عصام شيحة

الإصلاح المؤسسى وحقوق الإنسان

الإثنين، 19 أغسطس 2024 11:20 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

حقوق الإنسان فى مصر لا تزال تواجه تحديات كبيرة، وتعود أسباب هذه التحديات لغياب الإرادة السياسية فى عصور سابقة ولبعض الموروثات الثقافية المترسخة لدى بعض فئات المجتمع، التى تتعارض مع قيم ومبادئ حقوق الإنسان فى مجملها، غير أن الحكومة المصرية، خلال السنوات الست الماضية، قامت باتخاذ عدة خطوات إيجابية لمعالجة بعض التحديات ذات الصلة بحقوق الإنسان، أهمها تشكيل اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، برئاسة وزير الخارجية 2018، ثم الالتزام بتقديم التقارير الدولية فى مواعيدها بعد انقطاع دام سنوات طويلة، وتعد الآن التقرير الوطنى للجولة الرابعة من الاستعراض الدورى الشامل والمأمول تقديمه يناير 2025 الذى يستعرض الجهود الوطنية فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان فى البنية الدستورية والتشريعية، وبناء المؤسسات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان، وبناء القدرات الوطنية فى ذات المجال، باعتبار حقوق الإنسان متأصلة فى الكرامة الإنسانية، وهى عالمية مترابطة ومتشابكة وغير قابلة للتجزئة، علما بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان مترابطان ويعزز كل منهما الآخر، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان فى 2021، وإعادة تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان 2018، وصدقت مصر أخيرا على الميثاق العربى لحقوق الإنسان بموجب القرار الجمهورى رقم 429 لسنة 2018، حيث إن الميثاق يشكل إطارا إقليميا تعاهديا مهما يضع التزامات قانونية ذات صلة بحماية وتعزيز حقوق الإنسان على أغلب الدول الأعضاء بجامعة الدول العربية، وإطلاق فاعليات الحوار الوطنى الذى يضم كل أطياف المجتمع المدنى والقوى السياسية المؤيدة والمعارضة، ولمسنا من خلال هذه التجارب إرادة سياسية حقيقية لإجراء إصلاحات من شأنها أن تساهم فى تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وبالرغم من تطبيق بعض هذه التدابير الإصلاحية بالفعل، تظل الحاجة للمزيد من التدابير والسياسات الإصلاحية الجريئة ضرورة ملحة، مما يستلزم تحفيز الدولة ودعمها على الاستمرار فى نهجها الإصلاحى لتحسين حالة حقوق الإنسان على كل الأصعدة، حيث أولت الدولة أهمية قصوى للحفاظ على حياة المواطنين فى مواجهة العمليات الإرهابية، لما يمثله ذلك من انتهاك جسيم من جانب الإرهابيين للحق فى الحياة بشكل معلن وصارخ، وتراجع وتيرة هذه الهجمات يعود الفضل فيه للجهود الأمنية التى اتخذتها الدولة، والتى ساهمت فى حفظ سلامة المواطنين والحفاظ على حقهم فى الحياة، وعلى الرغم من استضافة مصر لأكثر من 9 ملايين مهاجر وطالب لجوء ولاجئ، فإنها لم تجبر أحدا على العودة أو المغادرة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم قيام المجتمع الدولى بدوره فى تقاسم الأعباء، ورغم الحرب الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية والتهديد الإيرانى للرد على الاعتداءات الإسرائيلية وحالة الارتباك فى المنطقة، فإن الدولة لم تفعل حالة الطوارئ منذ إيقاف العمل بها فى 25 أكتوبر 2021، وتعد هذه خطوة إيجابية حيث إن قانون الطوارئ يسمح بتدابير استثنائية مقيدة للحقوق والحريات، بما فيها الحق فى الحرية والأمان الشخصى، مما يستوجب استمرار تنفيذ التوصيات الواردة بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، حيث إن إحدى نتائجها المستهدفة إيجاد بدائل للحبس الاحتياطى، الذى يعمل عليها الحوار الوطنى ومجلس النواب يدرس مشروعا متكاملا للإجراءات الجنائية هذا الشهر بما يعد مؤشرا على وجود رغبة لمعالجة هذه المسألة، ولكن يبقى التطبيق هو المعيار الذى تقيم به، ومع ذلك، شهدت حالة السجون فى مصر تحسنا ملحوظا، حيث تم إصدار القانون رقم 14 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام قانون تنظيم السجون وتحويلها إلى مراكـز للإصلاح والتأهيـل، وذلك فى إطار خطة الدولة لتطوير المؤسسات العقابية، وقامت الحكومة بإغلاق وهدم نحو 15 سجنا، ويتم نقل النزلاء طبقا للتوزيع الجغرافى للتخفيف عن أسر النزلاء.
وعلى الجانب الآخر، تشهد حرية الرأى والتعبير تحديا حقيقيا، حيث إن الثقافة السائدة لا تحترم التعدد، والظروف الإقليمية والمحلية تعيق التقدم فى هذا الإطار، بيد أن الحكومة تعهدت بتحسن حالة حقوق الإنسان على كل الأصعدة، على الجانب الآخر اهتم البرلمان وأصدر عددا من القوانين الداعمة لحقوق الإنسان، مثل رعاية المسنين ومواجهة جريمة التحرش وغيرهما، ولا ننسى دعم الرئيس لتمكين المرأة فى كل مؤسسات الدولة، واتخذت الحكومة المصرية إجراءات إيجابية لتعزيز الحق فى حرية الاعتقاد خاصة للمسيحيين، من خلال إصدار قانون بناء وترميم الكنائس عام 2016 الذى ييسر إجراءات بناء دور العبادة المسيحية، كما أوجد وسيلة لتقنين أوضاع الكنائس التى تم بناؤها دون اتباع الإجراءات القانونية فى الماضى، وتدعو الحكومة بحكمة كبيرة من خلال وسائل الإعلام لتجديد الخطاب الدينى ومواجهة خطاب الكراهية، وللإنصاف، فلقد طرأت خلال الأعوام الماضية عدد من التطورات الإيجابية ذات الصلة بالحق فى التنظيم بشكل عام والحق فى تكوين الجمعيات والانضمام إليها بشكل خاص، حيث استجابت الدولة لنداء المجتمع المدنى وأصدرت القانون رقم 149 لسنة 2019، وتقديرا للمجتمع المدنى أعلن الرئيس 2022 عاما للمجتمع المدنى، وفى خطوة إيجابية نالت بترحيب واسع فى أوساط المجتمع المدنى وأمرت سلطات التحقيق أخيرا بإغلاق ملف القضية 173 المتهم فيها عدد من العاملين بجمعيات حقوق الإنسان، ومن شأن ذلك تعزز حرية العمل الأهلى، ونقدر تعزيز الدولة لشبكة الضمان الاجتماعى من خلال عدة برامج ومبادرات رئاسية وحكومية، لا سيما برنامج «تكافل وكرامة» للدعم النقدى الذى بلغ حجم المستفيدين منه نحو 5 ملايين أسرة من محدودى الدخل، وبذلت الحكومة المصرية مجهودات كبيرة لتعزيز الحق فى السكن اللائق من خلال إنشاء مئات الآلاف من الوحدات السكنية لمحدودى الدخل وسكان المناطق العشوائية الخطرة، وتوسعت منظومة الحقوق الإنسانية لتشمل كل مناحى الحياة، فإلى جانب المبادرات الصحية التى أشادت بها منظمة الصحة العالمية كثيرا، ومبادرات دعم الفئات الأكثر تضررا من الإصلاح الاقتصادى ثم من جائحة كورونا، وطافت يد الدولة على قطاعات التموين والتعليم، وشهدنا نقلة نوعية حقيقية غير مسبوقة فى النقل والطرق، وأخيرا امتدت يد الدولة القوية إلى الريف المصرى لتنتقل به إلى أجواء غير مسبوقة من خلال مبادرة «حياة كريمة» التى تخدم ما يقارب 60 مليون مصرى
مما يؤكد أن مصر تتقدم - بخطى واثقة - نحو بناء مستقبل يليق بمكانتها وبطموحات شعبها الذى قام بثورتين فى عامى 2011 و2013 مطالبا بالإصلاح السياسى والاقتصادى والاججتماعى وبإعلاء قيم الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، فعلى مدار الست سنوات الماضية، حققت الدولة المصرية العديد من الإنجازات الوطنية المهمة على كل المستويات التشريعية والتنفيذية والمؤسسية، التى تهدف إلى الارتقاء بحياة المواطن، إيمانا منها بأن هذا الارتقاء يأتى بتعزيز واحترام حقوق الإنسان وعلى نحو متساو، وهو الأمر الذى يستلزم بذل المزيد من الجهد للتغلب على التحديات المتراكمة، والتصدى لأوجه النقص القائمة.
وفى هذا السياق، عملت القيادة السياسية على دعم وتعزيز حقوق كل فئات المجتمع بداية من الدستورى المصرى لعام 2014، مرورا برؤية مصر 2030 التى تسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة من خلال بناء مجتمع عادل يتميز بالمساواة والتوزيع العادل لفوائد التنمية، وتحقيق أعلى درجات الاندماج المجتمعى لكل الفئات، وتعزيز مبادئ الحوكمة وسيادة القانون فى ظل الجمهورية الجديدة.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة