ولا ننام إذا ماعرفنا أن به ثعبانا أو فأرا..

وائل السمرى يكتب: أحلام الثائر القديم.. عن الملائكة الذين لم يعرفوا الطريق إلى الجنة ففتحوا على مصر أبواب الجحيم.. أعرف الآن أن الوطن ليس جنة الله على الأرض بل هو البيت الذى نبنيه ونعمره وندفع عنه البلاء

الجمعة، 27 سبتمبر 2019 11:00 ص
وائل السمرى يكتب: أحلام الثائر القديم.. عن الملائكة الذين لم يعرفوا الطريق إلى الجنة ففتحوا على مصر أبواب الجحيم.. أعرف الآن أن الوطن ليس جنة الله على الأرض بل هو البيت الذى نبنيه ونعمره وندفع عنه البلاء وائل السمرى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- أعرف الآن أن الوطن ليس جنة الله على الأرض بل هو البيت الذى نبنيه ونعمره وندفع عنه البلاء ولا ننام إذا ما عرفنا أن به ثعبانا أو فأرا

- أعرف الآن أنك لن تستطيع تحقيق أى شىء لأنك لا تمتلك مقومات أى شىء وإن أقصى أحلامك كثائر عظيم أن تفعل ربع ما يفعله الرئيس عبد الفتاح السيسى الآن

- نعم نعم.. كنا قطيعا تماما مثل الإخوان وأضلل.. نعم نعم كنا على أفضل تقدير سكارى بالحلم لدرجة أننا لم ننتبه إلى أهمية تحقيقه

- يا أيها الثائر الجديد افرح بأقصى ما استطعت من الخذلان لأنك تريد أن تقطع مصر ألف قطعة وتريد أن تهدر كل ما أنجزته الدولة المصرية بكل سهولة ويسر

 
لست سياسيا ولا أريد.
تورطت مرة ولن أكررها.
اكتفيت بدور المراقب، أو المتابع
وفى بعض الأحيان الشاهد وليس «المشاهد».
 
أصبحت الآن شخصا غير الشخص الذى كنت، صرت أضع فى المقام الأول ما يعود بالنفع المباشر على أبنائنا، وما يسهم فى الارتقاء بمصر والمصريين ويضعها فى المكانة التى تستحقها.
 
 أدركت بعد 25 يناير وبفضلها أن «ثقافة الشعب» هى التحدى الأكبر وهى الثورة الوحيدة الواجبة، وهكذا انتهيت من الزبد ونظرت نحو ما ينفع الناس.
 
عشت الثورة – ثورة 25 يناير - بكل تفاصيلها، ولست هنا فى محل شبهة على الأقل أمام نفسى كى أحاول درء الشبهات، ولا أنا فى قفص اتهام كى أدافع عن نفسى، لكنى رأيت فى الثورة ما رأيت، وانهارت كل أحلامى حينما رأيت «محمد عبود» ذات يوم يتهجم على «محمد هاشم» ويصطحب معه بلطجية كى يهاجموا دار ميريت، فمن هو محمد عبود؟ ومن هو محمد هاشم؟ 
 
وائل السمرى (2)
 
محمد عبود لمن لا يعرفه هو ذلك الشاب الذى اشتعلت بسببه أحداث مجلس الوزراء بعد أن تسلل إلى حديقة مجلس الشعب فضربه الضباط والجنود الذين كانوا يؤدون واجبهم بالحفاظ على مؤسسات مصر وتاريخها، ثم بادر أحد النشطاء بتصوير هذا الشاب «المسكين» وهو غارق فى كدماته، فقامت الدنيا ولم تقعد لأننا ظننا أن حراس مبنى مجلس الأمة كانوا يريدون فض الاعتصام
 
أما محمد هاشم فهو ذلك الرجل النبيل صاحب الألف قلب، صاحب دار ميريت للنشر الذى يعيش حياته إخلاصا للثقافة والعلم والبهجة والوطنية، وصاحب المشاركة الكبيرة فى يناير وما بعدها، أما سبب هجوم «عبود» على دار ميريت، فهذه قصة أخرى. 
 
كان محمد عبود مع أصدقائه يحتلون ميدان التحرير فعلا، الاسم معارضة الإخوان، والفعل مستور تحت جنح الليل، فقد كان يمارس فى «الميدان الطاهر» كل ما يريد من موبقات، بينما محمد هاشم كان يريد أن يبنى مسرحا لكى يهاجم من خلاله حكم المرشد، ومن المفترض أن الاثنين فى معسكر واحد، لكن للثورة فى ناسها شؤون، فنصب مسرح يعنى جلب العديد من البشر وليس هناك ما يمنع من أن يعتصم بعضهم، وهو بالطبع ما كان سيعد منازعة للأخ عبود فى ملكه، وهو ما لم يحدث.
 
وائل السمرى (3)
 
سقطت أحلامى كلها فى تلك اللحظة، رأيت شابا فى مقتبل العمر يصطحب معه عشرات البلطجية ويصعدون حيث دار ميريت.
اشتعلت المناقشات حول المخطئ والمصيب.
ارتفعت الصيحات:
«تعالى يا عبود»
«بقولك يا عبود»
«مش كده يا عبود» 
 
تعالت الأصوات ممهددة لاشتباك وشيك بالأيدى، هنا استحضرت كل ميراث فض الخناقات التى رأيتها فى حياتى، استعنت بصوتى العالى وقامتى الأعلى، ووقفت فى المنتصف تماما، وظللت أخبط بيدى على الحائط صارخا «بس .. بس.. بااااااس». 
 
سكت الجميع من أثر المشهد الذى كنت أعرف نتيجته مسبقا، وبسرعة بالغة قبل أن يبدأ الهمس أو تعلو الهمهمة صرخت «فين عبود؟» فقال «أنا» ثم سألت «فين هاشم؟» فقال «أنا أهوه يا سمرى» فأمسكت بيدهما وكأنى ضابط مباحث يقبض عليهما، وأدخلتهما غرفة منعزلة، وصرخت فى الجميع «دول أصحاب المشكلة وهيحلوها مع بعض، ولو محلوهاش كل اللى فى نفسه حاجة يعملها».
 
وائل السمرى (4)
 
انتظرت دقيقة ثم دخلت عليهما، تحدثت بود وحدة فى ذات الوقت، خلاصة الكلام، «لموا الليلة» فلموها، تعاتبا، وابتسما، وانتهت الأزمة كالعادة بتبادل النكات والضحكات، مع وعد بنسيان أمر نصب المسرح فى الميدان، ثم فتحت الباب وقلت للجميع «خلاص يا رجالة.. حبايب» ابتهج الجميع بانتهاء ليلة كان من الممكن أن تتحول إلى كارثة، وقبل أن يمشى الجميع أمسكت بعبود وقلت له مستنكرا «هو أنت عبود بتاع مجلس الوزرا؟» ضحك مفتخرا وقال «آه..أنا» فقلت له والازدراء يملؤنى «أنت اللى عماد عفت مات بسببك؟» فقال «الله يرحمه».
 
مشى عبود إلى خيام الميدان حيث «الخيام والمزاج والوجه الحسن» ومشيت أنا من دار ميريت حيث الخوف والحسرة والألم والرعب.
 
 نعم.. نعم، وبكل ألم مات أفضل من فينا ليعيش أقذر ما فينا.
نعم نعم، كنا قطيعا تماما مثل الإخوان وأضلل.
نعم نعم، كنا على أفضل تقدير سكارى بالحلم لدرجة أننا لم ننتبه إلى أهمية تحقيقه.
 نعم نعم نحن «خربنا البلد» وقد كنا نحسب إنا نحسن صنعا.
 
لقد هرمنا منذ ثورة يناير، وهذا كلام على سبيل الواقع وليس على سبيل المثال، ظهر فى الرأس الشيب وأقساط المدارس، وظهر فى العين انكسار من اليأس الذى فى القلب والقبح الذى فى الشوارع والعقول.
 
وائل السمرى (1)
 
الآن أدرك تماما عبقرية الحكمة التى قالت «لا تبدأ شيئا لا تستطيع إنهاءه» كما أدرك عبقرية نزار قبانى وهو يقول «فإن من فتح الأبواب يغلقها/ وإن من أشعل النيران يطفيها» وللأسف لقد بدأنا شيئا لم نستطع إنهاءه، لم نملك «خطة» للتمكين أو حتى للتحسين، لم نملك شخصا نتحلق حوله لكى نغلق الباب الذى فتحناه، أو فكرة تقنع الجميع كى نطفئ النيران، أشعلناها ومضينا، لم نكن نريد لأنفسنا شيئا، ومن أراد لنفسه شيئا قتل به، كنا نظن أن بمصر كوادر ورموزا، وأن حل المعادلة ببساطة يكمن فى أن نتيح للناس مناخا ديمقراطيا ليختاروا بحرية، لكننا فوجئنا بهذه الكوادر تتآكل أمام الشاشات وبهذه الرموز وهى تحترق أمام التجربة والممارسة.
 
فى أتون النيران احترق يحيى الجمل وكمال أبو عيطة وجودة عبدالخالق وحسام عيسى وحازم الببلاوى وزياد بهاء الدين، ولم ينج أحد من نيران السياسة، كان علينا أن نكتشف أنه ليس بمصر «رموز حقيقية» وأن الموت وحده هو الذى أنقذ أسماء كبيرة من التشوه مثل عبد الوهاب المسيرى ومحمود أمين العالم ومحمد عودة، كثيرون كنا ننظر إليهم بإجلال وتوقير ثم تغيرت النظرة تماما، حسن نافعة على سبيل المثال، محمد الجوادى أيضا، محمد البرادعى بالطبع، السفير عبد الله الأشعل، ومعهم بالطبع سليم العوا، حمدى الفخرانى، أبو العز الحريرى، هشام بسطاويسى، هشام جنينة وغيرهم وغيرهم.
 
كان قاسيا أيضا أن نكتشف عبقرية مقولة عمر سليمان الخالدة «but when» فلم تكن المشكلة فى الماكينة التى تنتج الحكم، لكنها كانت فى المواد التى توضع فى هذه الماكينة، المعادلة هنا يجب أن تحظى بعنصرين أساسيين مع توفير البيئة المناسبة:
نخبة واعية + شعب واعٍ+ مناخ ديمقراطى حقيقى= حكم رشيد
لكن ما حدث كان غير هذا للأسف.
نخبة خائبة + شعب حائر + مناخ فوضوى يتسم بالديمقراطية= إخوان مسلمين.
 
هذه هى خطيئتنا التى لا تعادلها خطيئة.
هذه هى جريمتنا التى ندفع ثمنها دما حتى الآن.
نعم نعم كانت النوايا طيبة
نعم نعم كنا مخلصين حالمين
نعم نعم كنا ملائكة لكنا لم نكن نعرف الطريق إلى الجنة
فألقينا بها إلى الجحيم.
 
الآن فى مصر بعض من تلك البلبلة، الأحداث جديدة، والطرق قديمة، النظام جديد، والمعارضون يريدون استنساخ يناير، هم قلة بلا شك، لكن تلك القلة إن لم تواجه بالوعى ستتسع وتتسع، كل الذين دعوا إلى التظاهر فى مصر - وأقول «كل» - مغرضون أفاقوا مجرمون بلا ريب، الإخوان مجرمون إرهابيون كاذبون داعرون، المقاول الهارب لص سوقى فاسد فاجر، بعض مرتزقة حقوق الإنسان أغنياء الحرب مأجورون يقينا، بعض النشطاء السياسيين حمقى انتهازيون مرضى ظهور ومدمنو اعتراض ومسترزقون إلا من رحم ربى، لكن ليس كل من نزل إلى الشارع هكذا، بعضهم غاضبون حقا، وبعضهم مخدوعون فعلا، وبعضهم مغرضون بلا شك، لكن شتان بين الداعى للفوضى والمدعوين إليها، ومن أجل هؤلاء أقول ما أقول، لأنهم يذكروننى بنفسى وقت أن كنا ملائكة.
 

 
 
أريدك أن تسأل نفسك: ماذا تريد الآن؟ وماذا تريد غدا؟ وما هى خطتك لتنفذ ما تريده الآن وما تريده غدا؟ وهل تكاليف هذه الخطة أكثر مما سندفعه إذا ما رضينا بالأمر الواقع أم أقل؟
 
خطيئتى أننى لم أسأل نفسى هذه الأسئلة
قبل أن أتورط فيما تورطت.
خطيئتى أننى تغنيت بالحلم
حتى احترق الصوت والصورة
 
أنا الذى نزلت فى كل أيام «الثورة المجيدة» أنا الذى شاركت فى كل مراحلها، أنا الذى شاركت فى اقتحام ميدان التحرير 2003 وشاركت فى اقتحامه فى 2011، ودافعت عنه فى «25 يناير» حتى الرمق الأخير، أنا الذى بكيت وأنا أرى جحافل الشعب المصرى تهجم على الميدان فى موقعة الجمل ثم مسحت دموعى وتبادلت معهم رمى الحجارة، أنا الذى كنت أعمل كـ«سيارة إسعاف» فى محمد محمود، أنا الذى ألفت أغنية «الشعب يريد» التى تغنى بها نصير شمه، وأنا الذى مازلت أحتفظ فى جسدى بعشرات الخراطيش وعشرات الحسرات، كتذكارات عزيزة للخيبة والخبرة.
 
لا أدعوك هنا أن تتحول إلى «صابر غلب» لكنى أدعوك فحسب إلى التبصر، أنظر ماذا تريد، واحسب التكاليف جيدا، وأضرب هذه التكلفة فى 10، لأن هذه التكاليف ستتضاعف بشكل لن تتخيله، لماذا؟ لأن غيرك لن يتركك هكذا.
 
1 - الدول التى تحرض الآن ضد مصر ستطالب بنصيبها.
2 -  المحرومون سياسيا الآن سيطالبون بنصيبهم.
3 -  المحرومون اقتصاديا الآن سيطالبون بنصيبهم.
4 -  الخاملون فى كل وقت وحين سيطالبون بنصيبهم.
5 -  من شاركوا فى 25 يناير سيطالبون بنصيبهم.
6 -  من شاركوا فى «آسفين يا ريس» سيطالبون بنصيبهم.
7 - الذين دفعوا تكاليف وقوف مصر على قدميها الآن سيطالبون بمستحقاتهم.
8 -  من كانوا ينتظرون حتى تقع الدولة سيقفون ليطالبوا بنصيبهم.
9 -  من قادوا تحركك الآن سيطالبون بنصيبهم.
10 -  ولا تنس نفسك من الغنيمة يا أخى، وكن على علم يقينى بأن أقذر من فيكم هو من سيحصل على نصيب الأسد.
 
يا أيها الثائر الجديد افرح بأقصى ما استطعت من الخذلان، لأنك تريد أن تقطع مصر ألف قطعة، وتريد أن تهدر كل ما أنجزته الدولة المصرية بكل سهولة ويسر، قد لا يعجبك أمر وقد لا يعجبنى أنا كذلك، لكنى أعرف الآن أن الوطن ليس جنة الله على الأرض ليستجيب إلى أحلامنا قبل أن نتفوه بها، بل هو البيت الذى نبنيه ونعمره ونضيف إليه كل يوم، وهو البيت الذى نحميه من الأعداء وندفع عنه البلاء، وهو البيت الذى لا ننام إذا ما عرفنا أن به ثعبانا أو فأرا، وهو البيت الذى نفعل كل ما فى وسعنا من أجل إقامته وتثبيت أركانه.
 
وائل السمرى (5)
 
أنا هو ذاته الثائر القديم، لكنى أعرف الآن أنك لن تستطيع تحقيق أى شيء لأنك لا تعرف أى شىء، ولأنك لا تمتلك مقومات أى شىء، وإن أقصى أحلامك كثائر عظيم أن تفعل ربع ما يفعله الرئيس عبد الفتاح السيسى الآن، وقد عشت يا صديقى وقتا كان فيه رئيس مصر يفتخر برخص أسعار المانجو حينما تم إيقاف تصديرها، فى واقعة كانت بلاء على المزارعين، أما الآن فلا يعجبك كل المعجزات التى تحدث الآن لأن أحد اللصوص أقنعك بأن الدولة لا تحبك.
 
يا أيها الثائر الجديد، سواء أحببت الرئيس عبد الفتاح السيسى أم لم تكن كذلك، لكنك لن تستطيع أن تنكر أنه رجل يعمل بلا شك، يحلم بلا شك، يجتهد بلا شك، قادر على إدارة البلد بلا شك، خلق فى مصر استقرارا فى وقت نحن أحوج ما يكون للاستقرار، وأنا رجل أعرف الآن قدرى، وأعرف مقدرتى، وحلمى يتلخص فى غايتين اثنتين، رفاهية أبنائى، وثقافة بلدى، أما ما دون هذا فسأكون أسعد رجل فى الكون لو حققه غيرى.
 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة