نواصل سلسلة مقدمات الكتب ونتوقف اليوم عند كتاب "الحرف التراثية في مصر.. في ضوء الاستشراق التشكيلي" لـ الدكتور ربيع سيد أحمد، فما الذي يقوله في المقدمة:
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وعلم من الجهالة، وهدى من الضلالة، ففتح الله جل وعز به أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا، فاللهم أجزه عنا خير ما جزيت نبى عن أمته، وأبلغه منا السلام يا سلام يالله.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد"
فالشرق دائماً محط أنظار الغربيين، منذ القدم وتطلعهم إلى استكشافه ومعرفة مكنون خيراته، دفعهم إلى المضي قدماً في دراسة الشرق، وشد الرحال إليه، والتخصص في هذا الفرع من العلوم وهو "علم الاستشراق" أو "علم العالم الشرقى" كما يسميه العديد من المشتغلين والمهتمين بدراسة الشرق، في شتى المناحى فى الآثار، والفلسفة، والفنون، وعلوم اللغة العربية و آدابها والحفائر ... إلخ.
الحرف التراثية في مصر
وحقيقة أن نشأة الاستشراق وتحديد سنة معينة لنشأته أمر ليس بالسهل اليسير، ويمكننا القول بأن هناك إرهاصات لدراسة واستكشاف الشرق منذ القدم، فيعتبر "هيرودوت" أول مستشرق زار الشرق وكتب عنه في القرن السادس قبل الميلاد، في حين يرى آخرون أن بدايات الاستشراق والاحتكاك ما بين الشرق وغيرهم في "هجرة المسلمين إلى الحبشة"، وقد كان ملكها النجاشي آنذاك، وما دار من حديث بينه وبين المسلمين وحسن استقباله لهم وقد تنوعت دوافع الاستشراق ما بين دوافع دينية، ودوافع اقتصادية، ودوافع استعمارية، ودوافع علمية، وثقافية.
ونجد أن هناك إشكالية كبيرة من قبل بعض المؤرخين في رفض ما يأتي به المستشرقون جملة وتفصيلا حتى دون الرجوع إليه أصلاً، لكونه من قبل مستشرق، وفي هذا إجحاف وظلم لهم، فالمستشرقون صنوف ثلاثة صنف حاقد ناقم على كل ما هو شرقي فبعد عن الموضوعية تماماً في معالجة القضايا التي يتناولها، وصنف ثان مستشرقون منصفون كتبوا عن الحضارة العربية بإنصاف شديد وموضوعية، وصنف ثالث مستشرقون أساءوا للحضارة العربية بغير قصد ربما لجهلهم ببعض الأمور عنه.
وقد توالت البعثات الأوربية من المستشرقين المهتمين برسم الشرق وعمائره وفنونه وثقافاته وعاداته وتقاليده، ووجد العديد من المستشرقين في الشرق العربي ضالتهم، فأخذوا يشبعون نهمهم بجمال عمائره، ورسوم أسواقه، وطوائف شعوبه، والحرف والمهن التي يعمل بها الناس، وقاسى منهم ما قاسي، فهذا دافيد روبرتس (مصور الاستشراق الإنجليزي يتزيا بالزي العربي الجبة والقفطان، ويتمنطق بحزام وسط عريض، ويرتدى العمامة العربية، ويحف شاربه حتى يتسنى له الانتقال بسهولة ويسر وتصوير عمائره، وحتى يتمكن من دخول المساجد.
تعد تصاوير المستشرقين من الأهمية بمكان في استقراء الحياة الاجتماعية بمصر، خاصةً من رسموا بنمط الواقعية الشديدة، فكشفت لنا عن العديد من الحرف التراثية، ودور أصحابها في الحياة الاجتماعية بمصر، وسنعول بمشيئة الله على هذه الحرف وبيان أهميتها.
وفكرة الكتاب تدور حول الحرف التراثية في مصر في ضوء فن الاستشراق التشكيلي" وحقيقة كان الباعث والدافع إلى الكتابة في هذا الموضوع أمورًا عدة منها:
تعد تصاوير المستشرقين من الأهمية بمكان في كونها وثائق مصورة للحرف التي كانت موجودة في مصر آنذاك. . بعض هذه الحرف ما زالت إلى الآن بنفس كيفيتها، وأحيانًا نفس الأدوات والآلات مثل حرفة صانعي المعادن، والإسكافية. . سوف يتناول المؤلف بمشيئة الله الحرف التراثية مثل صانعي المعادن والإسكافية، والحلواني، والوقادة، كما سيتناول بعض الحرف الخاصة بالخدمات مثل حرف الساقي، والتي اندثرت الآن، ولم يعد لها وجود كما سيتناول الحديث عن الحرف الخاصة بالتسلية واللهو للعامة في شوارع مصر منها الحاوي، القرداتي، وسوف نقتصر على بعض هذه الحرف وبيان أهميتها، ودورها في حياة العامة في مصر، ودور تصاوير المستشرقين في توثيقها بواقعية شديدة، ودور الفنانين التشكيليين المصريين في استقراء واقع المجتمع في ضوء هذه الحرف بواقعية شديدة.
هذا وعساي أن أكون قد وفقت فما كان من توفيق فمن الله وحده وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمنى ومن الشيطان والله منه براء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة