السيد البدوي بين الأسطورة والوجود التاريخي.. هل شكك البعض في وجوده؟

الإثنين، 20 أكتوبر 2025 04:00 م
السيد البدوي بين الأسطورة والوجود التاريخي.. هل شكك البعض في وجوده؟ مولد السيد البدوى - أرشيفية

محمد عبد الرحمن

يُعد السيد البدوي واحدًا من أكثر الشخصيات الدينية حضورًا في الوجدان الشعبي المصري، إذ ارتبط اسمه بمدينة طنطا التي تحتضن مقامه ومسجده الكبير، ويُقام فيها مولده السنوي الذي يجتذب مئات الآلاف من الزائرين من داخل مصر وخارجها.

ورغم مرور قرون على وفاته المزعومة في القرن السابع الهجري، فإن الجدل لا يزال قائمًا حول حقيقة وجوده وشخصيته، بين من يراه قطبًا صوفيًا ووليًا صالحًا، ومن يعتبره شخصية أسطورية تشكلت بفعل المرويات الشعبية والخيال الجمعي.

وبشكل عام انقسم الباحثون والمؤرخون حول البدوي بين مؤمنٍ بولايته ومُنكرٍ لوجوده. فالصوفيون وأتباع الطريقة الأحمدية يرون فيه وليًا عظيمًا وقطبًا ربانيًا، ظهرت على يديه كرامات عديدة، وأن ضريحه في طنطا لا يزال مزارًا تتنزل فيه البركات، أما التيار السلفي وبعض الباحثين النقديين فيعتبرون أن ما يُروى عنه "لا يقوم على أساس علمي، وأن سيرته أقرب إلى الموروث الشعبي منها إلى التاريخ الموثق".

غموض الروايات

تعود الروايات المتداولة عن السيد البدوي إلى القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، حيث يُقال إنه وُلد بمدينة فاس المغربية عام 596هـ، ثم ارتحل مع أسرته إلى مكة المكرمة ومنها إلى مصر ليستقر في مدينة طنطا، ويؤسس فيها طريقته الصوفية المعروفة بـ“الأحمدية”، لكن هناك بعض الباحثين يشككون في تلك الرواية التاريخية، حيث تبرز أطروحتهم تبرز فجوة زمنية واضحة بحسب زعمنهم؛ إذ لم تذكر كتب التراجم المعاصرة له مثل وفيات الأعيان لابن خلكان، وسير أعلام النبلاء للذهبي، والبداية والنهاية لابن كثير، أي إشارة إلى شخص بهذا الاسم أو بهذه الصفات.

ويعد أول من ذكره من المؤرخين هو ابن تغري بردي (توفي 874هـ)، أي بعد أكثر من قرنين من وفاته المفترضة. وهو ما اعتبره بعض الباحثين "فراغًا تاريخيًا يصعب تصوره لو كان الرجل بالفعل من كبار العلماء أو الأولياء المعروفين في عصره".

تستند السيرة الصوفية للسيد البدوي إلى عدد من كتب المناقب التي دوّنت بعد قرون من وفاته، وتضم روايات عن كراماته وأحواله، مثل "إحياء الموتى"، و"إحضار الأسرى من بلاد الإفرنج"، و"شفاء المرضى بمجرد النظر إلى ضريحه"، غير أن باحثين معاصرين يرون أن هذه المصادر يغلب عليها الطابع الشعبي والرمزي أكثر من التوثيق التاريخي.

وفي هذا السياق، يشير موقع الإسلام سؤال وجواب إلى أن "الشخصية المنسوبة إلى السيد أحمد البدوي لا تتوافر عنها معايير التوثيق العلمي، ولا يُعرف لها سند تاريخي معاصر"، مضيفًا أن "الروايات التي تتحدث عن سلوكه وأفعاله أقرب إلى القصص الشعبية منها إلى السيرة الواقعية".

كما تذهب دراسة حديثة بعنوان "تفكيك أسطورة السيد البدوي: بين الغموض والتشيع والغلو” إلى أن صورة البدوي كما نعرفها اليوم “تشكلت عبر قرون من تراكم القصص والمناقب، مما جعله يتحول من شخصية غامضة إلى رمز ديني واجتماعي كبير".

حياة مثيرة للجدل

تصف بعض المصادر الصوفية حياة البدوي بأنها كانت زهدًا وانقطاعًا للعبادة، فقد أقام فوق سطح دار بطنطا ليلًا ونهارًا في ذكر وعبادة، وكان قليل الكلام، دائم التلثم، حتى عُرف بلقب "الملثم" و"السطوحي"، لكن في المقابل، تورد بعض الروايات المنتقدة أنه كان "يصرخ ويغيب عن الوعي"، وأن بعض أتباعه اعتبروا هذه الأفعال "جذبًا روحانيًا"، بينما فسرها آخرون بأنها "حالات غير منضبطة بالشريعة".

ويذكر عبد الصمد زين الأحمدي في الجواهر السنية أنه "كان يمكث على السطح لا يفارقه، شاخصًا ببصره إلى السماء، وقد انقلب سواد عينيه إلى حمرة تتوقد كالجمر، ويمكث الأربعين يومًا وأكثر لا يأكل ولا يشرب ولا ينام"، وهو وصف أثار تساؤلات بين الباحثين حول مدى واقعيته، حتى أن دائرة المعارف الإسلامية رأت أن بعض أحواله “مستعارة من حياة نُساك الهند اليوغا” أكثر مما هي انعكاس للتصوف الإسلامي التقليدي.



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب