محمد عبدالرحمن زغلول

عرض سيد درويش.. النية الطيبة لا تكفى

الجمعة، 18 سبتمبر 2020 03:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تناول الشخصيات التاريخية سواء أكانت فنية أو سياسية أو دينية، أمر مربك، ومثير للتساؤلات الفنية، إذ كيف لا يقع المبدع في فخ التحيز أو"التسطيح"، وكيف سينتصر للأدوات الفنية على صوت العشوائية وغياب الموضوعية الطاغي؟ ولعل هذا أول ما دار في ذهني عند مشاهدتي العرض المسرحي «سيد درويش» بطولة النجم محمد عادل والنجمة لقاء سويدان، الذي يعرض حاليا على مسرح البالون بالعجوزة.
 
عرض "سيد درويش" دراما استعراضية تقدم السيرة الذاتية لفنان الشعب سيد درويش، وتدور أحداثه حول المحطات الهامة في حياته ومواقفه الوطنية، وكذلك إسهاماته الفنية التى أثرى بها الفن، وأهم المتغيرات التى أدخلها الفن، والنقلة النوعية للموسيقي العربية والتعبير عن فئات كثيرة من المجتمع ومشاكل الطبقات المهمشة.
 
وهو من بطولة، لقاء محمد عادل، لقاء سويدان، رشا سامي، شريف عبد الوهاب، سيد جبر، محمد عنتر، ماهر عبيد، يوسف عبيد، سعيد ‏البارودي، محمد الشربيني، سمير الجوكر، هالة الصباح، عاطف سعيد، عماد عبد المجيد، سامي عوض الله، جمال ترك، أشرف عبد ‏العزيز، غادة كامل، دعاء الخولي، مجدي عبد العزيز، إسماعيل شعراوي، إمام محمد، فاروق الجندي، ربيع الشاهد، مازن تركي‎.
 
جاء العرض دراميًا فى قالب استعراضي غنائي، اعتمادًا على أغاني فنان الشعب سيد درويش، بصوت أبطال العمل مع تقديمها من خلال توزيعات أكثر حداثة، نفذها الموزع الموسيقي حمادة الحسيني. 
 
وعلى قدر الحداثة أثبت العرض أن سيد درويش هو المجدد الأول للموسيقى العربية، وأن ألحانه الخالدة تستطيع الاستمرار، بفضل رشاقتها وخفتها وبساطة تركيبها الفنية، وتقديمه أساليب موسيقية تستطيع التناغم مع كافة التطورات التي تطرأ على الموسيقى الشرقية والعربية، ساعد على ذلك تميز أصوات أبطال العمل الغنائية، الذين أمتعوا الجمهور بتقديم توزيعات جديدة ومتنوعة لفنان الشعب أكثر حداثة تليق بتقديمها فى القرن الحادي والعشرين.
 
العرض الذى احتفى بسيرة أكبر موسيقي مصري فى القرن الماضى، تخليدًا لذكراه، ورغم تطابق اسمه مع فيلم «سيد درويش» إنتاج عام 1966، بطولة الفنان الراحل كرم مطاوع، وهو أمر طبيعي فى حالة تجسيد شخصية إبداعية مرموقة مثل فنان الشعب، لكنه أخذ منحى آخر عن الفيلم سالف الذكر، إذ جاء تناوله الدرامي سطحي تمامًا ومليء بالأخطاء التاريخية، مع غياب الرؤية الفنية لصناع العمل، مكتفيًا بالمرور سريعا على بدايات "درويش" وإظهار خلافته مع أهل بيته و"سلبيته" أحيانا فى بعض المواقف دون تفسير، كذلك مر على تطورات وإنجازات سيد درويش سريعًا؛ بل إن المشاهد قد يفاجأ بسرعة التحول دون إشارة واضحة.
 
العرض أيضًا الذي يفترض أنه تاريخي لتناوله شخصية فنية توفيت منذ 97 عاما كاملة، جاء دون وعي بتاريخ تقديم بعض الأغاني ومناسبتها، كما أنهم لم يظهروا أعوامها بالتحديد، واكتفوا بالإشارة الفنية إلى بعض الأحداث التاريخية التي توضح ظروف المشهد التاريخية مثل الحرب العالمية الأولى وثورة 1919، لكن أيضا صناع العمل تورطوا في بعض الأخطاء التاريخية الكارثية، ففي أحد المشاهد وبينما الحديث دائر عن الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، يأتي المشهد الذى يليه وأبطاله التاريخين هم سيد درويش ونجيب الريحاني وبديع خيري، والشيخ يونس القاضي، وهو فى أوج مشوارهم الفني، ليستأذن كي يسمع خطبة الزعيم مصطفى كامل، المتوفى في عام 1908، كذلك تواجد في المشهد موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، والمولود حسب عدد من المراجع الفنية في 13 مارس 1902. 
 
كذلك جاء العرض أيضا طويلا ومبالغ فى مدته، خاصة أنه لم يتطرق لسيرة فنان الشعب سيد درويش وإظهار الجوانب الإنسانية والشخصية الخاصة به ومن عاصروه من أهله وزملائه، ولم يستغل مدة العرض الطويلة نسبيا فى تقديم سياق درامى واضح أو رؤية مغايرة عن المنتشرة فى صفحات الإنترنت، واكتفوا بتقديم استعراضات غنائية، جاءت جيدة فى معظمها، بفضل براعة أداء النجمين ميدو عادل ولقاء سويدان، وباقى فريق العمل الذين قدموا أداءً متميزا فى الاستعراض والتمثيل، فلم يقع أحدهم خاصة "عادل" و"لقاء" فى خطاء التقليد الأعمى، بل قدموها من روحهم الخاصة وفهمهم الخاص للشخصية.
 
أمر آخر جاء تكراره مبالغا ومزعجا للمشاهد، وهو خروج أبطال العمل وبالتحديد الفنان سيد جبر الذي يقدم شخصية "كراوية" عن النص في أكثر من مناسبة لتحية الضيوف، وكأن العرض جاء فى بروفة يعرض لهؤلاء فقط.
 
 
أما سينوغرافيا العرض جاءت ثابتة عبر لوحات متغيرة لأشكال توضح أحد أحياء مدينة الإسكندرية أو منزلي سيد درويش وجليلة العالمة أو المسارح التي عمل عليها فنان الشعب، فيما جاءت ديكوراته بسيطة تماما، بينما تميزات الإضاءة والمؤثرات البصرية فى أكثر مناسبة فى توضيح الرسالة التي يستهدف إيصالها للجمهور مثل مشهد وفاة "سيد درويش" والتعبير عنه عن طريق شمعة انطفأت فجاءة.
 
في النهاية رغم تعدد الأخطاء التاريخية فى العمل والتناول السطحي الشديد، وغياب الرؤية الفنية الواضحة منه، إلا أن مثل هذه الأعمال عن سيرة كبار الموسيقيين والفنانين هي فرصة كبيرة لتقديم أعمالا أكثر كي تمثل أرشيفا للأجيال الحالية لمعرفة عظمة فناني بلادهم وعراقة فنها الأصيل.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة