القارئ بلال فاروق يكتب: سلو قريتنا

الثلاثاء، 05 مايو 2020 06:00 م
القارئ بلال فاروق يكتب: سلو قريتنا شخص بخيل

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كان عم خالد شابًا قويًا صلب المعدن رزقه المولى بـ خمسة من الأطفال بكر الكبير وجلال الذى يليه كانا من أصحاب نصيب الأسد، أما أحمد وسامح ووائل فكانوا ممن يبخل عليهم، فكان فى اعتقاده -الخاطئ-أن أول مولودين هما -فتحة خير- وأن الباقين ليسوا سوى حظ سيئ فحتى بعد ما تعثر ماديًا أخذ يصرف كالمعتاد فازداد بكر وجلال عطف وحنان وباقى الأولاد تعمقوا فى السواد والجوع..

تزوج بكر وجلال من فتاتين توأم وبدأوا فى الإنجاب وازدادت الأطفال كما ازداد بؤس الثلاثة الآخرين.. وفى يوم كان سامح-العتال- يحمل الصناديق الثقيلة وينقلها من مكانها إلى العربة التى ستحملها فى طريقها ولكنه كان بالقرب من منطقة صحراوية فلم يجد أى شىء حوله فأخذ يبحث فى التراب فوجد بعض الخنافس والنمل فأكلهم من شدة الجوع.

بعد عدة أيام مرض مرضا شديدًا تقلص له جسده وبعد آنات وصراخات طوال الليل اخيرًا طلب عم خالد الإسعاف، ليس حبًا او عطفا على سامح بل خلصًا من الصداع الذى دمر خلايا مخه.

قبلما يموت طاقم الأطباء الذى حاول علاج سامح سمعوهم يقولون بأن النمل الذى أكله سامح لم يكن من المفترض أكله فهذا النمل لا تستطيع المعدة هضمه، وهو يستطيع أن يخترق الجلد دون أن تشعر بأى وخز وبالتالى يستطيع الانتشار، وبما انه يخترق الجلد والأعضاء الحيوية فإن فرصة نجاتك من هذا النمل -إذا اصابك- يعتمد فقط على ان تموت تلك النملة ولا أمل لك فى أى علاج آخر.

بدأ النمل ينتشر فى القرية ومات من مات من سكانها، فتبقي هذا العديد الصغير من البشر الذين يستوطنون تلك البقعة ليست الصغيرة من الحجم فى قريتنا.

يقول المنطق، أن توزع الثروات فى تلك الحالات فقد شاهدوا اقربائهم واحباهم وهم يموتون والنمل يفجر اجسامهم، لكن ظهر فى تلك الفترة بعد فترة عم خالد واولاده وللعجب الشديد فقد رفع النبوت والشومة لكل من قابلهم فسيطر على جزء كبير من الأراضى بوضع اليد، ومع ذلك اكمل سنة حياته بالصرف على جلال وبكر وإيقاع الباقى فى التعاسة.

عرفت كل هذا وأكثر من المشاهد الدموية والدموع المذروفة على من مات فى قريتنا حينما جالست بكابوظة -حفيد عم خالد من جلال- اثناء انتظارنا الموت حينما تغذى احد احفاد عم خالد على بعض الحشرات مرة اخرى بسبب الجوع الذى يسببه له تعامل عم خالد-الجد الأكبر وصاحب الفضل عليه- واصبح هذا سر قريتنا.

لا احد يعلم متى نترك سلو حياتنا، او متى يموت عم خالد حيث ان ابناء احفاه يموتون وهو لم يصبه العجز وتخافه الشيخوخة ام تره سيعيش ابد الدهر؟ او هل سيسمع استغاثة احفاده ام سيتركهم كما ترك اولاده من قبل؟ او متى يعطف امثال بكر وجلال على اقران سامح واحمد ووائل؟ او متى سيتوفق ابنائهم من اكل اقذر الأشياء ليسدوا جوعهم فيموت الكثير والكثير من قريتنا؟ هذا مشهد صغير من أحاديث قريتنا وهناك الكثير من الحكايات يمكن ان نحدثكم بها إن لم نمت انا وبكابوظة وخصوصًا ما حدث من مآسى لباقى أولاد عم خالد واحفاده فكل شخص فى تلك الأسرة يستطيع فقط ان يجعلك تنتحر بمجرد سرد قصته عليك.

 

 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة