سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم.. 25 مايو 1902.. وباء الكوليرا يبدأ فى قرية «موشا» بأسيوط بسبب عشر صفائح مملوءة بماء بئر زمزم أدخلها عمدة البلد

الإثنين، 25 مايو 2020 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم.. 25 مايو 1902.. وباء الكوليرا يبدأ فى قرية «موشا» بأسيوط بسبب عشر صفائح مملوءة بماء بئر زمزم أدخلها عمدة البلد الدكتور نجيب محفوظ

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مستهل صيف عام 1902، تفشت الكوليرا بين الحجاج فى مكة عام 1902، وقضت على الألوف منهم وبينهم من المصريين الكثير، حسبما يؤكد الدكتور نجيب محفوظ فى مذكراته «حياة طبيب» مضيفا: «لما عاد الحجاج إلى مصر حُجزوا فى معازل الحجر الصحى فى سيناء، واتخذت احتياطات دقيقة، ولكنها لم تمنع تسرب الكوليرا، فقد ظهرت فى قرية من قرى الصعيد تسمى «موشا» على مقربة من أسيوط».
 
تسرب وباء الكوليرا إلى باقى مصر فقتل 34 ألفا 595 مواطنا، وكان الدكتور نجيب محفوظ «1882 - 1974» أحد راود الطب فى تاريخ مصر من الذين واجهوا هذه النكبة، أثناء دراسته فى السنة النهائية بمدرسة طب قصر العينى، ويسجل شهادته عنها فى مذكراته «حياة طبيب» التى قدمها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين. 
 
يتذكر «محفوظ»، أن وباء الكوليرا ظهر فى بلدة «موشا» فى أواخر شهر مايو 1902 (25 مايو، مثل هذا اليوم)، ولم يكن عدد الأطباء كافيا لمقاومة الوباء ومكافحته، فقررت الحكومة تجنيد طلاب الطب الذين تقدموا فى الدراسة، خاصة طلبة السنة النهائية لكى يسهموا مع الأطباء فى مقاومة المرض، وتقرر وقف الدراسة فى مدرسة الطب وتأجيل امتحاناتها، واستمر الأمر حتى أواخر شهر ديسمبر 1902.
 
يصف «محفوظ» قرية «موشا» قائلا: «قرية صغيرة يسكنها بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف، وتقوم على مرتفع من الأرض وسط الحياض بأسيوط، وفى أثناء الفيضان تمتلئ الحياض، فتصبح القرية كأمها جزيرة تحيط بها المياه، لا يوصل إليها إلا على متن القوارب، وفى الصيف بعد انحسار مياه الحياض، تجف التربة، وتكثر فيها بسبب الحرارة أخاديد وشقوق يتعذر معها السير، ودرجة الحرارة فيها ترتفع حتى لتبلغ فى الظل أحيانا 53 درجة».
 
وعن سبب دخول الكوليرا إليها يقول محفوظ: «كان بين الحجاج الذين عادوا، بعد أن قضوا فترة الحجر الصحى عمدة «موشا»، وهو على حظ من الثقافة، وقد جلب معه عشرة صفائح مملوءة بماء بئر زمزم فى مكة، وكانت زمزم فى تلك السنة لحقها «ميكروب الكوليرا»، ولم يفطن إلى ذلك هو أو أطباء المحجر، فأذنوا له فى نقل صفائح الماء معه، وهى محتوية على رواسب عضوية تقوتت بها «ميكروبات الوباء» ولما وصل العمدة إلى بلدته، وزع ماء الصفائح على أهله ومحبيه، فصبوا فى آبارهم للتبرك، وبعدها ظهرت بينهم «الكوليرا» تحصدهم حصدا، فأقامت الحكومة حول القرية نطاقا من العسكر يمنعون الدخول إليها أو الخروج منها، وحشدت لمكافحة الوباء خيرة الأطباء، وعلى رأسهم «جودمان» وطبيب من الجيش سبق له أن كافح «الكوليرا» فى الهند، وهو الدكتور «روانترى»، وكذلك جندت طلبة السنتين الثالثة والرابعة من مدرسة الطب، وقدرت لكل منهم خمسة عشر جنيها مرتبا شهريا، وهو ضعف مرتب الطبيب فى الأحوال العادية فى ذلك العهد، وتواصل الكفاح شهرا كاملا دون أن ينقطع الوباء، بل تسرب إلى البلاد المجاورة لأسيوط.
 
كان نصيب نجيب محفوظ فى التوزيع هو العمل فى محطة القاهر للسكة الحديدية يفحص المشتبه فيهم من القادمين فى قطارات الصعيد، وعمل الإجراءات لشحن المهمات الطبية من القاهرة إلى «موشا»، ويؤكد أنه بعد أسبوعين سئم العمل فى هذا المكان، حتى قرأ خبرا فى صحيفة المقطم أن طبيبا مصريا توفى فى «موشا» بالكوليرا أثناء تأدية عمله، فطلب من «مصلحة الصحة» نقله مكانه، غير أن مدير عام المصلحة وكان إنجليزيا اسمه «هوراس بنشنج» رد عليه بأن الطبيب البديل المطلوب لابد أن يكون ممن مارسوا مكافحة الأوبئة، فرد «محفوظ»: «يندر أن يكون فى مصر طبيب كافح الكوليرا قبل اليوم، فإن آخر غزوة للكوليرا كانت سنة 1882، منذ عشرين عاما»، واقتنع «بنشنج» ووافق على سفر محفوظ وأعطاه رسالة إلى الطبيب الإنجليزى المسؤول فى «موشا» واسمه «جودمان».
 
وصل «محفوظ» إلى «أسيوط» ومنها انتقل إلى «موشا» على ظهر حمار فى قافلة تذهب إلى القرية يوميا الساعة السابعة والنصف حاملة الثلج والأطعمة على الحمير.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة