شرف الكرازة.. نعبد الله ونقدس الوطن.. وطنية الكنيسة القبطية عبر العصور.. ثبات فى وجه الاحتلال ودفاع عن الهوية ورفض عروض الحماية ومحاولات الفتنة.. وأشهر مقولات بابا العرب: مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا

الخميس، 04 يناير 2024 06:00 م
شرف الكرازة.. نعبد الله ونقدس الوطن.. وطنية الكنيسة القبطية عبر العصور.. ثبات فى وجه الاحتلال ودفاع عن الهوية ورفض عروض الحماية ومحاولات الفتنة.. وأشهر مقولات بابا العرب: مصر ليست وطنا نعيش فيه بل وطن يعيش فينا ميلاد المسيح
كتب - محمد الأحمدى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مدونة طويلة من المواقف الوطنية فى تاريخ الكنيسة. منذ خطوتها الأولى فى أرض مصر وإلى اليوم، لا تخلو مرحلة زمنية أو حبرية بطريرك من رسالة أو قيمة، حتى أنهم اصطفوا بجانب الدولة فى وجه الحملات الأوروبية رغم أنها رفعت الصليب وادّعت الحرب لأجله، ولقاء ذلك تعرضوا لعقابٍ بالحرمان من زيارة الأراضى المقدسة، كما تحمّلوا مصاعب شتّى كلما أكدوا ثباتهم على عقيدتهم الوطنية. ربما يصعب حصر المحطات المضيئة فى تاريخ الكنيسة القبطية؛ لكن الكثافة والتاريخ الناصع لا يمنعان أن نتذكر بعض الشواهد، تمثيلا وتدليلا وليس من باب الإحاطة والإجمال.

النيل والانتماء

عندما قابل الأنبا أنطونيوس أبو الرهبنة، بحسب مراجع تاريخية، القديس العظيم الأنبا بولا، سأله عن مصر وأحوالها وعن فيضان النيل ومجيئه، وتكررت القصة مع القديس الأنبا مقاريوس الكبير عندما قابل اثنين من الآباء السواح فى البرية. وعندما أراد الملك قسطنطين فى زمن أثناسيوس الرسولى «البطريرك العشرين» تصدير القمح للقسطنطينية، تصدى له القديس رافضا: «قمح مصر أولى به المصريون»، ما أثار غضب الملك فأمر بنفيه، وكان الأول من خمس مرات نُفى فيها البطريرك.

شهادة للوطن

تذكر روايات تاريخية عديدة أن جنديا مصريا من القرن الثالث، من إحدى قرى المنيا واسمه بيجول، تعرض لتعذيب بدنى قاسٍ فى عصر الامبراطور دقلديانوس، لكنه تحمل الآلام بشجاعة نادرة، فاغتاظ الامبراطور وقال له: «الويل لأرض مصر التى جئت منها»، ومن قلب الألم صرخ الجندى: «لا تسب مصر»، فازداد غضب دقلديانوس وأمر بقطع رأسه، لينضم لقافلة الشهداء الطويلة فى تاريخ الكنيسة.

القومية وروح مصر

حمل الفن القبطى منذ بدايته طابعا شعبيا مُعبرًا عن هوية مصر وروحها، فاستقل عن النكهة البيزنطية، وانعكس ذلك على العمارة والموسيقى والأيقونات. وجاء القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، أبو الأدب القبطى، مطالبا باعتماد اللغة القبطية فى الكتابة والصلوات بدلا من اليونانية، فكانت نقلة ثقافية مهمة ومُعززة للمكون المصرى الراسخ فى النفوس.

الاعتزاز بالهوية

ظهر القديس يوحنا «أسقف نقيوس» أوائل القرن السابع، وكتب كتابا شهيرا عنوانه «تاريخ العالم القديم» أظهر فيه اعتزازه الشديد بمصريته، وقال عن المصريين: «أول من صاغ الذهب وبحث عن المناجم، وأول من صنع آلات الحرب وشق القنوات، وأول من عرف الزراعة وعلمها للعالم، وأول من بنى الأهرامات وأقام المدن».

مصلحة الوطن

طوال فترة الحروب الصليبية، أبلى الأقباط بلاء حسنا بجانب إخوانهم المسلمين، ودافعوا عن التراب الوطنى، ولشدة غضب الصليبيين من عدم تعاونهم، منعوهم من زيارة الأراضى المقدسة خلال احتلالها، وقيل أيضا إن صلاح الدين الأيوبى أهداهم دير السلطان بالقدس، مكافأة على أدوارهم الوطنية المشرفة.

عصر محمد على

بالتزامن مع محمد على، كان حبرية البابا 109 بطرس الجاولى، وزاره يوما سفير روسيا عارضا حماية القيصر للأقباط، فسأله البابا: «هل ملككم يموت أم يعيش للأبد؟» فتعجب السفير وأجاب: قطعا يموت مثل سائر البشر، فردّ البابا: «إن كان قيصر روسيا يموت فنُفضّل أن يكون حامى الكنيسة راعيها الإله الذى لا يموت»، فبُهت السفير من حكمته وذهب للوالى الذى سأله عما أعجبه بمصر، فقال: لم تدهشنى عظمة الأهرامات ولا ارتفاع المسلات؛ بل أثرت فىّ حكمة البطريرك، ولمّا روى له ما حدث فرح الوالى وزار البابا شاكرا موقفه الوطنى، فرد البابا: لا تشكر من قام بواجبه نحو بلاده.

المشاركة فى التنمية

حمل البابا كيرلس الرابع لقب «أبو الإصلاح»، وسعى لإنشاء المدارس القبطية العامة والفنية للمصريين جميعا دون تمييز، وكان سابقا لعصره حينما أنشأ أول مدرسة لتعليم البنات عام 1858 مستبقا دعوة قاسم أمين، وسابقا المدرسة السنية بنحو 15 عاما. وكان سبّاقا أيضا بإحضاره مطبعة من الخارج لطبع الكتب ونشر الثقافة، وكانت الثالثة بعد مطبعتى الحملة الفرنسية وبولاق.

الثورة العرابية

عاصر البابا كيرلس الخامس الثورة العرابية وثورة 1919، وتذكر المراجع أنه كان شديد الوطنية، وطوال حبريته شارك بإيجابية فى كل قضايا الوطن، ورفض عرض اللورد كرومر بوضع الأقباط تحت الحماية البريطانية، ومحاولات اللورد كتشنر لإقناعه بحماية كنيسة إنجلترا، وكان رده: «الأقباط والمسلمون منذ أقدم العصور يعيشون جنبا لجنب، يتعايشون معا، ويأكلون من أرض طيبة، ويشربون من نيل واحد، ويتلاحمون فى كل ظروف الحياة، ولن يستغنوا عن بعضهم، ولن نطلب حمايةً إلا من الله ومن مصر».

كيرلس وناصر

تميز عصر البابا كيرلس السادس بعلاقة طيبة مع عبدالناصر، وحينما تنحى الأخير عقب هزيمة يونيو، زاره البابا معلنا تمسكه بالرئيس، الذى استجاب لمناشدته، فدق الأجراس ابتهاجا. وفى أثناء حرب الاستنزاف أرسل برقية للجنود على الجبهة يحثهم على مواصلة القتال، وعندما رحل عبدالناصر اصطحب وفدا للعزاء، ورثاه فى بيان شجى، وكتب كلمة شديدة الصدق والإخاء فى سجل التشريفات، كما أعلن تأييد الكنيسة ترشيح السادات لخلافته.

بابا العرب

البابا شنودة الثالث أحد أكثر البطاركة انتماء ووطنية، وكان له دور بارز فى مؤازرة الدولة فى كل المواقف، وأولها حرب أكتوبر، إذ زار الجنود على الجبهة عدة مرات، ووفرت الكنيسة مساعدات من الأدوية. ومن أهم مقولاته: «مصر ليست وطنا نعيش فيه؛ بل وطن يعيش فينا». ولا تخلو سيرته من مواقف عربية لامعة، فأعلن دعمه الثابت لفلسطين، وقال: «لن ندخل القدس إلا وأيدينا فى أيدى إخوتنا المسلمين»، ومنع حج الأقباط رغم معارضة البعض، حتى صار معروفا بلقب «بابا العرب».

البابا تواضروس

ظهرت حكمة البابا تواضروس الثانى بعد شهور من تجليسه، أمام موجة الإرهاب التالية لفض اعتصامى رابعة والنهضة الإرهابيين، فقال عبارته الشهيرة: «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، مؤكدًا أن حرق الكنائس تضحية بسيطة يقدمها الأقباط من أجل الوطن. وله مواقف وطنية مهمة فى الأزمات، منها وقت تفجير الكنيسة البطرسية 2016، فقال: «الجماعات الإرهابية تجردت من المشاعر والإنسانية»، والمصريون معروف عنهم التضامن، وذلك لا يؤثر على وحدتهم، وعقب الهجمة على مسجد الروضة بسيناء 2017، أعلنت الكنيسة دق الأجراس تضامنا مع الإخوة وحزنا على الشهداء.

p
 

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة