسي.

وتشير بعض الروايات إلى أنه كان رمزًا روحيًا للمقاومة، إذ نُسبت إليه القدرة على مساعدة الأسرى ودعم الجنود بالمعنويات والدعاء، حتى غدا رمزًا للإيمان والصبر في أوساط المصريين.

من الزاوية إلى المسجد الأحمدي

بعد وفاته، دفن في داره بطنطا، وأقام أحد تلاميذه بجوار قبره خلوة صغيرة تحولت مع الزمن إلى الزاوية الأحمدية، ثم إلى المسجد الأحمدي الذي أصبح من أكبر مساجد مصر.
في عهد السلطان الأشرف قايتباي جُدد الضريح، وأقيمت عليه قبة ومئذنة، ثم قام علي بك الكبير عام 1760م بتشييد المسجد الكبير الحالي ذي القباب الثلاث والمقصورة النحاسية المنقوش عليها اسم ونسب السيد البدوي.

جدل التاريخ والكرامات: قراءة نقدية حديثة

ورغم مكانة البدوي في وجدان المصريين، فقد أثارت سيرته نقاشًا واسعًا بين الباحثين والمؤرخين، أبرزهم الدكتور عبد الله صابر في كتابه "السيد البدوي دراسة نقدية"، الذي تناول الروايات الشعبية والكرامات المنسوبة إليه، محاولًا فصل الحقيقة التاريخية عن الخيال الشعبي.

يقول المؤلف إن أغلب المصادر القديمة خَلَت من ذكر البدوي في كتب الحوليات التاريخية لأكثر من قرنين بعد وفاته، ولم يظهر اسمه إلا في كتب المناقب التي امتلأت بالأساطير، ويضيف أن المعلومات عن حياته ظنية وغير موثقة، وأن أول كتاب تناول سيرته كان منسوبًا إلى مؤلف مجهول يُعرف بـ “أزبك الصوفي”.

اتهامات ومرويات مثيرة للجدل

من أبرز ما أورده الباحثون في الجانب المثير من حياة البدوي:

اتهامات بالجنون والجذب

يذكر بعض المعارضين أنه كان "يصيح ليلاً نهارًا على سطح دارٍ بطنطا"، وأنه كان يرتدي ثيابه حتى تذوب من كثرة لبسها، وأنه مكث أربعين يومًا بلا طعام أو شراب.

رواية التبول في المسجد

ينقل الحافظ السخاوي في الضوء اللامع عن المقريزي أن الشيخ أحمد البدوي كشف عورته وتبول أثناء الصلاة في المسجد، وهي رواية أنكرها المريدون وعدّوها من الأباطيل التي نُسجت للطعن فيه.

الانتماء الشيعي

يشير الشيخ مصطفى عبد الرازق، شيخ الأزهر الأسبق، في مقال نشره بمجلة السياسة الأسبوعية، إلى مخطوطة مغربية تؤكد أن البدوي كان علويًا شيعيًا إسماعيليًا، وأن دعوته هدفت إلى إحياء الدولة الفاطمية المنقرضة.

ضعف التراث العلمي

يرى بعض النقاد أن البدوي لم يترك تراثًا علميًا أو مؤلفات مكتوبة، واقتصر أثره على الوصايا الشفهية التي نقلها تلاميذه، مثل نصيحته الشهيرة لخليفته عبد العال: “يا عبد العال، إياك وحب الدنيا، فإنه يفسد العمل الصالح كما يفسد الخل العسل.”

يرى المريدون أن هذه الروايات ما هي إلا افتراءات مغرضة تهدف إلى تشويه صورة أحد أولياء الله الصالحين، مؤكدين أن سيرة السيد البدوي لا يمكن قياسها بمعايير النقد التاريخي وحدها، لأنها تعبّر عن تجربة روحية تجاوزت حدود الزمان والمكان.

أما المفكرون المعاصرون، فيرون أن تحليل شخصية البدوي لا ينتقص من قداسته في الوجدان الشعبي، بل يفتح بابًا للفهم الأعمق لتاريخ التصوف في مصر، حيث اختلط الدين بالثقافة الشعبية والسياسة في نسيجٍ واحد.



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب