مها عبد القادر

شهر العزة والانتصارات

الجمعة، 22 مارس 2024 08:48 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يُعد جهاد النفس الأصعب لدى الإنسان، وفريضة الصيام عامل رئيسى فى الإعداد النفسى والبدنى؛ إذ تهيئ الفرد لأن يغير من سلوكياته ويتحكم فى غرائزه، ويتنحى عن شهواته، ويؤثر على نفسه، وهذا ما يجعله على جاهزيةٍ لأن ينازل عدوه ويقهر طغيانه؛ حيث أضحى شهر رمضان سرًا للانتصارات بكل صورها، والتاريخ خير شاهدٍ على ذلك الحديث منه والقديم، بداية من عصور الفتوحات العظيمة، التى شكلت جزءًا مهما من التاريخ الإسلامى على مر العصور كغزوة بدر وفتح مكة وفتح الأندلس ومعركة عين جالوت ومعركة حطين وصولاً لحرب أكتوبر المجيدة.

ففى يوم العاشر من هذا الشهر الكريم، استطاع المصريون أن يحدثوا تحولًا تاريخيًا فى مسار الصراع العربى الإسرائيلي، وتمكن جيشنا العظيم من أن يحطم أسطورة الجيش الذى لا يقهر والتى كان يتغنى بها القادة العسكريون فى إسرائيل، وهذا بفضل الإيمان الراسخ لدى شعب مصر وجيشه وقيادته السياسية صاحبة العزيمة التى لا تلين والبعد الاستراتيجى الذى يدرس فى تاريخ الأمم والشعوب.

لذلك يعتبر نصر أكتوبر العاشر من رمضان علامةً فارقةً فى تاريخ مصر الحديث؛ حيث أحدث نقلةً نوعيةً فى تاريخ بلادنا المجيدة استردت الدولة المصرية بفضل جيشها العظيم الأرض وأكدت للعالم كله أنها لا تقبل الضيم؛ فقد شنت حربها على المعتدى فى شهر الصيام شهر البركات والتجليات والتأييد من الله، وحققت النصر المبين فى معركة حسمت من البداية؛ حيث رسوخ رجال القوات المسلحة المصرية وثباتهم وقوة عزيمتهم للنيل من العدو وإنهاء عدوانه وتحقيق المكاسب على كل المستويات المادية والمعنوية.

إن جيش مصر العظيم حقق الانتصارات واستعاد الأراضى المحتلة، وتصدى لقوى العدوان المدعومة بصبرٍ وثباتٍ، وقدم من التضحيات ما روى به الأرض بدمائه الطاهرة، وجلب الثقة واسترد الكرامة؛ حيث تمكن من عبور قناة السويس والتوغل شرقًا داخل سيناء المحتلة منذ حرب 1967، وقام بتحطيم خط بارليف، الذى يعتبر أقوى خط دفاعى فى التاريخ الحديث، والذى أكد العسكريون أنه لا يمكن تدميره إلا بقنبلةٍ ذريةٍ؛ لكن جيشنا دحر ذلك واستطاع بقوة الإيمان أن يدمر هذا الخط خلال ساعاتٍ من بدء الحرب ليفقد العدو توازنه فى أقل من ست ساعاتٍ متواصلةٍ.

وفى غمار الحرب الضروس فى شهر رمضان المبارك، تم استعادة جزءٍ كبيرٍ من سيناء الغالية، بما فى ذلك المناطق الشمالية منها رفح والعريش وبئر العبد، والمناطق الوسطى مثل القنطرة والسويس ورأس التين وجبل الحلال، وأيضًا المناطق الجنوبية ومنها أبو عجرم والقوز وسفاجا، ومن ثم تمت السيطرة على معظم الأراضى المحتلة وبدون شكٍ فقد تحققت هذه النتيجة بفضل الهجوم المفاجئ والاستعداد العسكرى والتخطيط الجيد والتعاون العربي.

وقد ساهم شهر العزة والانتصارات فى رفع الروح المعنوية للشعوب العربية قاطبةً؛ إذ تأكدت ماهية الولاء والانتماء والقومية والعزة الوطنية والثقة والإيمان فى القدرة على تحقيق الانتصارات، كما وضحت أهمية الوحدة العربية وأكدت على أهمية الاهتمام العالمى بالقضية الفلسطينية، كما توالت هذه الانتصارات بمزيدٍ من المفاوضات بين مصر وإسرائيل تحت إشراف الولايات المتحدة لتحقيق حلٍ سلمى للصراع، تم التوصل إلى اتفاقية كامب ديفيد، والتى أدت فى النهاية إلى توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وقد ساهمت هذه الاتفاقية فى إحلال السلام بين مصر وإسرائيل وإنهاء حالة الحرب وإقامة علاقاتٍ دبلوماسيةٍ مستدامةٍ بين البلدين.

وبما لا يدع مجالًا للشك فإن حرب أكتوبر أحدثت تحولًا مهمًا فى صورة العلاقات المصرية الإسرائيلية، وأدت إلى تغييرات سياسية واقتصادية وأمنية فى المنطقة، وسيظل شهر العزة والانتصارات ملهمًا لنا وفخرًا للعسكرية المصرية على مر التاريخ، كما يظل وساماً على صدور المصريين، بل وكل عربى حرٍ، وفيه نتذكر شهداء العزة والكرامة والذين قال الله تعالى فيهم (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا، بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) (آل عمران: 169)؛ فطوبى لهم وحسن مآب.

وفى ذكرى العاشر من رمضان نوجه أسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان بالجميل لبلادنا العربية قيادة وشعباً، ولشعب مصر العظيم صانع المعجزات صاحب الحضارة والانتصارات وقواتنا المسلحة المصرية الباسلة نبراس الفخر ودرع الوطن والسيف الذى عبر التاريخ إلى يومنا هذا، والشكر موصول لقيادة سياسية رشيدة حافظت على بلادها فى خضم تحديات ومهلكات عديدة ومتنوعة؛ ليحفظ الله علينا نعمة الأمن والأمان، ويرعى بعينه التى لا تنام الوطن الغالى عالى المكانة والمقام.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة