مها عبد القادر

التربية الدولية فى عصر الجمهورية الجديدة

الثلاثاء، 23 مايو 2023 06:36 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

تُسهم التربية الدولية في تقوية الرباط بين نسيج المجتمعات على مستوى العالم بأسره؛ حيث التعاون والتكامل بين بني البشر في سائر المجالات؛ بغية دعم القيم الإنسانية التي تؤصل للسلام والتعايش في ضوء الحوار والتعاون والتسامح والاحترام والعدالة مع الحفاظ على الهوية الثقافية للدول، وتعضيد الانفتاح والتواصل البناء في شتى المجالات.

وتكمن أهمية التربية الدولية في تلبية احتياجات الإنسان المعرفية، وما يتصل بها من نسق قيمي وما يرتبط بها من مهارات تمكنه من تحقيق النمو الذي ينعكس أثره على الحياة في مجالاتها ومشتملاتها، بما يضمن التعاون والتكامل الذي يثمر عنه كفالة الحقوق وصيانة الحريّات ويحقق العدل والمساواة في ضوء فكر مستنير يرمي إلى الإبداع والابتكار في مفردات الحياة بكاملها.

وتقوم التربية الدولية على معيار رئيس يتمثل في الإعمار، ولا ريب أن هذا الأمر مرهون ببني البشر وفق ما يمتلكون من فكر إيجابي نحو استمرارية العيش على كوكب الأرض الذي يحمل بين طياته وجنباته طموحاتهم وآمالهم، ويلبي تطلعاتهم نحو المستقبل القريب والبعيد، ومن ثم تُعدّ وحدة الجنس البشري عاملًا إيجابيًا يُسهم في إضاءة العالم عبر ثقافة تقوم على التنوع، وتحض على ثوابت التعاون والتكامل بين المجتمعات، ويصعب أن يتأتى ذلك بعيدًا عن وعي إيجابي رشيد، وفكر يتسم بالانفتاح ليدحض الفروق بين الأجناس والألوان واللغات.

وتسعى الجمهورية الجديدة بفضل توجيهات القيادة السياسية نحو تعضيد التربية الدولية لهدفها النبيل المتمثل في إزالة الصراعات الفكرية والنزاعات الميدانية، وتعضيد لغة الحوار السلمي الذي يقوم على احترام التباين الثقافي والاجتماعي، ومن ثم الوصول إلى توافق وتواصل بنّاء يدعو إلى التفاؤل، ويحقق التعايش في صورته السلمية، ويضفي ظلال الأمن والأمان على العالم بأسره؛ فالتربية الدولية تقوي أواصر التفاهم والصداقة والتسامح بين الشعوب قاطبة، بما يحفظ ويؤكد السلام العالمي.

وما تمارسه الدولة المصرية يتسق مع أسس التربية الدولية؛ حيث تحرص الدولة على تحقيق العدالة والمساواة بين مواطنيها من حيث الحقوق والواجبات في سائر المجالات على المستوى المؤسسي الرسمي وغير الرسمي؛ لتصبح الكفاءة والمهارة النوعية المعيار الحاكم للاختيار، ومن ثم يحدث ما يسمى بتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع، وهذا ما شكّل رؤية ورسالة التربية الدولية في مهدها؛ فلم تقتصر على التنظير، بل صارت وظيفيتها ملموسة فيما تتبناه من منهج وما يرتبط به من مساق ومحتوى وأنشطة ووسائل تساعد في بناء الفكر المستنير الذي يطمح في بناء عالم يتسم بالإنصاف واستدامة الموارد.

وإرساء مبدأ احترام الحقوق واحترام الأقليات، عبر التربية الدولية، أمر يسير في بلادنا الكريمة التي تصون قوانينها وما ينسدل منها من إجراءات- الكرامة الإنسانية، وتحترم الأطياف والأجناس والمعتقدات والمقدسات، وتمنح حق التملك والانتفاع المشروع، وتكفل نشر العلم وتوفير أدواته، وتتيح حرية التعبير والرأي المسئول الذي يقوم على التفكير الإيجابي والمشاركة الفاعلة.

وقد حثّت الدولةُ المؤسساتِ التعليمية، بمختلف سلمها، على تبني المناهج الدولية التي تعمل على تمكين منتسبيها من اكتساب المهارات التي تتناسب مع سوق العمل، وتلبي متطلباته الآنية والمستقبلية، كما تساعد في تنمية الوعي بأهمية الثقافات والحضارات الخاصة بشعوب الأرض، وتؤكد على غرس روح الشراكة والتعاون في حل المشكلات ذات الطابع الدولي، وتسهم في توثيق المسئولية نحو إقرار السلم والسلام في شتى المجالات التي تشكل خلافًا بين الدول والمجتمعات.

وضربت القيادة السياسية المثل الأروع في بُعد مهم من أبعاد التربية الدولية؛ حيث اعتمدت على لغة التفاهم الدولي في تناول قضايا الجمهورية الجديدة؛ لتستهدف نشر الوئام والتسامح والصداقة والثقة والاحترام المتبادل، وتؤكد على حسن النوايا وتعضد ماهية الأمن وتحض على التعاون والإخاء والمساواة بين الشعوب ليتحقق المأمول والمتمثل في السلام والعدل، كما أن الواقع يشير إلى تقدم الدولة المصرية بفضل القيادة السياسية أيضًا في مجال العلاقات الإنسانية بصورة غير مسبوقة، وفتح آفاق تعاون وتواصل وشراكات واستثمارات متعددة، بالإضافة إلى التبادل الثقافي، مع احترام للنسق القيمي الخاص بكل مجتمع، بما أدى لمزيد من التفاهم والتوصل لرؤى جامعة لكثير من القضايا التي باتت في وقت من الأوقات شائكة.

وتُشير التربية الدولية في عصر الجمهورية الجديدة إلى أهمية الاعتماد المتبادل، وهذا ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي في كثير من خطاباته؛ إذ يصعب بحال أن يعيش المجتمع بمعزل عن مجتمعات العالم، ومن ثم ينبغي أن تتواجد العلاقات بصورة مقصودة ومخطط لها، وأن تتوافر النوايا الحسنة التي تؤكد على حسن الجوار وإمكانية التعاون في التغلب على ما يطرأ من مشكلات، وأن يحدث تفاهم مشترك يستوعب كلا الطرفين من خلاله الظروف المتغيرة وتباين الثقافات والبيئات، بما يؤسس لقواعد مشتركة تُسهم في تقبل الآخر وتسانده في مواجهة تحدياته، بما يحقق التكافل ويساعد على الترابط من خلال طرائق تناسب الجميع.

وقد أضحت المعرفة مصدر القوة والسلطة في عصرنا، وهذا ما دعى إلى اهتمام الدولة المصرية بتحديث المسار التعليمي وفق التقدم التقني غير المسبوق، وإيمانًا بأن تنمية العقل البشري على الابتكار والخيال العلمي وتنظيم التقنية بغية الاستفادة منها تعد عناصر رئيسة في التنمية الاقتصادية واستثمارًا بشريًا مجديًا يحقق التنافسية على المستوى الإقليمي والعالمي.

ورغم امتلاك الدول لمقدرات مادية طبيعية إلا إن تجاهل المعرفة يحد من استثمار تلك الثروات، ويعمل على انخفاض فائدتها بمرور الوقت، ومن ثم فمراعاة التحولات العالمية التي تقوم على المعرفة أصبح أمرًا لا مناص عنه؛ فقد غدا رأس المال رقميًا يتحول بصورة كلية إلى الدول التي تهتم بالتكنولوجيا، رغم افتقادها للثروات والمصادر الطبيعية، وتلكما من مبررات الاهتمام بالتربية الدولية التي تستهدف تقبل النظام الاقتصادي الدولي الجديد.

والمطالع لتاريخ السياسة المصرية يجد أن القيادة السياسية أحدثت طفرة نوعية في نشاطها؛ فقد انتقلت من المستوى المحلي للمستوى العالمي؛ ليتشكل الفكر القائم على الخبرات المتعددة، ما يساعد في تجديد الرؤى والأدوات لتخرج الدولة من قيودها وتنطلق نحو العالمية والريادة، وتحدث تغييرات في ملفاتها المختلفة بصورة تلقى القبول والرضا المجتمعي والعالمي، وهذا يؤكد على أن الجمهورية الجديدة، بفكر قيادتها السياسية الراقي، تدحض الانغلاق في عالم منفتح، وتعضد التجديد والانفتاح وفق آليات تضمن استقرار المجتمع المصري وتحفظ عليه أمنه وأمانه وتحقق التنمية المستدامة له في شتى المجالات.

ويعد مسعى التربية الدولية في عصر الجمهورية الجديدة قائمًا على البحث عن استراتيجيات متجددة تضمن الاستمرارية في نتاج العقول، وتغرس الفكر والمعتقد الذي يتسق مع قيم المجتمع ويتزامن من المتغيرات والمستجدات على الساحة العالمية، وتربي أجيال تحمل مبادئ تحض على العطاء والتعاون وبذل الخير في أي موقع ومكان، قناعة بماهية الإعمار التي لا يحدها أرض أو وطن بمفهومه الضيق، إذ ترى التربية الدولية بمفهومها المتسع المجتمع العالمي مترابط برغم تباين ثقافاته وأطيافه التي تتفق على الاحترام والعيش في سلام وأمان، وتنزع مسببات الخلاف والصراع.

ولا تنفك فلسفة التربية الدولية تُحافظ على نظم المجتمعات ووحدتها الداخلية، والتمسك بشرائعها، ومعتقداتها، وقيمها التي تُشكل هويتها، وفي ضوء ما ورد يمكن القول بأن منظور التربية الدولية عميق من الجانب التربوي؛ حيث يؤكد على سيادة الدولة ويعمل على إعداد أجيال تهتم بحوار الحضارات، وتحترم الآخر، وتتفاعل مع مختلف الثقافات، وتدعم المواطنة، وترعى التسامح الثقافي، وتحافظ على حقوق الإنسان، وتنشر السلام العالمي.

حفظ الله جمهوريتنا الجديدة وقيادتنا السياسية، وحقق آمال وطموحات وتطلعات شعبها العظيم.

 

أ.د/ مها عبد القادر

أستاذ أصول التربية

كلية التربية للبنات بالقاهرة _ جامعة الأزهر










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة