بيشوى رمزى

النظام الدولي الجديد.. مفاهيم قديمة بـ"أدوات جديدة"

الإثنين، 17 يناير 2022 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع هيمنة الأزمة الأوكرانية على المستجدات الدولية، في الآونة الأخيرة، ثار الحديث عن احتمالات غزو روسى لأوكرانيا، خاصة مع المطالبات بانضمام كييف إلى حلف شمال الأطلسى "ناتو"، وهو ما اعتبرته موسكو بمثابة "خط أحمر"، لا يمكن لما يسمى بـ"المعسكر الغربى" تجاوزه، مما أسفر عن حالة من الجدل الكبير، والتراشق في التصريحات، بين دول أوروبا الغربية، وروسيا، وهو ما يعكس طغيان القواعد التقليدية، التي تبناها النظام الدولى السائد منذ نهاية الحرب الباردة، على عقول قطاع كبير من أعضاء المجتمع الدولي، رغم التغيير الكبير الذي تشهده الساحة العالمية، ليبتعد بصورة كبيرة عن المشهد الأحادى، الذي ساد المجتمع الدولي، منذ نهاية الحرب الباردة، في إطار غزوات ومعارك خاضتها واشنطن طيلة العقود الماضية، لفرض كلمتها، ورؤيتها، حال فشل الدبلوماسية أو سياسة العقوبات.

ولعل الحديث عن "الغزوات" العسكرية، ليس مستغربا، خاصة وأنه كان سمة سائدة على العالم، مع تغير الأنظمة الدولية، واختلاف طبيعة الصراع منذ الحقبة الاستعمارية، باعتباره الأداة الرئيسية التى فرضت بها القوى الرئيسية كلمتها بالقوة على العالم، مرورا بالحروب العالمية، وحتى الحرب الباردة، والتي بدأ خلال المفهوم يتغير عبر تحول مجرى الصراع من الطبيعة المباشرة بين طرفيه، إلى ما يشبه حروب دولية بالوكالة على أسس أيديولوجية بين "الرأسمالية والشيوعية"، وانتهاءً بالهيمنة الأمريكية، والتي شهدت مزيجا بين "الحروب بالوكالة" والغزو المباشر، على غرار الحرب في أفغانستان والعراق واللتين أعقبتا أحداث 11 سبتمبر لتحمل شعار "الحرب على الإرهاب" مع مطلع الألفية الجديدة، والتي أطلقتها واشنطن، لتكون بمثابة إرساء لـ"صراع الحضارات"، الذى سبق وأن أرساه نظريا السياسى الأمريكي الشهير صموئيل هنتنجتون، في مقال بأحد أشهر الدوريات الأمريكية، ثم تحولت إلى كتاب يحملان نفس الاسم.

إلا أن التغييرات في المرحلة الراهنة، يبدو أنها سوف تشمل تدشينا لأدوات جديدة، تبتعد بصورة كبيرة عن تلك الأساليب التقليدية، التي ترتبط بمفهوم الهيمنة، فالغزو ربما يتجاوز المفهوم العسكرى التقليدي، عبر أساليب القرصنة الإليكترونية والاستخدام المتنامى لأساليب التكنولوجيا الحديثة، بينما التحالفات، باتت تحمل أبعادا أخرى تتجاوز مفهوم المعونات والمزايا الاقتصادية، التي تمنحها القوى الكبرى، لضمان ولاء الحكام والأنظمة، ودورانهم في فلكها، بل وأصبحت الأنظمة نفسها لا تملك الكلمة العليا في توجيه سياساتها الخارجية وبوصلاتها الدبلوماسية، في ظل صعود كبير للتيارات الشعبوية وظهورهم البارز داخل أروقة السلطة في السنوات الأخيرة.

ففي الوقت الذى تنامى فيه الحديث، عن الغزوات العسكرية، نجد أن ثمة هجمات إلكترونية باتت تستهدف مؤسسات الدول الحكومية، في انعكاس صريح لطبيعة "الغزوات" الجديدة، بصرف النظر عن الجهة المتورطة في هذه الهجمات، والتي لا يقل شراسة، خاصة في تداعياتها، على الدولة، إذا ما قورنت بالتحركات العسكرية، حيث يمكن من خلالها الاطلاع على كافة أسرار الدولة وتحركاتها، دون الانغماس في مستنقع الحرب، وما قد تتكبده القوى "الغازية" من خسائر فادحة على أثرها، سواء من الجانب الاقتصادى أو من ناحية الأرواح.

فلو نظرنا إلى تداعيات الحروب الأمريكية خلال العقدين الأخيرين، سواء في العراق وأفغانستان، نجد أن الخسائر الكبيرة سواء من الناحية الاقتصادية أو البشرية، قد لعبت دورا رئيسيا في تأليب المواطنين على الإدارات المتعاقبة، بينما كانت سببا رئيسيا في صعود الرئيس السابق دونالد ترامب إلى قمة السلطة، وتنامى شعبيته بصورة كبيرة بين الأمريكيين، إلى الحد الذى دفع البلاد نحو حافة الفوضى، عقب الإعلان عن خسارته للانتخابات الأخيرة، بفضل خطابه، الذى بدا مختلفا عن أسلافه، خاصة فيما يتعلق بانتقاداته اللاذعة لسياسات "الغزو" العسكرى، ناهيك عن سياساته التي اعتمدت فكرة الانسحاب من مناطق الصراع بصورة كبيرة.

الأمر لا يقتصر على فكرة "الغزو" العسكري، فهناك مفاهيم أخرى، لا يبدو لها مكانا في إطار النظام الدولي الجديد، منها "المعونات"، والتي بات يحل محلها مفهوم "الشراكة الدولية"، وهو ما يبدو في الكثير من المشاهد الدولية، أبرزها التعاون غير المسبوق بين روسيا ومحيطها الأوروبي في مشروعات الغاز، تزامنا مع حالة "التخلي" الأمريكي عن الحلفاء، والتي بدأت في عهد ترامب، عبر فرض التعريفات الجمركية، على الواردات القادمة منهم للأسواق الأمريكية.

وهنا يمكننا القول بأن الحديث عن "الغزو" بالمعنى التقليدي، جنبا إلى جنب مع المصطلحات الأخرى، على غرار "المعونات" الاقتصادية، أصبح مجرد "هراء" في ظل المعطيات الدولية الجديدة، والتي تشهد اختلافا كبيرا في الأدوات المستخدمة لتحقيق النفوذ، في ظل الاعتماد على أدوات أخرى، تحمل في جزء منها أبعاد تكنولوجية، وأخرى اقتصادية، تقوم على الشراكة بين الدول لتحقيق تنمية اقتصادية مشتركة

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة