سحر السياحة يهدد مدنا تاريخية ويُفقدها هويتها.. سكان مدن أوروبية يواجهون السياحة المفرطة بالتظاهرات للضغط على السلطات المحلية..سويسرا وإيطاليا وهولندا تضع خططا للحد من الظاهرة.. أغلب الاحتجاجات تتركز في إسبانيا

الأحد، 14 يوليو 2024 10:00 م
سحر السياحة يهدد مدنا تاريخية ويُفقدها هويتها.. سكان مدن أوروبية يواجهون السياحة المفرطة بالتظاهرات للضغط على السلطات المحلية..سويسرا وإيطاليا وهولندا تضع خططا للحد من الظاهرة.. أغلب الاحتجاجات تتركز في إسبانيا مظاهرات ضد السياحة المفرطة فى أوروبا
إيهاب محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في الوقت الذى تسعى فيه دول العالم لبذل كل الجهد لتشجيع السياحة وجذب مزيد السائحين إلي مدنها المميزة، باعتبار القطاع السياحى أحد مصادر الدخل القوية للدول، كان الوضع مختلفًا في عدد من البلدان الأوروبية التى أعلن سكانها استيائهم من أعداد السائحين الكبيرة التى تزور مدنهم ذات عناصر الجذب السياحي، مبررين ذلك بأن السياحة المفرطة تؤثر على طبيعة المدن والمناخ وغيرها من العوامل السلبية على معيشتهم بما ذلك المساهمة فى غلاء أسعار الإيجارات والإقامة فى الوحدات السكنية والفنادق.

متظاهرون إسبان مناهضون للسياحة يستهدفون زوار برشلونة بمسدسات المياه

فى واحدة من هذه الاحتجاجات، خرج آلاف المحتجين في مسيرة عبر برشلونة، قبل أسبوع تقريبًا، للتعبير عن غضبهم إزاء السياحة الجماعية وتأثيراتها على المدينة الأكثر زيارة في إسبانيا، حيث تعرض المارة الذين كانوا يتناولون الطعام في المطاعم في حي لا برشلونيتا الشهير، للبلل عندما رشهم بعض المحتجين بمسدسات المياه، وفقا لموقع "cbsnews".

وأظهر مقطع فيديو، إجبار رواد المطاعم على تغيير طاولاتهم في بعض المطاعم للهروب من الاحتجاجات، في حين أغلق المتظاهرون المطاعم الأخرى بشكل رمزي، ورفع المتظاهرون لافتات كتب عليها "أيها السائحون عودوا إلى دياركم"، مطالبين بتقليص عدد الزوار الأجانب إلى برشلونة، وتوقفوا أمام الفنادق والمطاعم لمواجهة السياح.

وقال أحد المتظاهرين لوكالة الأنباء الفرنسية: "ليس لدي أي شيء ضد السياحة، ولكن هنا في برشلونة نعاني من فائض سياحي جعل مدينتنا غير صالحة للعيش"، فيما تقول السلطات المحلية، إن تكلفة السكن ارتفعت بنسبة 68% في المدينة الإسبانية خلال العقد الماضي، مما أصبح أحد نقاط الخلاف الرئيسية بالنسبة للسكان الساخطين، وقال متظاهر آخر لكاميرا رويترز الإخبارية: "في السنوات الأخيرة تحولت المدينة بالكامل للسياح، وما نريده هو مدينة للمواطنين وليس لخدمة السياح".

وبحسب السلطات المحلية، زار أكثر من 12 مليون سائح المدينة، التي تشتهر بمعالمها السياحية مثل كنيسة ساغرادا فاميليا، في العام الماضي وحده، وبحسب المكتب الوطني للإحصاء في إسبانيا، فإن الأشهر الخمسة الأولى من عام 2024 وحدها شهدت زيارة أكثر من 33 مليون سائح للبلاد، وهو ما يمثل زيادة قدرها 13.6% مقارنة بالعام السابق.

متظاهرون مناهضون للسياحة الجماعية يرشون المياه على رواد المطاعم
متظاهرون مناهضون للسياحة الجماعية يرشون المياه على رواد المطاعم

احتجاجات تاريخية في مايوركا الإسبانية للحد من أعداد السائحين

برشلونة لم تكن المدينة الإسبانية الوحيدة التى شهدت مثل هذه الاحتجاجات، فقد سبقها تظاهر آلاف الأشخاص، في مدينة بالما دي مايوركا، إحدى الوجهات السياحية الرئيسية في إسبانيا، ضد السياحة الزائدة، التى تعد أحد أهم مصادر الثروة في المنطقة، تحت شعار "مايوركا ليست للبيع".

وأشارت صحيفة الباييس الإسبانية، إلى خروج حوالى 10 آلاف شخص، وفقا لبيانات الوفد الحكومى، إلى الشوارع للمطالبة بالحصول أيضًا على سكن لائق، وذلك بعد ارتفاع أسعار المبانى السكنية بسبب السياح، وكانت المظاهرات تحمل شعار "مايوركا ليست للبيع - دعنا نقول كفى"، وقد فاجأت مشاركة المواطنين المنظمين أنفسهم، كما اعترفوا بذلك.

وتحرك المتظاهرون وسط مدينة بالما في موكب تتقدمهم لافتة تحمل الشعار سالف المذكور، وأخرى تحمل رسالة "إذا حرمونا السقف فقد حرمونا المستقبل"، حيث يأسف منظمو المظاهرة، قبل كل شيء، لأن فائض السياح جعل السكن باهظ الثمن بشكل فلكي في هذه الجزيرة الواقعة علي البحر الأبيض المتوسط والتي يقل عدد سكانها عن مليون نسمة، والتي مر عبر مطارها الرئيسي 31 مليون مسافر في عام 2023.

وبحسب المعهد الوطني للإحصاء، فإن إسبانيا، الوجهة السياحية العالمية الثانية بعد فرنسا، استقبلت 85 مليون زائر أجنبي في عام 2023، ومن بينهم، وصل 14.4 مليون شخص إلى جزر البليار، التي تعد مايوركا الجزيرة الرئيسية فيها، تليها مينوركا وإيبيزا.

السياحة فى مايوركا
السياحة فى مايوركا

احتجاجات تاريخية تشهدها جزر الكنارى للحد من أعداد السائحين

مازلنا فى إسبانيا والاحتجاجات المتصاعدة ضد السياحة المفرطة، حيث تظاهر عشرات الآلاف من الأشخاص أيضًا فى جزر الكنارى الإسبانية، ضد السياحة الجماعية، حيث يرى سكان الجزر أن السياح يجتاحون الأرخبيل الأطلسى، ومن أهم مطالبهم الحد من السياح.

ووصفت صحيفة الباييس الإسبانية تلك الاحتجاجات بالتاريخية فى الجزر الثمانى التى تتكون منها المنطقة، ويريد المتظاهرون الحد من عدد السياح ووقف ما يصفونه بالتنمية السياحية غير المنضبطة التى تضر بالبيئة والسكان.

ويستنكر السكان المحليون بشكل خاص السياحة الجماعية، التى تؤدى إلى زيادة الإيجارات قصيرة الأجل، وبناء الفنادق التى تزيد من تكلفة السكن للسكان، ولكنهم يوضحون أنهم ليسوا ضد قطاع السياحة الذى يمثل 35% من اقتصاد جزر الكناري.

وقال أحد المتظاهرين خلال المسيرة فى عاصمة تينيريفى سانتا كروز دى تينيريفي، إنها ليست رسالة ضد السياح، ولكن ضد نموذج سياحى وهو النموذج الجماعى، لا يفيد هذه الأرض ويجب تغييره.

احتجاجات فى جزر الكنارى
احتجاجات فى جزر الكنارى

سويسرا تخطط لضبط أعداد الزوار لتجنب السياحة المفرطة

وفى السياق نفسه لكن فى بلد أوروبي آخر، أعلنت هيئة السياحة السويسرية، أنها تحاول الحد من أعداد الزائرين على مدار العام لحماية البلاد من مخاطر السياحة المفرطة، وقالت الهيئة إنها ستسعى إلى تشجيع الزيارات خارج مواسم الذروة والترويج لوجهات جديدة لا تستقطب أعداداً كبيرة من الزائرين.

وقال مسؤولو الهيئة في زيورخ، إنهم يسعون إلى توجيه السياح إلى "الأماكن المناسبة، في الوقت المناسب"، وأوضح رئيس هيئة السياحة السويسرية مارتن نيديغر "لا نعاني في سويسرا من سياحة مفرطة عموماً" لكن هناك "حالات اكتظاظ موقتة ومحلية، معروفة جيدا في القطاع".

على سبيل المثال، شهدت قرية إيسلتوالد في وسط سويسرا فجأة توافد أعداد كبيرة من السياح الآسيويين على شواطئ بحيرة برينز العام الماضي بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل "كراش لاندينغ أون يو" الكوري الجنوبي على نتفلكس.

وقررت القرية التي يبلغ عدد سكانها حوالى 400 نسمة فرض رسم مقداره خمسة فرنكات سويسرية (5.55 دولارات) على السائحين الراغبين في ركوب القارب العائم لالتقاط صورة في موقع صُوّر مشهد رومانسي فيه.

سويسرا
سويسرا

سكان مدينة بروج البلجيكية يطالبون الحكومة بإيجاد حل للإقبال السياحى المفرط

وانتقالًا إلى بقعة أوروبية أخري، أعلن سكان مدينة بروج البلجيكية، أيضًا، استيائهم بسبب الارتفاع الكبير فى عدد السياح، متهمين السلطات بأنها السبب وراء هذا الضغط الذى تشهده المدينة من خلال تشجيع السياحة النوعية ودفع زائريها إلى الإقامة فيها فترات أطول، ويطالب سكان المدينة السلطات بضرورة إيجاد حل للسياحة المفرطة التي تشهدها مدينتهم، 

مدينة بروج، تعد الوجهة السياحية البارزة في غرب بلجيكا، ومدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو والملقبة بـفينيسيا الشمال نسبة إلى مدينة البندقية الإيطالية، ورغم أن عدد سكانها لا يتجاوز الـ 120 ألفا، إلا أنها تستقطب ثمانية ملايين زائر كل عام، معظمهم يأتون خلال الصيف ولا تستمر زياراتهم لأكثر من يوم واحد في أكثر الأحيان.

مدينة بروج البلجيكية
مدينة بروج البلجيكية

منطقة إيطالية تضع حدا أقصى لعدد الزائرين لمنع السياحة المفرطة

الأمر لم يختلف كثيرًا في إحدى المناطق الإيطالية، وهى منطقة ألتو أديجى التى تتمتع بالحكم الذاتى، والمعروفة أيضًا باسم مقاطعة بولزانو - جنوب تيرول، فى شمال البلاد، التي وضعت حدًا أقصى لأعداد الزوار فى محاولة لمنع السياحة المفرطة.

وفرضت المنطقة، قيودًا على الزوار الذين يقضون ليلة واحدة، حيث وضعت حد أقصى لأعدادهم بمستويات عام 2019 وفرضت حظرًا على فتح أى أماكن إقامة جديدة، ما لم يتم إغلاق أماكن أخرى.

المنطقة السياحية الإيطالية
المنطقة السياحية الإيطالية

المنطقة الواقعة على الحدود الإيطالية مع النمسا، واحدة من أشهر المداخل المؤدية إلى جبال الدولوميت، حيث يتدفق الزوار لمشاهدة القمم الصخرية الرائعة التى تتوهج باللون الوردى عند غروب الشمس، وفقا لموقع CNN  عربية.

ومن جهته، أوضح أرنولد شولر، المسئول عن السياحة فى ألتو أديجى - الذى اقترح القانون الجديد - أن المنطقة وصلت إلى الحد الأقصى لما يمكن أن تتطلبه، وقال: "لقد بلغنا الحد الأقصى من مواردنا، وواجهنا أزمات متعلقة بحركة المرور، ويواجه السكان صعوبة فى العثور على أماكن للعيش"، مضيفًا أنّهم "يريدون ضمان جودة الحياة للسكان المحليين والسياح، والتى ازدادت صعوبة على مدى العقد الماضى".

منطقة ألتو أديجى الإيطالية
منطقة ألتو أديجى الإيطالية

وتابع شولر :"السياح يأتون إلى هنا للتنزّه ورؤية الأماكن الجميلة، وليس ليجدوا أنفسهم قد علقوا فى إزدحام مرورى"، إذ أنه فى عام 2022، شهدت المنطقة 34 مليون حالة مبيت لليلة واحدة، وتابع: "فى أوقات معينة من العام وفى مناطق معينة، أصبح الوضع صعب تحمّله".

وشرح: "قطاع السياحة مهم للغاية بالنسبة لنا، للوظائف والاقتصاد، ولكننا وصلنا إلى الحد الأقصى، لذلك اتخذنا هذه الإجراءات لضمان إدارة أفضل لتدفق حركة السير، وتوفر أماكن إقامة للسياح".

البحيرة الجليدية فى منطقة ألتو أديجى
البحيرة الجليدية فى منطقة ألتو أديجى

أمستردام تطلق حملة للحد من نمو السياحة والإزعاج لضمان حياة آمنة للسكان

وسارت على نفس الخطي، العاصمة الهولندية أمستردام، التي كشفت عن محاولة لتعزيز صورها، وتقليل السلوك غير المرغوب فيه من السياح، لضمان سبل عيش أمنة للسكان، حيث أعلن مسئولو المدينة مؤخرًا، عن مقترحات سياسية "للحد من نمو السياحة والإزعاج" ومكافحة الازدحام الشديد.

ومن الإجراءات المقترحة الأخيرة، مبادرات تستهدف السلوك السياحي المزعج، مثل الحد من عدد الرحلات النهرية، وتطبيق مواعيد إغلاق مبكرة للحانات، والنوادي، وحظر تدخين القنب في أجزاء معينة من المدينة، كما يركز جزء آخر من المبادرة على "تثبيط عزيمة الزوار الدوليين بخطط الانطلاق الجامح في أمستردام"، والتي أطلق عليها اسم حملة "ابقوا بعيدًا"، وفقا لموقع CNN عربية.

ومن جهته، قال نائب رئيس البلدية سفيان مباركي، في بيان، إن "بعض الشركات تسيء لصورة أمستردام بعرضها كوجهة لـ"(إمكانيات غير محدودة)"، وأضاف مباركي: "ونتيجة لذلك، يعتقد بعض الزوار أنها مدينة يسمح فيها بكل شيء، وهذا النوع من السياحة، بالإضافة إلى العروض التي تستهدف هذه المجموعات على وجه التحديد، لا يعتبر مرغوبًا فيه من قبل السلطة التنفيذية للبلدية".

السياسة التى تم الإعلان عنها 30 نوفمبر الماضى، هى جزء من مبادرة أوسع لمعالجة السياحة الجماعية، وتنتظر تصويت مجلس المدينة في 21 ديسمبر الحالي.

أما العاملين في قطاع السياحة بأمستردام، فقد أبدو موافقتهم عليها بالفعل، ويقول المدير العام لأحد الفنادق الكبرى، ريمكو جرونهويزين: "يجب أن نتخلص من الصورة النمطية المتمثلة في المخدرات، وموسيقى الروك أند رول"، ويضيف:"ليس من السيئ أن لدينا مدينة منفتحة أكثر من غيرها بعض الشيئ، لكن هذا ليس تصريحًا مجانيًا للمجيء إلى هنا وإساءة التصرف".







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة