لنا عبد الرحمن تكتب: الأرقون.. عن النوم والأحلام وما بينهما

الأربعاء، 05 يناير 2022 05:00 م
لنا عبد الرحمن تكتب: الأرقون.. عن النوم والأحلام وما بينهما الدكتورة لنا عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يحمل النوم حالة من الاستسلام العذب، اللذيذ، يرتخى الجسد فى حالة اللافعل وعلى النقيض منه هو الأرق، إذ يقود الأرق صاحبه إلى القيام بأفعال شتى، تختلف وتتنوع من شخص إلى آخر.
 
تضع الكاتبة الفرنسية مارى ديريسك فى كتابها "بلا نوم" تصوراتها عن فعل النوم، ونقيضه أى الأرق، وما يصاحبه من إرهاقات وتشوش ذهنى يقلق صاحبه ويسبب له اضطرابات شتى، منها عدم التركيز والاضطراب العصبي. تحكى عن معاناتها مع الأرق وكيف تبدو الحياة مع فكرة توسل النوم وانتظاره قدرا يحكم البعض ويجعل أحلامهم السعيدة قصية جدا. وغنى عن القول أن الحياة تكون جحيما لايطاق حينما يكون النوم عزيز المنال ويطول بالشخص الأرق والسهاد، حينها لا يجدى نفعا التغنى بما قاله الشاعر الفيلسوف عمر الخيام بالسهر:
 
فما أطال النوم عمراً ولا
قصر فى الأعمار طول السهر
***
يرتبط النوم بالليل ارتباطا وثيقا، فالبشر الذين ينامون نهارا هم قلة، عدا "الأرقون" هناك من وقعوا أسرى مهن تفرض عليهم السهر ليلا، وأيا كانت تلك المهن يغدو الليل بالنسبة لهم وقتا للعمل، ينتظرون انتهائه كى يعودوا إلى بيوتهم، كى يناموا. هناك أيضا فئة ثالثة اختارت عن عمد مراقبة الليل والسهر مع نجماته، وهى أيضا فئة قليلة للغاية إذ تتيح لها الحياة ترف اختيار "شقلبة" ساعات النوم واللعب بها بين الليل والنهار. يفضل الفنانون والمبدعون الليل وساعاته على النهار بكل زحامه وتفاصيله، يجدون فى الليل راحة وألفة تخصهم وحدهم دون غيرهم، على الرغم من وجود العديد من الأسباب الأخرى التى ألف أصحابها العتمة حتى اشتاقت أعينهم لضوء النهار.
 
فى خبر طريف أن إحدى الشركات السياحية فى مدينة "هونج كونج"، قامت بفكرة مبتكرة للغاية وهى اقتراح رحلات لمواجهة مشكلة الأرق، وهذه الرحلة تكون بلا وجهة محددة، حيث يصعد "الأرقون" إلى الحافلة الهادئة التى تنطلق فى رحلتها مدة خمس ساعات، يضعون الأقنعة على أعينهم والسماعات العازلة للصوت وعلى هدهدات الباص واهتزازاته يمكنهم الاستسلام لاغفاءات قد تطول لزمن ساعات الرحلة. هذا الخبر الذى يبدو غريبا على القارئ العربي، يحمل فى طياته إشارات اجتماعية أيضا لطبيعة الحياة الضاغطة فى الصين، حيث يعانى معظم المواطنين من التوتر بسبب العمل، أو أسعار السكن، أو من ضغط الحياة، وزادت هذه الضغوطات أيضا بعد أزمة "كورونا"، وعدم القدرة على السفر، مما صاعد من حدة الأرق، والتفكير فى ايجاد حل له. ربما ما يبدو فكاهيا فى التجربة هذه أن رواد الباص يرغبون بالصعود إليه بغرض النوم، لا بغرض مشاهدة الطريق، والتفرج على المساحات الشاسعة، إنهم يرغبون فى مشاهدة أحلامهم فقط.
 
***
فى عالم الأدب، هناك العديد من الكتب التى تناولت عالم الأحلام، سجل الراحل العظيم نجيب محفوظ أحلامه فى كتاب " أحلام فترة النقاهة"، كذلك كتب "رأيت فيما يرى النائم"، وهى مجموعة قصصية احتوت خمس قصص قصيرة وقسما بعنوان "رأيت فيما يرى النائم" تضمن 17 حلما. وتعتبر هذه الأحلام أحلامًا روائية مؤلفة، بينما "أحلام فترة النقاهة" تعبيرا عن أحلام واقعية.
 
"إبصار الحلم أمر وكتابته أمر آخر"، هذا ما يراه الشاعر والكاتب اللبنانى عبده وازن فى كتابه " غيمة أربطها بخيط، حيث يدون وازن أحلامه، فى انسيال حميم، يعود فى ذاكرته إلى أحلام أبصرها منذ سنوات وظلت تشاغل ذاكرته الواقعية، يقول : " أتذكّرها جرّاء أثرها فى أو حبّى لها أو خوفى منها. فى أحيانٍ أسرد الحلم كما هو، وفى أخرى أنطلق من أضغاث حلم لأنسج حوله نصّاً. ..وفى كلتا الحالين يغدو الحلم الذى أبصره مختلفاً عن الحلم الذى أكتبه، علماً بأنّني، عندما أعيد كتابة الحلم، أبدو كأنّنى أحلمه مرّة أخرى ولكن عبر الكلمات".
 
فى روايته "طعم النوم"، يتصدى الكاتب طارق إمام لحالة "النوم"، عبر رصدها كحالة مجردة، لا تناقض الحياة بل تكملها، إذ يمنح السرد للفتاة النائمة وأمها شهرزاد فى معارضة لروايتى " الجميلات النائمات" لكواباتا، و "ذكريات غانياتى الحزينات" لماركيز. تقول البطلة فى الفصل الأول: " أنا حلم شخص آخر، أكتب قصتى هذه وأنا نائمة ...يكتب النوم هذه القصة بلغته، لغة يستحيل على يدى المستيقظة أن تمتد إلى معجمها لتصيغ عبارة". أما المكان فى الرواية فهو مدينة "الاسكندرية" بكل ما تحمله هذه المدينة من دلالات، سواء فى انفتاحها على البحر وعلى هويات كثيرة تعاقبت عليها عبر التاريخ، وعلى مدار النص ثمة ازدواج بين الواقع والخيال، وبين النوم والأرق، هنا الأرق يُمثل لحظة الحاضر الواقعية التى سرعان ما تتحول إلى ماضي، مع كل ما فى الماضى والحاضر من حكايات تتعرض إلى تحريف فى نقضها لنفسها، وفى وجود ثنائيات تُمثل الليل والنهار، يتمدد بينهما الحلم. 
 
***
الأحلام تسيطر على عالم النوم، رغم أن بعض البشر لا يذكرون أحلامهم، فيما البعض الآخر يعتبر أحلامه مرشدا لحياته الواقعية. غالبا يطمح الحالمون إلى تفسير أحلامهم، ومعرفة الدلالات الموجودة فيها، وهذا أمر قديم جدا حيث دراسة الأحلام وجدت لها آثار على الألواح الحجرية التى ترجع إلى "سومر" أقدم حضارة عرفتها البشرية، كما اعتقدت بعض الشعوب القديمة مثل الإغريق أن الأحلام عموماً هبة من الآلهة لكشف معلومات للبشر وزرع رسالة مُعينة فى عقل الشخص النائم.
 
لم يبدأ اهتمام علماء الغرب بدراسة الأحلام إلا حديثاً مع سيجموند فرويد وهو أول من وضع الأسس العلمية لتفسير الأحلام فى كتابه الشهير عام 1899م " تفسير الأحلام ". أما فى العالم العربى والإسلامى فقد اهتم رجال الدين المسلمون بالأحلام وتفسيرها، وأصبح ذلك علماً بحد ذاته عند بعض المُفسرين مثل "محمد بن سيرين"، كما اهتم به مفكرون مثل " محيى الدين بن عربي" فى كتابيه "الفصوص" و"الفتوحات المكية"، أيضا "ابن خلدون "، الذى سعى إلى تفسير الأحلام وتحليلها وتقسيم أنواعها ومعرفة أسبابها ومصادرها.
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة