ناهد صلاح

لماذا تكتب هالة خليل؟

الأربعاء، 27 أبريل 2022 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

إنها ليست المرة الأولى، سبق لهالة خليل أن كتبت "قص ولصق" (2007) و"نوارة" (2015)، فالمخرجة الدؤوبة، الشغوفة بالخروج من أسر الأفكار التقليدية، فضلت أن تظهر كمؤلفة فقط هذه المرة، وتركت المهمة لعمرو عرفة، مخرج متميز وله في السينما تجربة لافتة، غير نمطية، تنحاز إلى الكوميديا ونزعة التجديد في الصورة. إذن، هل نكتشف في تجربتهما مع "أحلام سعيدة"، أن ثمة حساسية جديدة تعلن نفسها؟

 سؤالي لا يقودني إلى مساحات شائكة، لا حصاد فيها، إنما يحاول تفسير عمل هو رهن أيدينا، وهو حصيلة تعاون بين اثنين متسلحين بإنجازاهما المتراكم، وإن كان ثمة تباين في تجربتيهما، لكن لا يمكن أن نتجاهل المكاسب الفنية الناتجة، وكيف تلقفتها السينما والفن عمومًا، إضافة إلى مجموعة من العوامل الأخرى، أبرزها هنا المشاركة في اللعبة الدرامية بخطة مختلفة، يتخلون فيها عن الموضوعات المركبة، والبناء الغامض، والحوارات الملتبسة، وزوايا التصوير الغريبة.

 لعبة حافظت على بساطة في السرد والشكل والمضمون، وبرزت فكرتها في القوة الكامنة لدى بطلات المسلسل، ورغبتهن أو بالأحرى حلمهن في التغيير، والتماسهن فرصة من أجل البوح بالمُضمر والمستتر، إنها حالة عاطفية يختلط فيها الفرح والشجن، هذه الحالة هي ما كتبتها هالة خليل.

 المؤلفة قدمت بطلات هن مرايا لها، لعلها رأت نفسها فيهن أثناء الكتابة، كما نرى أنفسنا فيهن أثناء المشاهدة، لا أدري. لكنهن لسن هالة ولا هن نحن. هؤلاء يشبهننا في جوانب ما، وإجمالًا يشبهن نساء عشن معهن وربما أثّرن فينا، قد تكون هالة التقطهن من تجاربها ومشاهداتها في الواقع لقصص بطلاتها نساء. عالم النساء ثري بنماذج مثيرة للحكي، من هنا تطل فريدة (يسرا) الارستقراطية، الغريبة عن زمنها ومجتمعها بناسه الجديدة الذين لا تعرفهم، أو لا ترغب، لذا تعيش على حافة الماضي والحاضر، الماضي انتهى والحاضر واقعه صعب عليها، ما يجعل التواصل شاق وعويص على فهمها، حتى مع آدم (علي السبع) ابنها الوحيد، المندمج مع نسق عصره، ويجعلها أيضًا صعبة المراس، مرتابة إلى حد الشكوك في شقيقها صالح (عماد رشاد).

  شيرين (غادة عادل) امرأة أخرى، هي ابنة عصرها، تعاني من مشكلاته وتحاول أن تتصالح مع حالها، ومع أنها لم تتزوج بالرغم من أربعينيتها، أما ليلى (مي كساب)، فحدث ولا حرج عن امرأة هي ضحية نسق اجتماعي نشأت فيه، وحولها لنموذج منسحق تجاه زوجها وتجاه الرجل عمومًا، إنها أسيرة التربية الذكورية بكل عُقدها، لكن صدفة (شيماء سيف) فإنها تجسيد حاسم للمرأة البسيطة في مجتمعنا، وإن بدت صورتها نمطية كخادمة خفيفة الظل، أو مساعدة أو أيًا كان توصيفها، حياتها تتمحور حول طيبتها وولع بالطعام والشراب والزواج، لكنها واحدة من الإشارات التي تدل على وضعها كامرأة هامشية.

 الموضوع هنا ليس معركة بين المرأة والرجل، أو ترسيخ لفكرة محاربة الذكورية، إنما الترسيخ الفعلي للحالة الإنسانية السائدة، بكل أطرافها من النساء والرجال، وليس أدل على ذلك من نماذج للرجال قدمهم المسلسل بانسيابية وصدق مثل آدم، الشاب الذي يسعى وراء حلمه ليكون فنان ستاند أب كوميدي وعلاقته اللطيفة مع صديقته ومنتجته نادين (داليا شوقي)، ويحيي (نبيل نور الدين) المحامي والإنسان الراقي، وأُنسي (هشام اسماعيل) الزوج الطيب والأب الحنون، هو نموذج لحالة من حالات التعاون الموجودة في الواقع، وإن كانت غير متداولة، حتى حازم (نور محمد) زوج ليلى، تُخفي أنانيته الظاهرة مشاكل نفسية كبيرة.

  هالة تكتب وهي تنظر في المرايا، مرايا مجتمعنا، إنها لا تكتب مشاعرها فقط،  إنما أحاسيس نساء تعاطفت معهن، وربما كرهـت في بعضهن أمورًا، هذا ما ظهر في إشارات إلى استسلام ليلى مثلًا وظلمها لنفسها، حسب سلسلة من القواعد الاجتماعية المتوارثة الخبيثة التي من خلالها تظلم المرأة نفسها وغيرها من النساء.

 تكتب هالة خليل إذن هذا المسلسل المتآلف في عناصره الفنية، ومنها الأداء التمثيلي الفطن لجميع ممثليه، لتحكي عن الصداقة بين النساء، وما يترتب عليه من دعم نفسي لهن، ولتؤكد أن المرأة قادرة على البوح، وهذا ما يجعل المتفرج يفتتن بالتفاصيل وطريقة السرد، إن البوح حول النساء إلى رواية يقرأنها قبل غيرهم، فيطَلعن على أنفسهن ويفهمهنها.

 تكتب هالة خليل لتخبرنا أن الحياة مفتوحة على الاحتـمالات كلها، ونحن كل لحظة معرضون لاختبار هذه الاحتمــالات. تكتب لتسجل مشاهدًا في واقعنا، يمكن أن تتضمّن تعبيرٍا عن مواقف وجودية، كما يمكن أن تطرح معضلات عبر بساطة مشهد أو متعة لقاء. فهنا في "أحلام سعيدة" أكثر من حبــكة، لقاءات بين المصائر أو مفاجآت ومصـادفات خفية.

 تكتب هالة خليل لتنقذ روحًا من الاعتيادي والمعيش والتفاصيل، الكتابة هي طوق النجاة، ولا أقصد أن أضع المسلسل في خانة "التقعير" و"التنظير" الغائر والسحيق، فمن أجمل مقوماته أنه بسيط ومبهج ورومانسي ملون بصبغة كوميدية، لكني أردت أن أوضح كيف أن مؤلفته سعت بتعميق زواياه الإنسانية، حتى لا يكون مجرد ذريعة أكثر منه إنجاز فني.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة