سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 13 أكتوبر 1995.. اشتعال معركة قصيدة «المهرولون» وشاعرها نزار قبانى يرد على نجيب محفوظ: لا تطالبنى بالتصفيق لمسرحية اللامعقول التى يعرضونها علينا بقوة السلاح

الأحد، 13 أكتوبر 2024 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 13 أكتوبر 1995.. اشتعال معركة قصيدة «المهرولون» وشاعرها نزار قبانى يرد على نجيب محفوظ: لا تطالبنى بالتصفيق لمسرحية اللامعقول التى يعرضونها علينا بقوة السلاح نزار قبانى
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نشرت جريدة «الحياة» قصيدة «المهرولون» للشاعر نزار فى 2 أكتوبر 1995، فنشبت معركة بينه وبين الكاتب الروائى الكبير نجيب محفوظ، على صفحات الجريدة التى كانت تصدر من لندن، وكانت القصيدة بعد عامين من توقيع اتفاقية «أوسلو» عام 1993، ثم «أوسلو الثانية» فى 28 سبتمبر 1995، التى سمحت بعودة ياسر عرفات إلى الأراضى الفلسطينية وإنشاء سلطة فلسطينية على الضفة الغربية وغزة.


بعد هذه الاتفاقية بأربعة أيام نشر نزار «المهرولون»، وقال فيها: «بعدَ هذا الغزلِ السريِّ فى أوسلو/ خرجنا عاقرينْ/ وهبونا وطنا أصغرَ من حبّةِ قمحٍ/ وطنا نبلعهُ من غيرِ ماءٍ/ كحبوبِ الأسبرينْ!/ بعدَ خمسينَ سنة/ نجلسُ الآنَ على أرضِ الخرابْ/ ما لنا مأوى/ كآلافِ الكلابْ!/ بعدَ خمسينَ سنة/ ما وجدنا وطنا نسكنهُ إلا السرابْ/ ليسَ صُلحا، ذلكَ الصلحُ الذى أُدخلَ كالخنجرِ فينا/ إنهُ فعلُ اغتصاب/ ما تفيدُ الهرولة؟/ ما تفيدُ الهرولةْ؟/ عندما يبقى ضميرُ الشعبِ حيا/ كفتيلِ القنبلة/ لن تساوى كلُّ توقيعاتِ أوسلو/ خردلة!».


علق نجيب محفوظ على القصيدة فى 5 أكتوبر 1995 بتصريحات لها فى «الحياة»، قال فيها: «لقد أعجبتنى رغم اختلافى السياسى معها، ومن يشارك نزار قبانى موقفه، سيجد فيها تعبيرا قويا عن هذا الموقف، لكنه موقف يبدو أضعف من القصيدة بكثير، قصيدة قوية، وموقف ضعيف».


وفى نقده السياسى للقصيدة، قال محفوظ: «فى مثل هذه المواقف، لا بد أن يقدم البديل، لا يكفى أن يهاجمهم، لأنهم يهرولون ويلهثون، ويقبِّلون حذاءَ القتلة، ويفرِّطون فى كل شىء، فالأهم هو أن يقول لهم ماذا يفعلون»، وتساءل: «ماذا يفعل هؤلاء المتهَمون بأنهم يهرولون؟ هل يجلسون ساكنين بلا فعل؟ وإذا كان البديل هو الانتظار السلبى، فإن الطرف الآخر لا ينتظر أحدا، وإنما يمضى فى ابتلاع الأرض، ولا يوجد سلام بغير تفاوض».


يضيف «محفوظ»: «لو كان الوضع العربى الراهن أقوى مما هو عليه، فى هذه الحالة، فإن نتائج المفاوضات تختلف، لكن من أين نأتى بوضع عربى أفضل الآن؟ وليس من مصلحتنا التوقف، لأن الطرف الآخر لن ينتظر، فلسنا فى مباراة للكرة، حتى نحصل على استراحة ثم نعاود اللعب من جديد، فإذا أخذنا استراحة، سيباغتنا الطرف الآخر بتسجيل أهداف فى مرمانا».


فى 13 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1995 وعلى صفحات «الحياة» رد نزار، قائلا: «أستاذنا نجيب محفوظ قمة روائية لا يجادل فيها أحد، لكن نظرته إلى الشعر، نظرة ساذجة، وملتبسة، تحتاج إلى بعض التصحيح، ففى تعليقه على قصيدتى، خلط الروائى الكبير خلطا عجيبا بين الشعرى والسياسى، بين القصيدة وبين الموقف، فامتدح القصيدة جماليا، وهجاها أيديولوجيا».


يضيف نزار: «إذا كان الأستاذ نجيب محفوظ يرى موقفى ضعيفا، ويطالبنى أن أصفق لمسرحية اللامعقول التى يعرضونها علينا بقوة السلاح، وقوة الدولار، فإننى أعتذر عن هذه المهمة المستحيلة، ربما كنت فى قصيدتى حادا، جارحا، ومتوحش الكلمات، وربما جرحت عذرية كاتبنا الكبير، وكسرت زجاج نفسه الشفافة، ولكن ماذا أفعل، إذا كان قدره أن يكون من حزب الحمائم، وقدرى أن أكون من حزب الصقور؟! ماذا أفعل إذا كانت الرواية عنده جلسة ثقافية هادئة فى مقهى الفيشاوى، وكانت القصيدة عندى، هجمة انتحارية على القبح والانحطاط، والظلام، والتلوث السياسى والقومى؟


يتعجب نزار، قائلا: «الذى يدعو إلى الدهشة فى كلام الأستاذ نجيب محفوظ، هو مطالبتى بتقديم بديل لعملية السلام المتعثرة، كأننى السكرتير العام للأمم المتحدة، أو عضو دائم من أعضاء مجلس الأمن، أو كأننى المسؤول عن صياغة النظام العالمى الجديد، إن مطالبة الشاعر بتقديم البدائل تعطيه سلطة تتجاوز سلطته البشرية، وتجعله مركزا من مراكز القوى، وشريكا فى اتخاذ القرار السياسى، وهذا يدخل فى باب المحرمات فى أنظمتنا السياسية الأوتوقراطية التى لا مكان فيها للشريك الآخر، أو للفكر الآخر، أو للرأى الآخر، الشاعر فى بلادنا هو صافرة إنذار تنطلق فى ساعات الخطر، وتطلب من الناس أن ينزلوا إلى الملاجئ، ويلبسوا الأقنعة الواقية من الخوف، والقمع، والديكتاتورية، الشاعر فى تاريخنا هو زرقاء اليمامة التى حذرتْ قومَها من الخطر الذى يقترب من خِيامهم، وأخبرتهم بتفاصيل رؤيتها، ولكنهم لم يصدقوها.


ولو أن الرئيس أنور السادات قرأ قصيدة شاعر مصر الرائى والمستكشف أمل دنقل «لا تصالح»، لما دخلنا فى ذلك النفق المظلم الذى لا نزال نتخبط فيه إلى اليوم، لقد قدَّمَ أمل دنقل إذن للرئيس المصرى نبوءته، واجتهد اجتهاده الشعرى والقومى، ولكن صوته ضاع فى ضجيج محركات الطائرة الرئاسية - طائرة السادات - المسافرة إلى القدس، هذه هى محنة القصيدة التى لا يريد أحدٌ سماع شهادتها، ولو قدّمَتْ ألف دليل، وألف بديل، فهل يتذكر أستاذنا الكبير ضراعة أمل دنقل للرئيس أنور السادات كى «لا يصالح»؟! ولكن صرخة الشاعر تناثرت فوق مياه النيل، ومات أمل دنقل على سرير مرضه، مُحبَطا، ويائسا، ومقهورا.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة