لم يخرج الأمريكيون إلى الشوارع مؤيدين لدعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفح الأسواق منى فراغ، فمنذ تصاعد أزمة انتشار وباء "كورونا" والجميع يعيش على أعصابه، أخبار الإصابة والموت والشفاء تحتل مقدمات النشرات الإخبارية والمؤتمرات الصحفية والتحليلات التوصيفية، أنباء البحث عن عقار أو مصل صار لها الأولوية، مرة يقولون أن عقار الملاريا يشفي، ومرة يقولون إن مصل الدرن يقي، ومرة يقولون إن مصل شلل الأطفال يعالج، ومرة يقولون إن التطعيم ضد الدرن حصن المصريين، نبأ موت مواطن في الصين أصبح خبرا محليا، والميت الذي يفارق الحياة في إيطاليا ينصب له العزاء في البيوت المصرية، كل هذا ضغط على الأعصاب والمشاعر، وإذا أضفنا إلى هذا الخراب الاقتصادي، فسنتأكد من أن الفرحة التي شعرنا بها حينما خرج الأمريكيون يؤيدون قرار الإفراج عن الناس لم تكن من فراغ.
لا أريدك هنا أن تتخلى عن حذرك أو تتسرع في الخروج إلى الشارع ومخالطة الجميع، لكني أريد أن نفكر قليلا في أن نفتح السوق وأن نتوسع في فك الحظر المنزلي وأيضا حظر التجوال، فالمؤكد الآن بحسب تصريحات مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس فإن 100% من الوفيات التي حدثت بسبب فيروس كورونا من كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة والأمراض المناعية، بما يعني أن الخطر الحقيقي لا يحدق بالجميع، وأن البشر العاديون يستطيعون أن يتغلبوا على المرض، وإذا أضفنا إلى هذا أن 80% ممن يصابون بكورونا لا يشعرون بها، فسنجد أن المرض ليس بهذه الخطورة التي نظنها، ثم نأتي إلى أعاداد من أصيبوا بهذا المرض فسنجد أنها في ما يقرب من 6 أشهر أصابت ما يقرب من 2.5 مليون، وهو رقم يكاد يساوي رقم المصابين بالأنفلونزا العادية في نفس المدة، ثم نأتي إلى أرقام عدد الوفيات فسنجد أنها إلى الآن حوالي 165 ألف، وهو رقم يقل كثيرا عن رقم عدد المتوفين بالأنفلونزا العادية الذي يبلغ حوالي 650 ألف حالة سنويا، وإذا افترضنا أن العالم أصيب بكورونا منذ ستة أشهر فسنرى أن عدد من ماتوا بكورونا يصل إلى نصف عدد من ماتوا بالأنفلونزا في ذات الفترة.
أنا لا أدعوك هنا إلى التخلي عن كل الحذر أو حتى عن بعضه، لكني في ذات الوقت أدعوك إلى تأمل الأرقام وحساب الخسارات المتوقعة من جراء هذا الوباء، مع العلم أننا حتى الآن لا نستطيع أن نحدد أفقا لهذه الحالة الخانقة المجنونة، فالبعض يقول إن الفيروس سينتهي العام المقبل، وآخرون يؤكدون أنه سيظل معنا حتى 2022 والبعض الآخر يقول إنه سيظل حتى بداية الشتاء، ولا مانع هنا –بكل أسف – أن يتطور هذا الفيروس إلى صورة أشد فتكا، وبالتالي فإن من أصيبوا بالفيروس الآن سيكونون هم أكثر الناس فرصا في النجاة من الفيروس المتطور، وهذا ربما يكون سبب وجاهة نظرية "مناعة القطيع" التي نصح بها بعض الخبراء.
في ذات الوقت أرى أن الإجراءات التي نتخذها سواء بالحجر المنزلي أو التعقيم أو غيرها من احتياطات لم يستطع أن توقف المرض من الانتشار، والدليل على هذا إصابة ولي عهد بريطانيا الأمير تشارلز بالفيروس برغم أنه كان معزولا في قصره باسكتلندا، كما أني أرى أن لتعافيه من هذا الفيروس أيضا دلالة إيجابية فهو من كبار السن إذ يبلغ من العمر 72 عاما، بما يعني أنه ليس كل كبار السن معرضين للخطر.
ما الحل الآن؟
الحل من وجهة نظري ألا نفزع من هذا الفيروس كل هذا الفزع، وأن نخطط إلى عودة الحياة إلى طبيعتها، وأن نتوسع في إعادة الناس إلى أعمالهم وأن نخطط إلى تخفيف الضغط على المرافق العامة بأن نوزع أوقات العمل على 24 ساعة بدلا من تكديسها في 8 ساعات من التاسعة صباحا وحتى الخامسة مساء، بالإضافة إلى هذا نسعى جاهدين إلى تحسين الصحة العامة وتحفيز الناس على ممارسة الرياضة وتطعيم الأطفال بكل التطعيمات الممكنة سواء التي توفرها الدولة أو الإضافية، بالإضافة إلى مساعدة الناس تجنب زيادة الوزن والإفراط في التدخين، بالإضافة إلى إحكام القبضة على شروط صلاحية الأغذية والمشروبات، باختصار أرى أنه من الواجب مراعاة شروط الصحة العامة وتغيير السلوك العشوائي الذي يجعلنا عرضة للإصابة ليس بكورونا فحسب وإنما بكل الأمراض الممكنة، وبهذا نحصن أنفسنا ونقلل عدد المرضى في كل مكان، ونعيد عجلة الإنتاج إلى الدوران قبل أن يصيبنا الشلل وننفجر صحيا واقتصاديا ونفسيا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة