ناهد صلاح

أبناء آدم حنين

الأحد، 04 أكتوبر 2020 02:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

كما لو كنت أوقظ نفسي من هذياني، دخلت حديقة متحف أدم حنين في قرية "الحرانية"، مكان هو نفي لمنطق التوحش والفوضى وفقدان التوازن خارج هذه البقعة الهادئة، المعلقة بتطلع متبصر إلى الجمال والسمو، في الجوار مركز ويصا واصف للسجاد؛ لم تتح لي الفرصة بعد لزيارته، لكنه جزء من فسيفساء بهاء المكان الذي يفضي إلى أفق محمل بالبهجة إن استطعنا إليها سبيلاً.

  ذهبت لحضورتوزيع جوائز الدورة الرابعة لمعرض أعمال جائزة أدم حنين لفن النحت، وأنا مثقلة بقدر وفير من الهموم والأعباء الخاصة والعامة، حاولت التخلص منها في الطريق المفتوحة على أطلال التاريخ، تمتد إلى سقارة؛ جغرافيا فرعونية بموازاة ترعة المريوطية ، لكن في هذه المسافة التي تشير إلى القديم، انغمست أكثر في الأسئلة والتفكير وفيما يشبه حالة الإغماء، حتى البوابة الكبيرة المؤدية إلى بيت أو متحف أدم حنين، بالخطوة الأولى في حديقته المترعة في الحُسن والنضارة، للمكان خصوصية تمنحه تلك الإشارة السحرية التي تزيح جزءً من العتمة، تماثيله الموزعة في المكان، وديعة، ودودة كما لو أنها تقوم بمهمتها في نشر نوعاً ما من الطمأنينة والوصال الإنساني والتراثي، إنها حالة أدم حنين الخاصة في التواصل، تجريدية هذه التماثيل ولكنها ليست منقطعة عن تراث بيئتها الفني، إنها خلاصة فلسفة أدم حنين التي كونها على مدار مشواره، مشروعه الفني الممتد لروح النحت الفرعوني، منحوتات أسطورية تشيع مع الجمال الحلم والتسامح؛ هذا التسامح المدهش مع الحياة  والمنتصر لاجتياز الصعوبات والهزائم الصغيرة والكبيرة، فالحياة سوف تستمر رغم كل شيء، بين هذا وذاك، بين الظل والنور، كما قال أدم حنين نفسه في إحدى حواراته.

لم تنضب أحلام حنين ولم تتوقف عند حدود أعماله الباقية، لكن إسهاماته في الحركة الفنية التشكيلية شملت مشاركته في تأسيس سمبوزيوم أسوان الدولي لفن النحت، واتسعت لتقدم مؤسسته جائزة تحمل اسمه لشباب النحاتين في مصر والعالم العربي، حتى سن الأربعين عاماً، خطوة للحفاظ على التراث النحتي؛ ثم تطويره واكتشاف أنامل جديدة تشارك في ازدهار فن النحت عموماً.

على الأرجح هما سببان يفسران فرحي بحضوري هذا اللقاء، أولهما الوجوه الشابة الصغيرة المشاركة والفائزة بجوائز هذه الدورة، وجوه نضرة، نابضة بالأمل: لينا المجدوب الحاصلة على الجائزة الأولى، منى عمر، الحاصلة على الجائزة الثانية، باهر أبو بكر الحاصل على الجائزة الثالثة، يوستينا فهمى الحاصلة على الجائزة التشجيعية، هذا غير الذين وصلوا للتصفيات النهائية وحصلوا على شهادات تقدير. أما السبب الثاني فلأن أغلب المشاركين والفائزين فتيات، وهذا كان في السابق أمر نادر، لكن هذه المرة وجدت فتيات لديهن إصرار وحماس لافت في مجال النحات ولديهن أيضاً قدرة على المحاولة والإبداع والتشكيل ومحاولة ربط العصري بالتراث من خلال عناصر البيئة المحيطة.

 ولأنني من الفريق المنتصر لتواصل الإبداع مع المجتمع ، تمنيت أن يتسع الأمر بشكل أكبر ليكون هناك فرص لهؤلاء الشباب في عرض أعمالهم جماهيرياً، كنوع من الدعم والتشجيع، ولإتاحة مساحة جماهيرية أكبر للنحت والفن التشكيلي عموماً، تسمح بفكرة الالتحام بالبشر، وتساعد في العبور من من زمن يدجن حتى الجبال نحو زمن آخر يفتح كل أبواب الأسئلة على الإبداع وأشكاله، فرص في لقاءات لا تؤطر الفن وإنما تحقق له ديناميته وتضع التشكيليين في أماكنهم التي يستحقونها، وتسلط الضوء على تجارب وأسماء من أجيال مختلفة تبعاً للمعايير الفنية، فإن الموضوع الأساسي هنا هو الفن، وفي نفس الوقت لا ينبغي التعامل مع الفنانين كعشب شيطاني ينمو على حدود المجتمع، لذا ينبغي التحامهم مع الجماهير.

 في رأيي هذا جزء من أحلام أدم حنين، حاول صياغتها وهو الذي بدأ مشواره ذات يوم في لحظة تاريخية فارقة، كان فيها المجتمع المصري يتغير بعد ثورة يوليو، وكان هو ابن زمنه، متحمساً للتغيير والفن، ينهي دراسته الحرة في القاهرة، ليستكملها احترافياً في ألمانيا، ثم يعود بفلسفته الراسخة أن الفن ليس للتجميل وإنما هو الحياة ذاته، وأن الحياة لا تقف جامدة، بل أنها دائمة الحركة لابد أن يتفاعل فيها الفنانون ومنهم هؤلاء الشباب الذين يحاولون أن يمدون جذورهم بالبيئة والمجتمع ويستمدون منهما مادة لأعمالهم، أعمال تحرك الفكر وتشحن القلب وتحرض على السباحة ضد التيار، هذا هو الاختبار الحقيقي للفن ووسيلته في مواجهة القبح وخيبة الأمل.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة