كشف الأمير ويليام، أمير ويلز، عن نهج مغاير في تربية أطفاله الثلاثة يقوم على الانفصال الواعي عن الشاشات والهواتف الذكية، في محاولة لتنشئتهم على التواصل الإنساني الحقيقي.وأكد أن قراره بمنع استخدام الهواتف في منزله لا يرتبط بالتحكم أو الحرمان، بل بالرغبة في منح أطفاله طفولة هادئة بعيدة عن التشتت والضوضاء الرقمية.وأوضح أن ما مرّ به في طفولته من اضطرابات أسرية بعد انفصال والديه دفعه إلى التركيز على بناء منزل مستقر مليء بالحب والأمان، حيث يجد الطفل نفسه محاطًا بالدعم والعاطفة وليس بالضوء الأزرق للشاشات.
تحدث ويليام خلال ظهوره في برنامج وثائقى عن رغبته في تقديم نموذج أبوي مختلف، يقوم على المشاركة اليومية، سواء في الوجبات أو الأنشطة أو الدراسة، معتبرًا أن “الأسرة هي نواة كل ما يأتي بعد ذلك”.
أطفال بلا هواتف... وحياة مليئة بالأنشطة
يعيش أبناء الأمير ويليام — جورج وشارلوت ولويس — بعيدين تمامًا عن الأجهزة الذكية، بينما يشجعهم والدهم على ممارسة الرياضة والفنون.
فجورج يعشق كرة القدم ويهتم بالتاريخ، وشارلوت تمارس الباليه وكرة الشبكة، أما لويس فيهوى القفز على الترامبولين والطبول.ويقول ويليام إن الموسيقى والأنشطة البدنية تساعد الأطفال على التعبير عن أنفسهم بطريقة صحية أكثر من الانغماس في العالم الافتراضي.
الشاشات تُربّي الوحدة وتُضعف المشاعر
فى ذات السياق يؤكد الدكتور أمجد العجرودي، استشاري الطب النفسي بالمجلس الإقليمي للصحة النفسية، أن الشاشات لم تعد مجرد وسيلة ترفيه، بل أصبحت بيئة رقمية تُغيّر طريقة تفكير وسلوك الأطفال بشكل خطير.ويشير إلى أن استخدامها العشوائي قد يؤدي إلى حالة من الانعزال الاجتماعي والعاطفي، حيث يصبح الطفل أكثر ميلًا للوحدة وأقل قدرة على التفاعل الواقعي.كما يوضح أن الصور والمشاهد التي يراها الطفل عبر الشاشة تُحدث اضطرابًا في عواطفه، إذ يعيش مشاعر غير حقيقية لا تتصل بتجاربه اليومية، مما يربكه نفسيًا ويضعف قدرته على التمييز بين العالم الواقعي والافتراضي.
الاضطرابات السلوكية... من الحزن إلى العدوان
يرى استشارى النفسية أن الإفراط في استخدام الشاشات يخلق أنماطًا من الإدمان السلوكي يصعب التخلص منها، تجعل الطفل إما منغلقًا على ذاته أو سريع الغضب والانفعال.ويضيف أن الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة أمام الأجهزة يعانون غالبًا من تراجع في مهاراتهم الحركية واللغوية والتواصلية، ويصبحون أقل مرونة في التعامل مع الآخرين.كما أن انغماسهم في العالم الرقمي يُفقدهم الإحساس بالزمن، فيجدون صعوبة في تنظيم الوقت أو الالتزام بالواجبات الدراسية والأنشطة الرياضية.ويحذر الطبيب من أن هذه الأنماط تؤثر أيضًا على التحمل النفسي، وتجعل الطفل أكثر حساسية واضطرابًا عاطفيًا، فلا يعرف كيف يعبر عن مشاعره إلا من خلال الشاشة.
نتائج الأبحاث الحديثة: كيف تغيّر الشاشات أدمغة الأطفال وسلوكهم؟
فى سياق مشابه ووفقًا لتقرير نشره موقع CHOC الطبي، فإن الأطفال والمراهقين اليوم يقضون ما بين خمس إلى ثماني ساعات يوميًا أمام الشاشات، وهي مدة تضاعفت خلال العقد الماضي.ويوضح الأبحاث أن هذه الزيادة المفرطة ترتبط بتراجع التركيز وصعوبة النوم وتدهور التحصيل الدراسي.كما أشار إلى أن التعرض المستمر للضوء الأزرق من الأجهزة يؤثر على الساعة البيولوجية للدماغ ويقلل من إنتاج هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم.
تأثيرات عمرية مختلفة
الأطفال دون 18 شهرًا: توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بعدم السماح لهم بأي وقت أمام الشاشات سوى لمكالمات الفيديو العائلية، لأن الدماغ في هذه المرحلة يتكوّن بسرعة ويحتاج للتفاعل الواقعي لا الرقمي.
من 18 إلى 24 شهرًا: يُمكن السماح لهم بوسائل تعليمية محدودة وبإشراف مباشر من الأهل فقط.
من عمر سنتين إلى خمس سنوات: لا يُنصح بتجاوز ساعة واحدة يوميًا من المحتوى التعليمي.
من خمس سنوات فأكثر: يجب ألا تتعدى ساعتين يوميًا، مع ضرورة النقاش بين الطفل ووالديه حول ما يشاهده.
كما تؤكد الدراسات أن وجود أحد الوالدين أثناء استخدام الطفل للشاشات يُحدث فرقًا كبيرًا في طريقة التعلم والفهم، بينما يؤدي التلفاز في الخلفية إلى تراجع نمو اللغة لأن الأهل يقلّ تفاعلهم اللفظي مع الطفل أثناء تشغيله.
اللغة والتطور العقلي تحت التهديد
تُظهر الأبحاث أن الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعتين يوميًا أمام الأجهزة معرضون لخطر تأخر اللغة بستة أضعاف مقارنةً بغيرهم، خاصة إذا بدأوا استخدام الشاشات قبل عمر عام واحد.
البديل الإيجابي: وقت أكثر للعب والحركة
توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بأن يُشجع الآباء أبناءهم على استبدال وقت الشاشة بأنشطة حركية بسيطة مثل اللعب في الحديقة أو ركوب الدراجة أو المشي مع العائلة.هذه الأنشطة لا تُنمي الجسد فقط، بل تعزز أيضًا الترابط الأسري وتساعد في بناء شخصية متوازنة قادرة على التواصل الحقيقي مع الآخرين.