كل هذا حدث في أقل من 20 يوما، نعم كل ما نعيشه الآن من لغط وقلق وترقب وتشكيك وهجوم ودفاع حدث فى أقل من 20 يوما، وهي المدة التي تفصل بيننا وبين الظهور الأول للمقاول محمد علي لينشر فيديوهاته التي يدعي فيها أن هناك فسادا في العديد من مشروعات الدولة.
20 يوما؟ نعم والله، لكننا لم نسأل أنفسنا عن تلك المدة لأن الأحداث تسارعت بشكل كبير، وأصبحت مصر الآن تعيش في ظل الشغف المقيت لهجوم مباغت أو لدفاع جسور، الجميع يترقب، من سيهجم على من؟ ومن سيدافع بالطريقة الأمثل ليرد الهجوم، وكأنها مباراة كرة قدم، هدفها إمتاع الجماهير التي تعطشت للإثارة في السنوات القليلة الماضية، بعد أن عاشت في الإثارة الكاملة منذ يناير 2011 وحتى إحكام الرئيس عبد الفتاح السيسي قبضته على زمام الإمور في مصر.
20 يوما فحسب، قد تزيد شيئا أو تقل شيئا، لكن لا أحد يستطيع إنكار تلك الحالة من الريبة التي ولدت في مصر، بدأت أولا بفيديوهات المقاول محمد علي، ثم تلقف جماعة الإخوان وقنواتها لها، ثم فيديوهات وائل غنيم، ثم الهجوم في القنوات والصحف المصرية، ثم حديث الرئيس في مؤتمر الشباب، ثم الهجوم والهجوم المضاد، ثم تظاهرات بعض الشباب يوم الجمعة الماضية التي يمكننا الجزم بأنها اعتمدت في تشكيلها الأساسي على فلول جماعة الإخوان المسلمين وفلول متطرفي ثورة يناير، بالإضافة طبعا إلى بعض الشباب الطيب الذي لم يدرك أنه مسير ويظن أنه مخير، أو مقاد في حين أنه يظن أنه القائد.
لن أدخل هنا في تفنيد قول هذا أو تدعيم قول ذاك، فأنت تعرف جيدا أنه لا دخان بلا نار، كما تعرف أيضا أن احتمالات الخطأ واردة، واحتمالات الافتراء أيضا واردة، كما تعرف كذلك أنه آن أوان الإصلاح السياسي في مصر، لكنك قد لا تعرف أن الإصلاح الذي يقرره لك الخارج هو في حقيقته استعمال لك واستغفال أيضا، وإن هذا الاستعمال لن يحقق أبدا ما تبغيه لأنك لا تمتلك مقومات ما تبغيه، والسيناريو المرسوم لك فحسب هو أن تكون أداة للوي ذراع الدولة، لكني لن أدخل في تلك التفاصيل التي تبدو مرهقة بالنسبة لك وسأترك لك المباراة عزيزي المشاهد لتستمتع بها كما هي إن كنت ممن يحبون التدفئة على نيران الحرائق، وسأحاول هنا أن أعبر معك إلى ما بعد صافرة الحكم.
ضع هذا الرقم (20 يوما) بجانب هذا اللغط الكبير لتتأكد من أن توقيت إثارة هذه الأزمات معد سلفا مع سبق الإصرار والترصد، ولا أستبعد أن هذا السيناريو المحبوك توافق تماما مع زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للأمم المتحدة وهو رئيس الاتحاد الأفريقي لإضعاف همته وتثبيط عزيمته وتقليل تأثيره في المجتمع الدولي، ولا أستبعد أيضا أن تتم مساومة الرئيس المصري على عدة ملفات حيوية شائكة في مصر والمنطقة استثمارا لتلك الحالة التي اهتم بها الإعلام الغربي بشكل غير مسبوق، ولك هنا أن تقارن بين اهتمام الإعلام الغربي بثورة السودان وتجاهله لها تماما في أيامها الأولى وتسابق نفس تلك الوسائل على إذاعة أخبار مصر وإشاعتها لتعرف إن في الأمر أمرا.
وهل مصر أصبحت بتلك القوة التي تستدعي تكالب العالم عليها؟ سؤال في محله تماما، والإجابة عليه هو "لا" مصر لم تصبح حتى الآن قوة عالمية كبيرة لتتكتل كل تلك الدول عليها، لكنها في الطريق إلى هذا، فلا أحد يستطيع أن يتجاهل الدور المؤثر لمصر في ليبيا، ولا أحد يستطيع أن يتجاهل الدور الكبير في أفريقيا، ولا أحد يستطيع أن يتجاهل الدور الكبير في أزمة الشرق الأوسط المزمنة، ولا أحد يستطيع أن يتجاهل ما إمكانيات مصر الاقتصادية التي بدأت في الظهور إلى العلن بشكل غير مسبوق، ولا أحد يستطيع أن يتجاهل هذا التعافي المحمود الذي يعيشه الجنيه المصري بعد أن كان أول المهزومين أمام الدولار، فأصبح بحسب جميع الشهادات العالمية صاحب أفضل أداء أمام الدولار، ولا نستطيع أن نغفل أيضا تلك الحالة غير المسبوقة من النمو العمراني وهذه الحالة الإيجابية من التسابق نحو الاستثمار في مصر بعد أن أعدت مصر خطة طموحة لتطوير بنيتها التحتية بالعديد من المشروعات اللوجستية المهمة التي أعادت رسم خريطة مصر من جديد.
من وجهة نظري فإن العالم لا يخطط الآن لإسقاط الرئيس السيسي، لأن سقوط مصر في الفوضى مرة أخرى سيضر بالمنطقة ضررا كبيرا لا يستطيع أحد تخيله ولا يستطيع أحد تحمل نفقاته، لكن العالم أيضا لا يريد أن تمر التجربة المصرية بهذه الوتيرة دون عرقلتها، أو على الأقل دون أن يتحصل على حصته منها، فقد استوعب العالم جيدا درس "الدولة العلوية" التي انتشلت مصر في سنوات قليلة من الحضيض وجعلتها على قدم المساواة مع الدول الكبرى، حتى هددت أوروبا وكادت أن ترث السلطنة العثمانية الغاربة، كما لا يريد العالم أن يرى تجربة في نفس قوة التجربة الناصرية في شقها التنموي، فالجميع يعرف أن مصر إذا وقف قادت، وإذا قادت تسيدت، وهو الأمر العصي على التمرير الآن في عالم يعيد حساباته ويعيد رسم خرائطه.
مصر الآن تدفع ضريبة الخروج على النص، فقد رسم العالم دورا مهما لمصر، لكنه بالطبع ليس دور البطولة، هم يريدون أن يروا مصر في صورة باهتة ذليلة، يريدون أن تظل مصر أسدا بلا أنياب، مدفعا بلا بارود، هيكلا دون لحم ودم، لذلك ما أن يدب الدم في عروقنا حتى تدق أجراس الإنذار على بواباتهم.
قد تكون محبا للرئيس عبد الفتاح السيسي أو كارها له، قد تكون متفقا مع سياساته أو مختلفا عنها، لكنك لن تستطيع أن تتجاهل حجم الإنجاز الذي استطاع هذا الرجل أن ينجزه، ولا تستطيع ألا تلمح نظرات الغيرة وأعيرتها وهي تصوب إلينا الآن بعد كل تقدم نحرزه، ومن الغفلة ألا تتساءل: ألا يستدعي هذا الإنجار بعضا من عرقلة أصحاب المصالح العتيدة؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة