مها عبد القادر

الاقتصاد البنفسجي والتنمية الثقافية المستدامة

السبت، 03 أغسطس 2024 01:55 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يصعب أن نتحصل على اقتصادٍ بعيدٍ عن ثقافةٍ تشكل مكنونه؛ فلا يمكن لنا أن نتنوع في ألوان المنتج ونعدد من محتواه في غياب البعد الثقافي الذي يشكل استدامة الاقتصاد، ومن ثم فالعلاقة قطعًا موجهةٌ في الاتجاهين؛ فنرى أن الثقافة محفزةٌ لكل الأنشطة التي يتضمنها الاقتصاد، كما أنها ملهمةٌ لابتكار العنصر البشري بصورةٍ واضحةٍ وعميقةٍ، وعنصرٌ هام لتحفيز الإنتاجية؛ فما يتدفق عبر الثقافات يغذي روافد الاقتصاد، بل ويحدد القيمة لما يعرضه هذا الاقتصاد ومن ثم تقدر السلع والخدمات في ضوء ماهية تسمى بالاقتصاد البنفسجي أو الأرجواني.

فعندما تتبنى الدول خططها التنموية نرى أنها تولي محور الصناعات الثقافية وخاصة الإبداعية منها الأهمية الكبرى؛ حيث الإيمان الراسخ بأن هذه الصناعات تشكل القوة الداعمة لصور الاقتصاد الوطني؛ فمن خلال ذلك تخلق فرص العمل وتستثمر الطاقات وتنمو المواهب ويتم الاهتمام بكافة ألوان الحرف وبخاصة التراثية منها والتي تعد لبنة حضارة الدول، كما تعمل على تسويقها على المستوى الدولي لتفرض ألوان ثقافتها التي تستحوذ الاهتمام وتنال التقدير والإعجاب بكل صوره.

وفي هذا الصدد يمكننا أن نتفهم ماهية الاقتصاد البنفسجي بأنه مزيجٌ فريدٌ بين مفردات الثقافة الإبداعية وصور الاقتصاد الذي يعتمد على المهارة المتفردة، بما يحدث نتاجًا يؤثر بشكلٍ إيجابيٍ على البيئتين الثقافية والاقتصادية؛ حيث يوفر مقومات الاستدامة للمنتج ويحسن ويطور من الفكر الاستراتيجي المرتبط بالعمليات الثقافية، ويزيد من الأنشطة التي تحدث تفاعلًا بين البشر والموارد المتاحة، بما يضمن تقديم تلونًا مصبوغًا بلمسات ابتكارية تعطي له القيمة التي أشرنا إليها سلفًا.

ومن ثم فالاقتصاد البنفسجي اقتصاد قائمٌ على الاستثمار في الثقافة، وجعلها قطاعًا حيويًا متفاعلًا وعماده الأساسي ثقافة المجتمع، ويتميز بالإبداع، والقدرة على الانسجام مع المتغيرات الناشئة، والاستدامة، كما يقوم على التكيف مع الاختلاف والتنوع البشري، وارتباطه بالبعد الثقافي وإعطاء قيمة للسلع والخدمات، نتيجة للتفاعلات الديناميكية بين الاقتصاد والثقافة والفنون الإبداعية والسلع والخدمات الثقافية، وهو يعتبر قطاعًا ناشئًا لتحقيق الدخل والرفاهية الاقتصادية، ويكتسب أهميةً كبيرةً في ظل إقصاد المعرفة والثورة التكنولوجية.

وبناءً على ما تقدم نلحظ أمرًا غايةً في الأهمية ألا وهو تفرد الثقافة المصرية عما سواها لما تتضمنه من تراثٍ ثري يسمح لنا أن نستثمره بطرائق تحقق لنا مكاسبًا ماديةً ومعنويةً لا حصر لها، ولا نغالي إذا ما قولنا إنه يوفر لنا دخلًا قوميًا يوازي العديد من مصادر الدخل الكبرى في البلاد، ومن خلاله يمكننا أن نتجاوز أزماتٍ اقتصادية في ظل ما يواجهه العالم بأسره من تحدياتٍ أثرت على الاقتصاد بصورةٍ كبيرةٍ.

  والمطالع لصور الوظائف البنفسجية يجدها في ألوان الأنشطة البشرية التي يتمخض عنها منتجاتٌ ثقافيةٌ لها قيمةٌ اقتصاديةٌ عالية ومردود قيمي عميق، فهناك الهندسة المعمارية والتخطيط العمراني والفن والتراث، ومساحة الاستثمار فيها ليس لها حدود، ومنها على سبيل المثال لا الحصر صالات العرض، وأستوديوهات التصوير، والمسرح، والسيرك، والرقص، وكل الفنون البصرية، والحرف، والموضة، وغيرها.

وتوجهنا نحو الاقتصاد البنفسجي يجعلنا ننتبه لأمرٍ مهمٍ يتمثل في تحديد متطلبات فاعليته في ربوع الوطن وعبر مقرات وهيئات وزارة الثقافة المصرية راعية الفن والإبداع والنتاج المثمر؛ حيث يسهم ذلك في تنويع الاقتصادية ويضفي عليه مصداقية نراها في الدعم بصوره المختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي، كما يزيد من ثقافة الاستهلاك للمنتج الثقافي داخل المجتمع وخارجه، ومن ثم تزداد القيمة لهذه السلع بصورٍ مضطردةٍ.

وما ذكرناه عن الاقتصاد البنفسجي يحي في نفوسنا أهمية البعد الثقافي في نجاح كافة مؤسساتنا الاقتصادية دون شكٍ؛ فيسهم من زيادة القيمة التي أشرنا إليها بالمستويين المادي والمعنوي، ويضفي البصمة التي كثيرًا ما نبحث عنها وتشكل ضرورة للتسويق ودافعًا للاستهلاك على الصعيدين الداخلي والخارجي.

وفي هذا الصدد يعمل الاقتصاد البنفسجي على إيجاد حالة ذهنية خاصة تهدف لمراعاة الجانب الإنساني عند تحسين وتطوير الخدمات، أو إنتاج سلعة جديدة مبتكرة، ويشكل أحد العناصر الحيوية للاقتصاد المستدام ليكمل جانبيه الاجتماعي والبيئي، حيث يهتم أيضاً بالبُعد الثقافي الذي يعكس التنوع البشري، وعطفًا على سبق فإننا عبر ثقافة الاقتصاد البنفسجي نحافظ على حق الأجيال وعلى ما لدينا من عادات وتقاليد.

وفي ضوء ذلك نتطلع من خلال وزارة الثقافة بكافة هيئاتها وخاصة قصور الثقافة المصرية لانتشارها بكافة محافظات الجمهورية وما تحتويه من مقوماتٍ رائعةٍ أن تصبح محفزةً بصورةٍ حيويةٍ على صور وألوان الإبداع الفني والثقافي داخل مجتمعنا صاحب التاريخ والثقافة العريقة والغنية بتنوعاتها؛ ولنحافظ من خلالها على التراث الثقافي الغني لوطننا الحبيب، وندعم من خلال الأنشطة المتنوعة أيضًا التعبيرات المعاصرة للإبداع والابتكار، ونقدم البرامج الثقافية المتنوعة والمعارض الفنية والعروض والفعاليات الأدبية بصورةٍ متواصلة، ونوفر العديد من المنصات للفنانين الموهوبين لعرض مواهبهم.

وجدير بالذكر أن تبنينا للاقتصاديات بألوانها المختلفة وارتباطها القوي بالثقافة والتنمية الثقافية والإبداع، وعبر رعايتنا المستدامة للإبداع الفني والثقافي سوف نثري المشهد الثقافي في وطننا الغالي، ونعمل على تعزيز الشعور المعمق بالهوية والانتماء والفخر والعزة، وليكن شعارنا " افتخر أنت مصري " شعارًا حقيقيًا متأصلًا بالذات والوجدان ويعبر عنه كل مصري بأقوال تترجمها ممارسات فعلية، وليس مجرد شعارٍ وهذا يتطلب جهوداً مستمرةً على المستوى الحكومي والمجتمع المدني والأفراد؛ لتعزيز وتأكيد هذا الشعور الوطني الحقيقي، حفظ الله وطننا ووفق قيادتنا السياسية وكل القائمين علي أمره لما فيه خير البال والعباد.
ــــــــــــــــــــــــــــ
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة - جامعة الأزهر

 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة