يمتلك كل فنان أدواته الخاصة للإبداع والابتكار فى تجسيد المشاهد الجمالية من المجتمع المحيط، فالمصور يمسك بعدسته ويسلطها تجاه هدفه ليلتقط صورة تبهر الأعين، والرسام يخط بريشته لوحات تخطف القلوب، ولأكثر من عقد من الزمن، تجولت المصورة وصانعة الأفلام الألمانية فرانزيسكا ستونكل، بمختلف المدن فى آسيا، وأفريقيا، وأوروبا، والولايات المتحدة مع كاميرتها، وهى تنتظر ظهور المزيج المثالى من الألوان، والوجوه فى انعكاس النوافذ التى تقف أمامها.
وفى مقابلة عبر الإيميل، قالت ستونكل: "تُحيط بنا الانعكاسات كل يوم، ومع ذلك، فنحن لا نراها"، وعند رؤية أعمالها، نجد أن كل من صورها تعكس سرداً معيناً، وتوحى طبقات صورها بروابط غير موجودة فى الحقيقة، ورغم أن المصورة عبرت القارات من أجل هذه السلسلة الفوتوغرافية، إلا أن الموقع الجغرافى لا يُعد عنصراً مهماً فى سلسلتها.
لذلك، تحرص المصورة الألمانية على عدم تسمية صورها، أو تصنيفها بحسب التاريخ أو الموقع الذى التقطته فيه، وبدلاً من ذلك، أطلقت ستونكل اسم "All the Stories"(كل القصص) عليها، مع اكتفائها بترقيم الصور، وذلك وفقًا لما نشرته شبكة "CNN" الإخبارية.
وقد تكون ستونكل قد التقطت إحدى صورها، التى تُظهر الألوان والوجوه من شارع مزدحم، من أى مكان، وفى الوقت ذاته، قد يكون مشهد المرأة التى تجر حقيبة سفرها ورائها مأخوذةً من أى مطار أو محطة قطار، وقالت المصورة: "صورى هى رمز للتعايش العالمى"، وأرادت المصورة إظهار مدى تعقيد العالم، ومدى التعقيد الناجم من طبيعتنا كبشر.
وبدأت ستونكل هذه السلسلة فى عام 2009 عندما زارت مدينة شنجهاى الصينية بسبب المهرجان السينمائى الدولى الذى عُقد هناك، وأثناء تجولها فى الشوارع وحدها، اندهشت المصورة من تداخل الانعكاسات المختلفة، والتى اشتملت على زبائن المطاعم، والسيارات، والأشجار، فى نافذة مطعم.
وبيّن ذلك المشهد أن "كل شىء مرتبط بطريقة ما، وأننى لست وحيدة على الإطلاق"، بحسب ما قالته، وأصبح ذلك المشهد الصورة الأولى من سلسلتها، والآن، جمعت ستونكل صورها التى يبلغ عددها 110 صورة، فى كتابها الجديد الذى يُدعى "Coexist"، والذى نُشِر من قبل دار النشر الألمانية "Kehrer Verlag".
وتصاحب صورها نصوص أكاديمية تستكشف مفهوم التعايش ضمن سياقات مختلفة، ويقوم الكتاب بعرض العالم من خلال عيون المصورة، كما أنه يستفسر عن الطريقة التى ننظر بها إلى علاقاتنا مع بعضنا البعض.
وفى الوقت الذى يواجه فيه العالم أزمات دولية لا نهاية لها بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، الذى دفع الأشخاص إلى عزل أنفسهم فى منازلهم، وأزمات أخرى مثل الهجرة والمناخ، أصبحت المصورة تفكر فى موضوع سلسلتها أكثر من أى وقت مضى.
وعبر مشاهدتها لكيفية انفصال الأشخاص عن بعضهم البعض، وتعاونهم مع بعضهم البعض فى الوقت ذاته فى الأشهر الأخيرة، تأمل ستونكل أننا سنتعلم كيف نعمل معاً "بتضامن وتعاطف"، وأكّدت المصورة أنه "لا يمكننا النظر إلى أنفسنا بمعزل عن الآخرين.. لدينا مسؤولية تجاه بعضنا البعض"، ثم أضافت: "لا يجب أن يكون هذا عبئاً، بل يمكنه أن يكون تجربة رائعة للشعور بالقوة".
