مها عبد القادر

تعليم الكبار فى ظل الجمهورية الجديدة

الأربعاء، 07 يونيو 2023 10:31 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حري بالذكر أن وصول الفرد للمعرفة صار ضرورة؛ ليكتسب مستحقاته البشرية والتي تتمثل في الحرية المسئولة والعدالة وفق معاييرها وثوابتها، والمساواة في ضوء ضوابطها، والشعور بالانتماء والولاء لتراب الوطن، والحفاظ على الكرامة التي خصها الله لعباده، كما أن العلم والمعرفة يمدان الفرد بمزيد من المهارات التي تتيح له فرص الاختيار وتمكنه من العمل الذي يوفر له الحياة الكريمة وينقله من مرحلة الحرمان لمرحلة البناء المتواصل، وتلك من غايات الاستدامة التنموية التي تتسق مع استراتيجية الجمهورية الجديدة الطموحة.
 
وثمت مشكلة قديمة ومزمنة ومتراكمة تتمثل في الأمية؛ حيث تزداد معدلاتها في الريف وبين الفئات الفقيرة والنساء وتتشابك مع مشكلات المجتمع الأخرى، وفي هذا الخضم المتواتر لهذه المشكلة وجهت القيادة السياسية إلى تعبئة جهود الدولة بكافة قطاعاتها وأجهزتها الحكومية للتغلب على الأمية بصورة جذرية؛ إذعانًا بأن النفقات التي تنفقها الدولة المصرية لمكافحة الأمية لا يتساوى مع ما يمكن أن تفقده على المستويات السياسية والاجتماعية إذا استمرت الأمية بين أفراد المجتمع.
 
ويرتبط بالأمية ضعف الإنتاجية للفرد؛ إذ يصعب عليه مواكبة طرائق وأساليب العمل في ثوبه المتطور، وهنا تحدث الفجوة بين الإنتاجية ومعدلها مقارنة بالأداء والجهد الذي يبذله الفرد، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد للمجتمع بأسره؛ حيث إن هناك ارتباطًا وثيقًا بين التدهور البيئي وضعف الوعي وفق المفاهيم، والممارسات، وآليات الحفاظ عليها؛ لتصبح نظيفة وتتسم بالاستدامة.  
 
وتتعاظم تداعيات الأمية لتشمل الصحة العامة للفرد والأسرة، ومن ينبغي أن يمتلك الفرد مهارة الحصول على المعلومات الصحية الأساسية؛ ليتخذ القرار الصحي المناسب ويؤدي الممارسات الصحية التي تحفظ عليه نشاطه البدني وصحته العامة، ومن ثم يستطيع أن يقوم بأدواره في الحياة بصورة طبيعية، وترتبط الأمية في تداعياتها بالزيادة السكانية التي تُعد المعوق الرئيس للتنمية في البلاد؛ نتيجة لضعف الوعي على مستوى الأسرة والفرد؛ لذا أضحت مشكلة الأمية خطرًا يتعاظم أثره في المجتمع، يستوجب أن تنهض الهمم لمواجهته باستراتيجيات تقوم على الشراكة بين مؤسسات الدولة الرسمية منها وغير الرسمية؛ لتحدث الأثر الفعال على المستوى القريب والبعيد.  
 
وبتوجيهات من القيادة السياسية الرشيدة تبذل الدولة المصرية جهودًا متواصلة في تطوير التعليم بغية بناء قدرات أفراد المجتمع لإحداث تنمية مستدامة في جميع مناشط الحياة المختلفة، ويتسق ذلك مع فلسفة تعليم الكبار، تلك الفئة التي تمتلك المقدرة والمهارة المرتبطة بالإنتاج، ولديهم رغبة قوية لمواصلة التعليم واكتساب المعرفة التي تزيدهم مرونة وقدرة على التواصل الفعال ومواكبة كل ما هو جديد في ميدان العلم والمعرفة، ومن ثم فإن اتاحة التعليم للكبار تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص نحو نيل تعليم متميز للجميع، يحدث تطوير للفكر وتنمية للوعي وصقل للخبرات في مجالاتها النوعية.
 
ومن مقتضيات تحقيق الاستدامة في الجمهورية الجديدة لأبعادها المختلفة كان لزامًا الاهتمام بتعليم الكبار والعمل على محو الأمية؛ لتصبح الدولة قادرة على الاستثمار المتكامل والمرتبط بالموارد البشرية والمادية معًا بما يضمن اقتصادًا متميزًا يؤسس على بنية تحتية سليمة بما يشكل بيئة مواتية جاذبة للاستثمار، ومن ثم ينعكس ذلك التميز على سائر القطاعات الخدمية الرئيسة في البلاد من تعليم جيد ويلبي متطلبات سوق العمل وصحة وإسكان ووسائل نقل متطورة صديقة للبيئة.
 
ومساعي الدولة المصرية ليست قاصرة على مجرد تعليم القراءة والكتابة، وإنما تستهدف تنمية المهارات المتنوعة لدى الفرد، كما تشمل محو الأمية الرقمية والثقافية والاجتماعية، وبناء عليه وفرت الدولة عبر مؤسساتها الوطنية تعليمًا أساسيًا تقوم فلسفته على التنمية المعرفية والمهنية لدى الفرد، بما يكسبه الخبرات التي تمكنه من فرص العمل المتنوعة وتسهم في زيادة دخله وتحقق له جودة الحياة التي ينشدها، ولا ريب فإن الأمر بات مرهونًا بمقدرة الفرد على مواصلة التعلم وتوافر الدافع والحافز لديه. 
 
وجاء إعلان مصر خالية من الأمية في عام 2030م من سياق الاستراتيجية الوطنية للجمهورية الجديدة؛ إذ نص هدفها الرابع المتعلق بالتنمية المستدامة على (ضمـان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع)، وتناغم ذلك مع نص الدستور في مادته الخامسة والعشرين ومفاده: "تلتزم الدولة بوضع خطة شاملة للقضاء على الأمية الهجائية والرقمية بين المواطنين في جميع الأعمار، مع الالتزام بوضع آليات تنفيذها بمشاركة مؤسسات المجتمع المدني وذلك وفق خطة زمنية محددة".
 
وإعلاءً لمبدأ المساواة فقد ركزت الجمهورية الجديدة في ضوء تخطيط استراتيجي على محو أمية المواطنين في القرى الأكثر فقرًا والتي استهدفتها مبادرة حياة كريمة؛ فأطلقت وزارة التضامن الاجتماعي حملة محو أمية مليون مواطن بالتنسيق مع الهيئة العامة لتعليم الكبار والأزهر الشريف والجامعات المصرية، وتضافرت الجهود بكل المؤسسات لتقليص نسبة الأمية؛ فساعد موظفون وطلاب جامعات وهيئات التدريس في المدارس على محو أمية المواطنين؛ حيث نظمت حملات توعوية وتثقفية لتشجيع المواطنين على الالتحاق بالمدارس والمراكز التعليمية كما تم توفير دورات تدريبية وورش عمل للكبار بغرض انغماسهم في التعليم والتدريب واكتساب ما يناسبهم من خبرات مهنية كانت أم تقنية.
 
وحظيت المناطق الآهلة بالسكان من حيث الكثافة باهتمام ورعاية القيادة السياسية؛ حيث وجهت الجهود نحوها ضمن العديد من المبادرات والتي في مقدمتها مبادرة حياة كريمة لتنمية الريف المصري والتي تعد أيقونة النشاط والتعاون والتكاتف المجتمعي بالجمهورية الجديدة؛ حيث ساهمت المبادرة في إحداث نقلة نوعية في حياة المواطنين، بغية تحسين النواحي التنموية والاقتصادية والإنسانية وتقديم خدمات أفضل للمصريين.
 
ومن الإيجابيات والفعاليات المتطورة من قبل الدولة المصرية إطلاقها منصة رقمية بهدف بث مواد تعليمية وتدريبية لمعلمي محو الأمية وتعليم الكبار، وكذلك برامج متلفزة لتثقيف وتعليم وصقل خبرات الأميين بمختلف أطيافهم، كما أتاحت الدولة فرص عمل للشباب من الخريجين في مشروعات وبرامج محو الأمية بنظام التعاقد الحر، وحرصًا من الدولة على استيعاب الجميع وفي ضوء مبدأ العدالة؛ فقد وضعت الهيئة العامة لتعليم الكبار منهجًا يلائم ذوي القدرات الخاصة تحت مسمى "نتعلم لنكون"؛ بالإضافة إلى فتح فصول خاصة بهم، وبصورة إجرائية ولمتابعة تقييم الجهود وتقديم التغذية الراجعة لها بصفة مستمرة تم تدريب معلمًا وموجهًا ومتابعًا فنيًا بهيئة تعليم الكبار على برامج محو الأمية بهدف زيادة عدد المعلمين المتخصصين في محو أمية الكبار.
 
وساهمت الجامعات المصرية بشراكة فاعلة في تعليم الكبار؛ حيث دربت منتسبيها من الطلاب على كيفية تعليم هذه الفئة المهمة في المجتمع، وكذلك دربتهم على آليات إكساب الكبار بعض المهارات والمعارف النوعية، ودشنت من المقررات ما يهتم بسيكولوجية تعليم الكبار وطرائق تعلميهم المتنوعة، وبصورة فعلية أصدر المجلس الأعلى للجامعات قرارًا بإلزام طلاب الكليات النظرية بمحو أمية عدد من الأفراد تحدده كل كلية على حدة؛ كشرط أساس للتخرج.
 
 ولم تكن مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني المصرية بمعزل عن تعليم الكبار؛ حيث وقعت بروتوكولات تعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار؛ إذ جعلت شهادة محو الأمية الصادرة من الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، متطلبًا رئيسًا لاستخراج رخصة قيادة، وكذلك شرط للالتحاق بوظائف ترتبط بالمؤسسات الاقتصادية أو الاجتماعية، ويعد ذلك حافزًا للكبار لاستكمال تعليمهم وتنمية مهاراتهم النوعية.
 
وقد حققت مصر مركزًا متميزًا لجهودها البناءة في تعليم الكبار؛ حيث فازت بجائزة اليونسكو عام 2021م، لبرنامجها الذي احتل المركز السادس عالميًا، وانعكس ذلك أيضًا على الدارسين؛ فاتضح مدى ثقتهم بأنفسهم، ومقدرتهم في التغلب على ما واجههم من تحديات، وفاعليتهم في التشارك مع محيطهم ومجتمعهم، ونماء وعيهم نحو العديد من القضايا ذات الطابع المحلي والعالمي، واكتسابهم العديد من المهارات العلمية والعملية والاجتماعية، وتعزيز قيم الولاء والانتماء والتسامح والتعايش السلمي وقبول الآخر، ونبذهم لصور العنف والإرهاب الفكري والمادي، ناهيك عن تمكينهم من مواصلة التعليم في مراحله المتقدمة، ومن ثمَّ منعهم من الارتداد إلى الأمية مرة أخرى، والتوطيد لمفهوم التعلم مدى الحياة. 
 
وتقوم سياسية تعليم الكبار على منطلقات رئيسة تعمل على تحقيقها، منها التوجه المستقبلي المستمد من تراث الأمة الفكري والحضاري، والوعي بمكانة الأفراد الكبار ودورهم في تحقيق التنمية المستدامة، والتوجه الإنساني لأهداف التعليم وبرامجه، ووضع القواعد والأسس العلمية لتنفيذها، والسعي نحو تحقيق ديمقراطية هذا النمط من التعليم واستمراريته وتطويره؛ وتعزز الدولة المصرية برعاية قيادتها السياسية مفهوم التعليم للجميع لتحقيق الوحدة واحترام الحقوق ومن ثم بناء مجتمع خال من جميع أشكال التمييز واللامساواة وتعزيز حب الوطن والمواطنة بين أفراد المجتمع؛ ليصبحوا قادرين على إنجاح أي برنامج وطني مع فهم أفضل للمشكلات وتمكين الأفراد والفئات المهمشة والضعيفة من الوصول إلى فرص جديدة وتعلم أنماط سلوك مستدامة، تكسبهم مهارات تنافسية، يمتلكون مهارات التكيف مع التحديات المهنية ومتطلبات واحتياجات سوق العمل المتغيرة. 
 
ويمكننا القول بأن طريق التنمية والاستثمار، والحافظ على الأمن والأمان والسلام والاستقرار، تقوم على رؤية وفكر يتناسب ويهدف لمواجهة التحديات والقيام بالمسئوليات؛ فالجمهورية الجديدة استفادت من تجارب الماضي وانطلقت برؤى جديدة نحو المستقبل خاصة فيما ارتبط بتنمية الموارد البشرية وتطوير خبراتها، حفظ الله جمهوريتنا الجديدة ووفق قيادتنا السياسية الرشيدة نحو سبل الخير وحقق آمال وطموحات وتطلعات شعبها العظيم.
 






مشاركة



الموضوعات المتعلقة


لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة