قرأت لك.. أصداء والتر بنيامين.. مفاهيم حول التاريخ والماضى ووظيفة المؤرخ

السبت، 29 أبريل 2023 07:00 ص
قرأت لك.. أصداء والتر بنيامين.. مفاهيم حول التاريخ والماضى ووظيفة المؤرخ غلاف الكتاب
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"مثل شخص لم يغرق فى تحطم سفينة، يعتلى بين الحطام صاريا ينهار، لكن من هناك لديه فرصة لأن يرسل إشارة تؤدي إلى إنقاذه" بهذه الكلمات من والتر بنيامين إلى صديقه جيرهارد سولم في عام 1931، يبدأ الباحثان فؤاد حلبوني وإسماعيل فايد، الحديث في كتابهما الجديد "أصداء والتر بنيامين.. حول التراث والتاريخ والثورة"، واللذين يحاولان من خلاله إلى طرح مجموعة من الأسئلة حول إمكانية إعادة تشكيل الذاكرة الجماعية من منظور أكثر انفتاحا، والكشف عن عمليات الإقصاء والإزاحة المرتبطة بالسردي، ونستعرض الكتاب خلال سلسلة "قرأت لك".

والكتاب عبارة عن مجموعة من محاضرات ملتقى التاريخ والذاكرة الثقافية، وهو سلسلة من الندوات التي طورها الباحثان فؤاد حلبوني وإسماعيل فايد منذ 2015. ويسعى الملتقى إلى طرح مجموعة من الأسئلة حول إمكانية إعادة تشكيل الذاكرة الجماعية من منظور أكثر انفتاحا، والكشف عن عمليات الإقصاء والإزاحة المرتبطة بالسرديات التاريخية الرسمي، ويتضمن الكتاب ترجمة مباشرة عن الألمانية لمقالي بنيامين "مفهوم التاريخ".

 

التأريخانية الفكرية

يرتكز نقد بنيامين لمدرسة التأريخانية الفكرية على عدة نقاط مستمدة من مفاهيمها الرئيسية، أهمّها الرغبة فى تأسيس نظرية لتاريخ شامل للإنسانية مرتبط بقوانين وسنن عامة فى محاكاة لمنهجية العلوم الطبيعية فى القرن الثامن عشر والأقرب للنماذج الميكانيكية محاولة التاريخانية المتأخرة التخلص من أثر تلك المنهجية، أما النقطة الثانية فتتعلق برؤية التاريخ من خلال تصور خطي للزمن، بحيث يبدو التاريخ كسيرورة متجهة من الماضي إلى المستقبل وتقوم على وحدات زمنية متتالية خاوية تتخللها دراما بشرية.

ويرى والتر أن التأريخانية تكتفى بإنشاء روابط سببية ما بين النقاط التاريخية المختلفة، لكن وقائع الأمور لا تكتسب تاريخانيتها عندما تكون سببًا. وإنما تصبح الوقائع تاريخية بعد انقضائها، عبر أحداث قد تفصلها عنها آلاف السنين، والمؤرخ إذا انطلق من هذه النقطة لا يمر على الأحداث المتتالية كمرور الأصابع على حبات المسبحة، بل يدرك الكوكبة التي يتقاطع فيها عصره مع عصر آخر سابق ومحدد، وهكذا يؤسس مفهوم الحاضر كالزمن الآني، حيث تتناثر الشظايا المسيانية.

 

الكتابة عن الماضى

يرى بنيامين فى مفهومه عن التاريخ أن الصورة الحقيقية للماضي تفر مسرعة. لا يمكن الإمساك بالماضي إلا كصورة تومض في لحظة اكتشافها بغير رجعة، هذه الكلمة التي جاءت على لسان جوتفريد كيلر تحدد بدقة موضع اختراق المادية التاريخية للصورة التاريخية عن التاريخانية. فهي صورة من الماضي غير قابلة للاسترجاع، يتهددها الزوال مع كل حاضر لا يرى مقصدًا لنفسه فيها.

 

المؤرخ

يصف بنيامين وظيفة المؤرخ من منظور التأريخانية بكونه يسعى لمعايشة عصرٍ ماضٍ من خلال محو "كل ما جرى في مسار التاريخ لاحقًا من ذهنه"، وكأن أحد مهام المؤرخ فصل ذاته وحياته الداخلية وتعاطفه مع الأفراد أو الجماعات السابقة عن كل ما يتعلق بتوترات اللحظة الآنية. فهو يكتب عن الأحداث التاريخية، وكأنه مُشاهدٌ محايد يحاول البحث عن روح العصر، عبر شكل من أشكال التقمص الفكري البارد.

إن المؤرخ من وجهة نظر والتر هو الذي يسرد الوقائع دون التفريق بين الصغائر والكبائر يضع في اعتباره حقيقة أن أي واقعة ماضية لا تسقط من التاريخ أبدًا. لكن بالطبع الماضي بجملته لا يُمنح سوى للبشرية المفتدية. ومفاد ذلك أن البشرية المفتدية فقط هي القادرة على اقتباس ماضيها في جميع أوقاتها.

 

المؤرخ المادي

يسعى المؤرخ "المادي التاريخي" لنزع صفة القداسة عن ذلك المشهد الاستعراضي، عبر مساءلة فرضيات الرواية التاريخية الرسمية وعيًا منه بأن أي "توثيق للثقافة هو بالضرورة توثيق للهمجية في الوقت ذاته"، بصيغة أخرى، يعي المؤرخ أن كل "البضائع الثقافية" جاءت على حساب المهزومين في التاريخ، ولذلك، وللكشف عن المظلوميات المتراكمة والكامنة داخل تلك السرديات التاريخية الرسمية، يقوم “بتمشيط التاريخ في الاتجاه المعاكس”.

ويرى أن المؤرخ المادي لا يكتفي باستدعاء اللحظة الماضية في الحاضر بشكل سببي بسيط، وإنما يكون بمثابة تفخيخ لثغرة زمنية، كأنها جسر يومض (لينطفئ سريعًا) ما بين لحظتين متفردتين، لا يتبين للوهلة الأولى أن ثمة علاقة منطقية بينهما. تشق تلك الثغرة التراتب الزمني الخطي وتضع اللحظتين وجهًا لوجه للمرة الأولى، رغم القطيعة الزمنية الواضحة بينهما. بصيغة أخرى، فاللحظة الآنية ليست جسرًا خاويًا يمتد بين الماضي والمستقبل.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة