محمد يحيى الكتانى الازهرى

برنامج نور الدين.. رعاية الصغار وظيفة الربانيين

الجمعة، 15 مارس 2024 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كثيرا ما يحضرنى هذا المشهد الملكوتى الذى ذكره لنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، عندما رأى نبى الله وخليله إبراهيم عليه السلام فى السماء السابعة، وحوله الأطفال الصغار من أبناء المسلمين.
 
هذا المشهد الذى أثار فى نفسى سؤالا، وهو: لماذا نبى الله إبراهيم بالذات هو الذى رأينا أولئك الصغار يجتمعون حوله فى السماء السابعة؟ وقد جلس مسندا ظهره الشريف إلى البيت المعمور.
 
لا شك أن أنبياء الله سبحانه وتعالى لهم خصائص اختصوا بها، وامتاز كل نبى عن غيره من الأنبياء بميزة صارت علامة له من بين الأنبياء، فإبراهيم هو الخليل، وموسى الكليم.. وهكذا
 
والذى لاح لى فى بيان هذا المشهد الجليل أن نبى الله إبراهيم عليه السلام الذى هو أبو الأنبياء -كما هو مشهور- هو الذى يتولى تربية الصغار ورعايتهم فى الجنة فأخذت من هذا المعنى أن تربية الصغار والعناية بالنشء هى وظيفة الكبار من الأنبياء والربانيين، وكم بلغنا عن عنايته صلى الله عليه وآله وسلم كذلك بالصغار والنشء المسلم، ويتجلى ذلك فى معاملاته عليه الصلاة والسلام مع الحسن والحسين رضى الله عنهما وأنس بن مالك رضى الله عنه ومع أبى عمير الذى كان صلى الله عليه وسلم يداعبه قائلا: يا أبا عمير ما فعل النغير؟
وما ينبغى لأحد أن يستهين بهذه الكلمة القليلة فى مبناها، العظيمة فى معناها، التى قالها صلى الله عليه وسلم لأبى عمير فإن العلامة ابن القاص المتوفى 335 هجرية صنف رسالة فى فوائد هذا الحديث وهى فوائد تتعلق بالتربية والتعليم والتوجيه الشرعى يحتاجها كل مسلم.
 
وكان لزاما على العلماء الربانيين أن يسيروا على هذا المهيع المبارك ويسلكوا تلك السبيل المرضية؛ فكان ما رأيناه من علماء الإسلام ومشايخ التربية ومدى عنايتهم بهذا الجانب.
 
ولقد جاء برنامج نور الدين، لشيخنا وأستاذنا الدكتور على جمعة، فسار على الدرب ليجدد العهد بهذه الإرشادات النبوية التى شملت صغارنا وشبابنا وبناتنا، الذين عصفت بأذهانهم أسئلة كثيرة اختلطت فيها مفاهيمهم نتيجة لعدم المعرفة بالشرع الشريف مع عدم القدرة على فهم الواقع المتغير الذى ينبغى أن نلائم بينه وبين الدين الثابت الذى لا يتغير.
 
لقد وضع "نور الدين" ميزانا مستقيما لفهم ما ينبغى أن تكون عليه طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى، إنه ميزان "العفاف" الذى ينبغى أن يكون هو الإطار الذى يؤطر العلاقة بين الطرفين وإن أى تجاوز لميزان العفاف هو تجاوز لحدود الشرع الشريف.
 
لقد نشأت الحياة على الاختلاط العام الذى وضع الله له ضوابط ترتبط بالعفة فى جميع صورها، فإن الإنسان كائن اجتماعى يألف ويؤلف ولا يمكن أن يعيش بمعزل عن أبناء جنسه، إلا أن هذا الاختلاط لابد أن يقوم على ميزان العفة وأمن وقوع الفتنة، ولا يمكن أن يدرك أحد حقيقة هذا الأمن إلا الشخص ذاته، الذى يعرف دوافعه وأغراضه جيدا.
 
لقد كان صلى الله عليه وسلم يخص النساء بمجلس يجتمع فيه بهن ويسألنه ويحاورنه حتى قالت السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها" رحم الله نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين".
 
لقد كان الرجال يصلون خلف النبى صلى الله عليه وسلم ويصلى النساء خلف الرجال، لم يكن هناك حاجز أو ستارة كما هو فى زماننا الآن وإنما الكل يعرف ما ينبغى إزاء الآخر من الأدب والتعفف وغض البصر.
 
ولما حاول بعض المنافقين النظر إلى النساء أثناء الصلاة وصار يتأخر حتى ينظر إليهن اثناء سجودهن نزل قول الله تعالى "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين".
 
ولم نسمع أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بوضع حاجز أو ساتر يمنع أولئك المنافقين من اختلاس النظر، وإنما وضع صلى الله عليه وآله وسلم الضوابط والقواعد التى ينبغى أن يراعيها الرجال فى معاملة النساء والنساء فى معاملة الرجال وكلها مبنية على مراعاة الآداب العامة من التعفف وغض البصر و التخلق بمكارم الأخلاق من غير تشديد ولا تمييع.
 
وإذا كان بعض الناس يرى أن إغلاق باب المعاملة بين الرجال والنساء عامة هو أولى من كل هذا وأدفع للفتن، وأكثر ورعا، فهذا لا يمكن أن نلزم به العامة فالناس يحتاج بعضهم إلى بعض فى كثير من المعاملات. وقد قال المتنبي:
الناس للناس من بدو وحاضرة ….. بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
ولا يمكن للمفتى أن يحمل الناس على الورع حملا، وإنما الفتوى أن تحصل على الرخصة من عالم وليس أن تظهر فى إطار المتشدد ولا أن تلبس زى المميع.
 
لقد جاءت كلمات نور الدين فى هذا الباب واضحة وبينة، وأما من حاول اجتزاءها من سياقها أو إخراجها عن مضمونها، أو التقاطها من غير مراعاة ضوابطها ولا أصولها فالله حسيبه وهو حسبنا ونعم الوكيل.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة