محمد حبوشه

دبلوماسية الرئيس السيسى تسجل تميزا ملحوظا لمصر الآن

الجمعة، 01 يوليو 2022 02:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كانت سياسة مصر الخارجية تجاه بيئتها الإقليمية والدولية دائما نتاج عوامل موضوعية كامنة فى أوضعها التاريخية والجغرافية والثقافية والديموجرافية، غير أن مثل هذه العوامل الموضوعية لا تستبعد الطابع والتأثير الشخصى لقادتها فى تشكيل سياساتها الخارجية وبشكل خاص خلال تاريخها الحديث منذ عهد محمد على حتى الوقت الحاضر وعبر عهود قادة ثلاثة: جمال عبد الناصر، أنور السادات، وحسنى مبارك، وذلك فى سياق البيئة الإقليمية والدولية والواقع المصرى الذى جرت فيه وأديرت هذه السياسة، وقد أشار جمال عبد الناصر فى كتابه (فلسفة الثورة) إلى حتمية ومسئولية مصر كفاعل جوهرى فى نطاق ثلاثة دوائر هى: الدوائر العربية، الأفريقية، والإسلامية، وبفعل هذه السياسات أصبحت القاهرة مركزا للمؤتمرات الآسيوية والأفريقية ذات البرنامج واللغة المعادية للغرب، ومن ناحية أخرى تضمنت دعوة عبد الناصر للقومية العربية خصومة تجاه النظم المحافظة فى العالم العربى.

ويختلف الإطار للنظرة العامة التى رأى بها السادات سياسة مصر الخارجية خاصة فى منطقتها العربية، عن تلك التى رآها فيها عبد الناصر، فبينما أخضع عبد الناصر سياسة واهتمامات مصر للقضايا والاهتمامات العربية أو رأى أن مصالح مصر ترتبط بشكل عضوى وتخدم بشكل أكثر فى سياقها العربى، فإن السادات قدر أن الاهتمامات والمصرية تتقدم وتعلو على الاهتمامات العربية، أو هو رأى أن مصر بمكانتها مؤهلة لأن تقود العالم العربى لا أن تقاد إليه، وأن لا تجعل خلافاته تحد من حركة السياسة الخارجية المصرية وبشكل خاص تجاه النزاع مع إسرائيل، وربما كان مقتنعا أن ما سيفكر فيه، وحملة السلام التى سيطلقها إنما تخدم الأهداف والمصالح العربية مثلما تخدم أهداف مصر.

أما الرئيس مبارك فقد كان الهدف الرئيسى أمامه هو استعادة الاستقرار إلى الواقع السياسى والاجتماعى، ولم تكن الحاجة إلى استعادة وتحقيق عنصر توازن فى السياسة الخارجية بأقل أهمية، وكان فى مقدمة أولوياتها هو تصحيح العلاقة مع العالم العربى، فرغم أن الشعور العام كان مازال نحو عدم تورط مصر فى الواقع العربى المعقد، إلا أن شعور شعبيا مماثلا بأن خصومة مصر فى محيطها العربى هو أمر مناف لطبيعة الأشياء، وهذا الاعتبار الأخير هو الذى جعل من أقوى التحديات التوصل إلى صيغة تجمع ما بين استمرار علاقة مصر ومكانها التقليدى فى العالم العربى، وبين استمرار التزامها بسلامها التعاقدى مع إسرائيل، وقد كان هذا حقا، وفى كل تقدير المراقبين، تحديا قويا إلا أن السياسة المصرية التى تحلت بالصبر والشروع فى سياسات تتميز بالتوازن أمكنها التوصل إلى هذه المعادلة، الأمر الذى وجده هؤلاء المراقبون إنجازا دبلوماسيا حقيقيا.

لكن أداء الدبلوماسية المصرية مع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم اختلف تماما طبقا للمتغيرات الحادثة فى السياسة العربية والإقليمية والدولية، فقد انتبه إلى أهمية الدور الإقليمى لمصر، كان العالم العربى تاريخيا فى قلب السياسة الخارجية المصرية، وكان ينظر إلى مصر، وتنظر مصر إلى نفسها باعتبارها رائدة وقائدة فى منطقتها، كان ذلك فى كل العهود، ولكن هذا الدور اتسع نطاقه بشكل أكبر خلال السنوات القليلة الماضية فى أعقاب حكم الإخوان الذى -تقريبا- عزل مصر عن محيطها العربى والإقليمى والدولى، فقد استعادت مصر علاقاتها الطبيعية مع العالم العربى انطلاقا رغم أن المفهوم القديم للوحدة العربية والقومية العربية قد تآكل وترسخ مفهوم الدولة القطرية، وفى وسط هذه التحولات وجدت مصر نفسها فى بيئة إقليمية متغيرة، صاحبها تغير جذرى فى النظام الدولي.

وقد حرص الرئيس السيسى على عدم الانجرار إلى صراعات عسكرية تغرقه فى براثن الفشل كما فعل سابقوه، ونأى بنفسه عن المشاركة المباشرة بقواته المسلحة فى الصراعات بين الدول العربية، إلا أن هذا لا يعنى عدم اتخاذ مواقف صلبة لن تؤدى بالضرورة لهذه الصراعات وإنما سوف تكون تأكيدا للذات تنبع من رؤيته لمصالح مصر ولمصالح الأشقاء والإقليم كله، ومثل هذه المواقف سوف تقنع الأطراف الأخرى، خاصة القوى الأجنبية، أن مصر لاعب هام ومؤثر لا يمكن تجاهله، والدليل على ذلك هذا النشاط المكثف للدبلوماسية المصرية طوال الشهر الماضى من خلال زيارات: الشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات، وولى العهد السعوى الأمير محمد بن سلمان)، وأمير قطر تميم بن حمد، وقيام الرئيس السيسى بزيارة خاطفة للبحرين قبل أيام قليلة.

كل ذلك بالضرورة يعكس وعى القيادة المصرية فى لم الشمل العربى على أسس موضوعية تحقق اللحمة العربية والمصالح الاقتصادية المشتركة، فى وقت تسعى فيه أطراف إقليمية ودولية لإضعاف شوكة العرب، وهكذا نتصور أن ممارسة مصر لدورها العربى خلال الأيام القلائل الماضية يحكمه الرغبة فى أن تكون مصر قوة استقرار وسط العواصف التى تحيط بالمنطقة وعدم استدراجها إلى مواجهات، وقد أثمرت هذه السياسة أن أصبحت القوى الرئيسية فى العالم تنظر إلينا كعامل استقرار وتعتمد عليها وتنسق معها فى مبادرتها فى المنطقة بفضل السياسة الحكيمة التى ينتهجها الرئيس السيسى، وفى سياق نهج ممارسة مصر لدورها فى المنطقة بشكل يتفق مع المتغيرات الإقليمية والدولية، فقد أكد السيسى عبر الدبلوماسية المصرية النشطة على أن تقوم مصر بدور فاعل فى حركة الإقليم وذلك من خلال مواقف وسياسات تنفى عنها صفة السيادية أو التباعد من خلال سياسات عملية وفى عدد من القضايا الحيوية والمصيرية للعرب.

عادت مصر إلى ريادتها الإقليمية والعربية والأفريقية، بفضل سياسة الرئيس عبد الفتاح السيسى عبر ما يسمى بـ(دبلوماسية القمة)، التى حرص على اتباعها فى التعامل مع الملفات الكبرى والأزمات، على أن علاقات مصر بمختلف دول العالم صارت فى أحسن حالتها، إذ كان للقيادة السياسية حضورا قويا وبصمة واضحة فى المحافل الدولية، وهو ما كان له عظيم الأثر على ملف العلاقات الثنائية، ولعلنا نلحظ أن (السيسي) عندما يجلس بنفسه على مائدة حوار فى لقاء مباشر مع رئيس دولة أخرى ليبحث الأزمات بل والطموحات، فتحل المشاكل وتنتهز الفرص وتتخذ القرارات، ومن ثم الإجراءات التنفيذية، وهذا برأيى يعد من أهم مكاسب الدبلوماسية المصرية فى عهد الرئيس السيسى وهى (دبلوماسية الرئاسة) التى كانت قد افتقدتها مصر لسنوات طويلة .

8سنوات فقط كانت كافية ليدرك الشعب المصرى أن قوة دولتنا وسياستها الخارجية واستعادة مكانتنا الدولية مرتبطة أولا وقبل كل شىء بقدرة قيادتنا السياسية على تخطيط وتنفيذ رؤية شاملة طموحة لسياسة داخلية ناجحة تستند لحشد الشعب دوما نحو البناء والتعمير والعمل والإنجاز، وظنى أن دائرة أهداف دبلوماسية الرئيس عبد الفتاح السيسى الواثقة تبدو كل يوم أكثر اتساعا، ولا يخلو يوم دون أن تسجل سياستنا الخارجية فيه هدفا جديدا فى مرمى جديد بمعدلات تصويب بالغة الدقة والتعقيد.

ولم يكن مستغربا فى هذا الإطار أن تتسع رقعة وعمق صداقات وتحالفات مصر إقليميا ودوليا، مثلما لم يكن مستغربا لمن يملكون البصيرة السياسية أن يدركوا صدق نوايانا ومصداقية ونبل رؤيتنا، وقبل كل ذلك من قوة مصر العسكرية وتماسك جبهتها الداخلية والتفاف شعبها حول قيادته، ومنذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مقاليد الحكم فى البلاد فى يونيو 2014 حققت الدبلوماسية المصرية انطلاقات جديدة تعزز وترسخ ثقل مصر ودورها المحورى إقليميا ودوليا واستعادة مكانتها ودورها لصالح شعبها العظيم.

لقد سارت ثوابت السياسة الخارجية المصرية التى رسخها الرئيس السيسى تعتمد بشكل رئيسى على ندية واحترام متبادل وشراكة وقرار وطنى مستقل، وأرى أن محددات تلك السياسة الخارجية المتوازنة رسمها الرئيس السيسى فى خطاب التنصيب فى يونيو 2014، والذى أكد فيه أن مصر بما لديها من مقومات يجب أن تكون منفتحة فى علاقاتها الدولية، وأن سياسة مصر الخارجية ستتحدد طبقا لمدى استعداد الأصدقاء للتعاون وتحقيق مصالح الشعب المصرى، وأنها ستعتمد الندية والالتزام والاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية كمبادئ أساسية لسياساتها الخارجية فى المرحلة المقبلة، انطلاقا من مبادئ السياسة الخارجية المصرية، القائمة على دعم السلام والاستقرار فى المحيط الإقليمى والدولى، ودعم مبدأ الاحترام المتبادل بين الدول، والتمسك بمبادئ القانون الدولى، واحترام العهود والمواثيق، ودعم دور المنظمات الدولية وتعزيز التضامن بين الدول، والاهتمام بالبعد الاقتصادى للعلاقات الدولية، وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للغير.

وبالفعل.. وعلى مدى السنوات الثمانية حصدت مصر بقيادة الرئيس السيسى ثمار سياستها الخارجية الجديدة، ومن هذا المنطلق جاءت الزيارات الخارجية المتعددة والمنسقة التى قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسى، على مدى السنوات الماضية، وحرصه على المشاركة فى القمم والمحافل الإقليمية والدولية بخلاف زياراته الثنائية لدول العالم لتصب فى مصلحة مصر سياسيا واقتصاديا بل وفى مصلحة محيطها الجغرافى انطلاقا من المسؤولية التى حملتها مصر على عاتقها منذ فجر التاريخ، وبرزت جليا فى هذا الإطار المواقف الثابتة التى تتبناها الدبلوماسية المصرية، خاصة حيال القضايا الإقليمية فى الشرق الأوسط وعلى رأسها الاوضاع فى سوريا وليبيا واليمن والعراق.

ومنذ انتخابه لم يدخر الرئيس السيسى جهدا من خلال اتصالاته الدولية واجتماعاته مع قادة العالم، وأيضا زياراته الخارجية فى التأكيد على ضرورة حل القضية الفلسطينية حلا عادلا، وتشديده على ضرورة اتخاذ التدابير كافة، من قبل المجتمع الدولى لإنهاء هذا الصراع وتمكين الفلسطينيين من العيش بحرية وكرامة، وأيضا تشديده على استعداد مصر لبذل الجهود كافة فى هذا الإطار، وفى سياق آخر، لم تألو السياسة الخارجية المصرية جهدا على مدار السنوات السبع الماضية لوضع نهاية لمعاناة الشعب الليبى الشقيق، وتحركات مكثفة للدولة المصرية مثلت نقطة تحول فارقة فى مسار الأزمة الليبية، عبر (إعلان القاهرة) الذى أعاد لحمة معسكر الشرق الليبى، وكان بمثابة دعوة صريحة للتمسك بالحل السياسى للأزمة ووقف العمليات والتصعيد العسكرى.

وعملت مصر وما زالت جاهدة على دعم جميع السبل الرامية لإنهاء معاناة الشعب السورى الشقيق ووضع نهاية للصراع مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على كيان الدولة السورية ومؤسساتها والعمل على استعادة الأمن والاستقرار فى ربوع البلاد وبين أطياف الشعب كافة، وتحرص مصر على السعى نحو دعم جهود التوصل إلى تسوية سياسية، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على وحدة واستقلال وسيادة الأراضى السورية وضمان أمن وسلامة الشعب السورى واستقرار وتماسك الدولة السورية بمؤسساتها الوطنية.

وفيما يتعلق بالوضع فى اليمن أكدت مصر دوما مساندتها للشرعية اليمنية، وتابعت تطورات القضية اليمنية منذ ثورة فبراير 2011 وما شهدته البلاد من عدم استقرار أمنى وسياسى، باعتبارها من أولويات السياسة الخارجية المصرية فى ضوء خصوصية العلاقات بين البلدين والتى يظل البعد الاستراتيجى والأمنى عنصرا أساسيا فى منظومتها، وهو ما تجلى مؤخرا من خلال استقبال السيسى لرئيس المجلس القيادى الرئاسى الدكتور (محمد العليمي) بالقاهرة قبل أسبوعين، وتواصل الدبلوماسية المصرية جهودها من أجل رفعة الوطن وحماية مصالحه ومصالح الدول الشقيقة وفقا لرؤية ثاقبة للمشهد الإقليمى، فمصر قلب العروبة النابض ستظل رغم التحديات كافة، الدولة التى لا تمر الحلول للأزمات إلا عبرها.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة