سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 9 أغسطس 1917.. زواج طه حسين من «سوزان بريسو» فى باريس بعد أن أذهلتها مفاجأته باعترافه بحبه لها ونصيحة عمها: «لا تخافى بصحبة هذا الرجل»

الجمعة، 09 أغسطس 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 9 أغسطس 1917.. زواج طه حسين من «سوزان بريسو» فى باريس بعد أن أذهلتها مفاجأته باعترافه بحبه لها  ونصيحة عمها: «لا تخافى بصحبة هذا الرجل» طه حسين
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

طرق باب غرفة الطالب طه حسين، بين الساعة السادسة والسابعة مساء 12 مايو 1915، بمدينة «مونبيليه» الفرنسية، وكان الوقت بين عاصفتين عنيفتين من العواصف التى تثور فى بعض المدن الفرنسية حين يتقدم الربيع، وتبدو طلائع الصيف، فتح طه الباب ودخلت منه فتاة تصحبها أمها، وتحدثوا، ولم يكن حديثنا طويلا، وكان مقيدا أشد التقييد، حسبما يذكر طه للكاتب السورى سامى الكيالى فى كتابه «مع طه حسين».


كانت الفتاة هى «سوزان بريسو» التى صارت حبيبة طه وزوجته، ويؤكد أنه كان أول أجنبى تراه، وكانت أول فتاة تزوره منذ أن ذهب إلى فرنسا عام 1914 مبعوثا من الجامعة المصرية للحصول على الدكتوراه، كانت فى العشرين من عمرها، ووفقا لمذكراتها «معك» ترجمة، بدر الدين عردوكى، ومراجعة، محمود أمين العالم: «كانت متعلمة وقليلة الثروة، بحاجة إلى أن تكسب قليلا من المال، واقترحت أن تكون قارئة لطالب شاب أجنبى أعمى، وضع لهذا الغرض إعلانا صغيرا فى صحيفة محلية، وكان هذا الطالب فى بعثته العلمية إلى فرنسا، طالبا مسجلا منذ يناير 1915 بوصفه طالبا حرا لنيل الليسانس فى التاريخ والجغرافيا بكلية الآداب بمونبليه».


تكشف: «أول مرة التقينا فيها كانت فى 12 مايو 1915 فى «مونبلييه»، ومنذ زواجنا كنا نحتفظ لهذا اليوم بوضع خاص، لم يكن ثمة شىء فى ذلك اليوم ينبئنى بأن مصيرى كان يتقرر، ولم يكن بوسع أمى التى كانت بصحبتى أن تتصور أمرا مماثلا، وكنت على شىء من الحيرة، إذ لم يسبق لى فى حياتى أن كلمت أعمى، لقد عدت إليه أزوره بين الحين والآخر فى غرفته التى كانت غرفة طالب جامعى، كنا نتحدث وكنت أقرأ له فصولا من كتاب فرنسى، ولعل القدر كان قد أصدر قراره بالفعل، فقد كان هناك أعمى آخر هو الأستاذ الإيطالى الذى كان يدرسه اللغة اللاتينية قد أدرك ذلك، وقال له: سيدى هذه الفتاة ستكون زوجتك»، وبينما كان قلب طه يخفق، فوجئ بقرار إعادة طلاب البعثة إلى مصر، فعاد تاركا قلبه فى فرنسا، وبعد ثلاثة شهور عاد مرة ثانية إلى باريس فى أول يناير 1916، ليبدأ مرحلة جديدة مع الفتاة التى أحبها حسبما يؤكد سامى الكيالى.


تذكر سوزان فى مذكراتها: «كنا أمى وأختى وأنا قد أقمنا فى باريس، وكنا نلتقى وكان ثمة غرفة شاغرة فى بيتنا، وكان يبدو مهملا، ضائعا برغم حضور أخ له لم يكن للأسف معينا، وإنما كان مصدر هم متواصل بحيث إن أمى اقترحت عليه المجىء للسكن عندنا، وقبِل، ولكن بعد كثير من التردد، لأنه وهو الذى لا يوقفه شىء عند اتخاذ القرارات المهمة كان شديد الخجل فى الحياة اليومية، لم يقبل إطلاقا أن يتناول وجباته معنا، كان ثمة قارئة تأتيه بانتظام، وكانت هناك سيدة أكبر فى العمر تصحبه إلى السوربون، لكنى شيئا فشيئا أخذت أتدخل فى ذلك وأصحبه أنا الأخرى إلى الجامعة من وقت إلى آخر، بت أصحبه غالبا، وكنت أقرأ له عندما يكون وحيدا، كنا نتحدث بكثرة، وكان يحقق تقدما عظيما فى اللغة الفرنسية».


تتذكر لحظة اعترافه لها بحبه، ورد فعلها القاسى: «ذات يوم يقول لى: اغفرى لى لا بد من أن أقول لك ذلك، فأنا أحبك»، صرخت، وقد أذهلتنى المفاجأة بفظاظة، ولكنى لا أحبك، كنت أعنى الحب بين الرجل والمرأة ولا شك، فقال بحزن: «آه أعرف ذلك جيدا، وأعرف جيدا كذلك أنه مستحيل».


تضيف: «يمضى زمن، ثم يأتى يوم آخر أقول فيه لأهلى إنى أريد الزواج من هذا الشاب، وكان ما كنت أنتظره من رد الفعل، كيف؟ من أجنبى؟ وأعمى؟ وفوق ذلك كله مسلم؟ لا شك أنكِ جننت تماما»، تؤكد: «كان لا بد من النضال بالطبع بسبب ذلك القرار، وجاءنى أكبر عون من عم لى، كنت أكن له إعجابا عظيما، وكان هذا العم قسا، فقد حضر ليتعرف بطه، وتنزه معه وحيدا فى حقول «البيرنيه» مدة ساعتين، ثم قال لى عند العودة: «بوسعك أن تنفذى ما عزمت عليه، لا تخافى، بصحبة هذا الرجل يستطيع المرء أن يحلق بالحوار ما استطاع إلى ذلك سبيلا، إنه سيتجاوزك باستمرار».


يذكر «الكيالى» أنه كان على طه أن يأخذ إذن أسرته بالموافقة على خطبته ثم الزواج منها، ويحصل على موافقة الجامعة المصرية التى أخذت تعهدا مكتوبا من مبعوثيها قبل سفرهم بعدم زواجهم طوال فترة إقامتهم الدراسية، فقرر أن يكتب التماسا بالسماح له باختراق هذا التعهد، وتداول مجلس الجامعة فى الموضوع وبعد مناقشة طويلة تقرر أخذ الآراء فكانت النتيجة أن سمحت الأغلبية لطه بالزواج.


تتذكر «سوزان» فى مذكراتها: «تزوجنا يوم 9 أغسطس، مثل هذا اليوم، 1917 ببساطة مطلقة، إلا أن الجميع أصروا على أن ألبس ثوب الزفاف الأبيض، وأن نركب العربة المقفلة».







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة