بيشوى رمزى

الدبلوماسية المصرية.. "نفوذ" متسع ينطلق من الداخل

الأحد، 05 فبراير 2023 03:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

في الوقت الذي تواصل فيه الدولة المصرية توسيع دوائرها الدبلوماسية، عبر اقتحام مناطق تبدو جديدة، تبتعد عن نطاقها الاقليمي الضيق، بتنويع تحالفاتها بالتوجه شرقا نحو آسيا، وتوطيد العلاقة مع عدد من القوى الدولية على غرار روسيا والصين بدلا من سياسة الاعتماد على حليف واحد، من جانب، وإحياء نقاط أخرى كانت "ميتة" في دوائرها التقليدية، منها التقارب مع اليونان وقبرص في دائرتها المتوسطية، من جانب آخر، نجد أن ثمة العديد من الأدوات الدبلوماسية التي استخدمتها لتحقيق هذا الهدف، ربما كانت موجودة من قبل، ولكنها اندثرت بفعل الإهمال، أو ربما القبول بالدور المرسوم لها من قبل القوى الدولية الحاكمة للعالم خلال حقبة "الهيمنة الاحادية"، في العقود الثلاثة الماضية.

 

ولعل أهم الأدوات التي استخدمتها الدبلوماسية المصرية في السنوات الاخيرة اعتمدت بصورة كبيرة على استكشاف نقاط القوة التي تمتلكها في الداخل، وعلى رأسها البعد الجغرافي ذو النطاق المتعدد، فهي تحمل عمقا إفريقيا، ذات هوية عربية، يرتبط بالقارة الآسيوية، بالإضافة الي موقعها على البحر المتوسط الذي خلق ارتباطا بأوروبا، ناهيك عن عمقها الإسلامي، وهو ما ساهم في إعادة استكشاف الدور الذي يمكن أن تقوم به لتتجاوز الحالة الإقليمية المحدودة نحو دور دولي على النطاق الأوسع في ظل عجز القوى التقليدية عن العمل بمفردها لتجاوز أزمات العالم الجديد، والتي باتت متسعة وغير محدودة النطاق.

 

إلا أن الجغرافيا ليست الأداة الوحيدة التي اعتمدتها الدولة المصرية للقيام بدور أكبر على المستوى الدولي، في ظل ارتباط الدبلوماسية بمنظورها الواسع بمجالات أخرى، وعلى رأسها الاقتصاد، وهو ما يبدو في التقارب مع اليونان وقبرص، والذي يبدو مرتبطا للوهلة الأولى بالبعد المتوسطي، ولكنه ولد في حقيقة الأمر، باستكشاف موارد الدول الثلاثة من الغاز الطبيعي، مما ساهم في تحقيق طفرة كبيرة، للدول الثلاثة، دفعت نحو استقطاب دول أخرى، في إطار "منتدى غاز شرق المتوسط"، والذي تحول إلى منظمة دولية تضم عدة دول أخرى، يمكنها العمل معا لتحقيق المصالح المشتركة.

 

البعد الاقتصادي في الدبلوماسية المصرية، لا يقتصر على التعاون مع المحيط الخارجي، وإنما امتد إلى التجربة المصرية في الداخل، والتي صارت مصدرا للإلهام في العديد من الدول الأخرى، وهو ما يبدو في المشاريع الاقتصادية العملاقة التي أطلقتها، والتي تراعي أبعاد التنمية المستدامة، وعلى رأسها الجانب البيئي، وهو ما بدا في قمة المناخ الأخيرة التي عقدت في شرم الشيخ، والتي قدمت مصر نفسها خلالها كنموذج يمكن تعميمه في دول العالم النامي، في محاربة ظاهرة التغيرات المناخية، لتصبح الطرف المخول له الحديث باسم منطقة جغرافية تتجاوز الإقليم الضيق، في إطار خلافاته التي دامت لعقود مع القوى الكبرى، حول الالتزام بتقليص الانبعاثات، وهو ما أسفر عن تدشين صندوق الخسائر والأضرار، الذي تنضم إليه كافة دول العالم، ناهيك عن تدشين منتدى الهيدروجين الأخضر مع بلجيكا، والذي سيمثل "لبنة" لتحالف دولي يضم مزيجا من الدول المتقدمة والنامية، في إطار تحقيق المهادنة مع الطبيعة الثائرة.

 

والحديث عن "المهادنة"، يحمل في طياته العديد من الأبعاد الأخرى، التي اعتمدتها الدولة المصرية، في دبلوماسيتها الدولية، انطلاقا من الداخل، على غرار تدشين "الحوار الوطني"، والذي يهدف إلى تخفيف حدة التنافس السياسي، نحو إطار تكاملي، يهدف إلى تحقيق الاستقرار، في الداخل، واستغلال كافة الطاقات المتاحة لمواجهة الأزمات القائمة، وهو ما استلهمته دولا أخرى على غرار العراق وتونس والجزائر، وغيرهم، لتتحول فكرة الحوار إلى "حجر الأساس"، لتحقيق قدر من الاستقرار الإقليمي.

 

تعميم رؤية الداخل المصري، وانعكاساتها على الدبلوماسية المصرية تبدو في العديد من النماذج الأخرى، كالحرب على الارهاب، عبر اعتماد عنصر التوعويه وتصحيح الأفكار كأداة رئيسية في المعركة التي يخوضها العالم ضد جماعات الظلام، جنبا إلى جنب مع الأدوات الامنية، مع العمل على إدماج كافة عناصر المجتمع التي عانت من التهميش لعقود طويلة في المشاركة في العمل الوطني، على غرار الشباب والمرأة وذوي الهمم وغيرهم، وهو النموذج الذي استلهمته دولا سواء في المنطقة أو غيرها في السنوات الماضية لتحقيق الأمن والاستقرار.

 

وهنا يمكننا القول بأن اتساع الدور الدولي الذي تلعبه الدولة المصرية، في الآونة الأخيرة انطلق من الداخل، عبر تعميم التجربة التي تبنتها منذ ميلاد "الجمهورية الجديدة"، وهو ما لم يقتصر على نطاقها الاقليمي التقليدي، وانما اتسع ليشمل نطاق جغرافي أوسع، يمثل في جوهره أحد إمكاناتها، في ظل أعماقه المتعددة، التي تتجاوز الخريطة المتعارف عليها، ليصبح الدور الدولي المتسع أحد "ثمار" الاستثمار في الداخل، سواء اقتصاديا أو سياسيا أو جغرافيا أو أمنيًا، وهو ما يصب في نهاية المطاف على تقديم نموذج قوى من شأنه إعلاء شأن مناطقها الجغرافية، في ظل استلهام تجربتها من قبل دول الجوار الجغرافي بالاضافة إلى دول أخرى تبدو بعيدة عن نطاقها التقليدي

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة