حكايات الضاحك الباكى نجيب الريحانى فى مذكراته .. الحب الأول ظهر أثناء تمثيل مسرحية «الملك يلهو» وعلى يوسف خدعه وخطفها منه .. عرافة سبب "فوبيا" قيادة السيارات.. وسيد درويش هتف "وجدته" عندما لحن "السقايين"

الإثنين، 27 مايو 2019 01:30 م
حكايات الضاحك الباكى نجيب الريحانى  فى مذكراته .. الحب الأول ظهر أثناء تمثيل مسرحية «الملك يلهو» وعلى يوسف خدعه وخطفها منه .. عرافة سبب "فوبيا" قيادة السيارات.. وسيد درويش هتف "وجدته" عندما لحن "السقايين" نجيب الريحانى
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

«الأستاذ حمام أو سى عمر، سلامة أفندى، كشكش بيه»، كلها أسماء طالما ارتبطت بالضاحك الباكى وأبوالكوميديا الدرامية فى مصر، الفنان الكبير الراحل نجيب الريحانى، ذلك الفنان الذى استطاع أن يضع اسمه فى صدارة نجوم الكوميديا فى مصر، ليس فقط لخفة ظله وأدائه العظيم، لكنه أيضًا لأنه أحدث طفرة فى الكوميديا واستطاع أن يؤسس مدرسة فى فن الكوميديا والتمثيل معروفة باسمه.

 
تحمل نجيب الريحانى (21 يناير 1889م - 8 يونيو 1949م) فى البدايات صعوبات وأزمات، ودعانى فى بداية مشواره، لكنه كان الضريبة التى لا يتحملها إلا الموهوبون أصحاب الرسالة الفنية السامية، ومن تأملنا مذكراته «مذكرات نجيب الريحانى» نفتح صندوق الحكايات والقصص الكثيرة، التى ربما لا يخبئها هو نفسه، وذكرها بشكل شجاع بسخريته المعهودة من خلال مذكراته.
 
ويكشف «الريحانى» أن القصة بدأت فى أول رواية يشترك فى تمثيلها وهى رواية «الملك يلهو» من ترجمه الأديب أحمد كمال رياض بك، وياللعبة القدر حين تكون رواية يجسدها الريحانى يظهر فيها أول حب له.
 
وبينما كان يجلس نجيب الريحانى فى قهوة إسكندر فرج المجاورة لمسرحه بشارع عبدالعزيز «موضع سينما أولمبيا حاليا»، وكان من بين الممثلين والزبائن على هذه القهوة، على أفندى يوسف، والذى أصبح فيما بعد من عتاة متعهدى الحفلات، وبحسب ما يذكر «الريحانى» كان لعلى «قطقوطة» من بين الممثلات لاتزال إلى اليوم فى عنفوان «الشيخوخة» تحتل أحد أركان قهوة الفن، وتلك القطقوطة كما رمز إليها بـ«ص. ق»، «كان على يوسف يعتز بصداقتها، باعتبار ما كان، فلما كنت أذهب لأشاركهما فى الحديث، كانت نظرة فابتسامة فمش عارف إيه.. فشبكان.. وظلت أواصر الصداقة تنمو بينى وبين فتاة على يوسف هذه، بينما كانت تتراخى بينها وبين صديقها، دون أن يعلم الرجل من أمرنا شيئا».
 
«وأخيرا لعب الفار فى عبه، وقاتل الله الفيران كلها من أجل خاطر هذا الذى لعب فى عب أبى يوسف، أقول إن الشك بدأ يساوره، لكنه كان على جانب كبير من اللؤم، فلم يبد لنا شيئا مما فى نفسه، وعمل على مراقبتنا من حيث لا نشعر».
 
»الضاحك الباكى» كما يحلو لعشاق نجيب الريحانى تلقيبه، كان فى ذلك الوقت ابن السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمره، لكنه كما يقول: «مع عدم المساس بفضيلة التواضع أرى ألا مانع من الاعتراف بأن خلقتى لم تكن لتقارن بـأستغفر الله العظيم، خلقة الصديق اللطيف على يوسف، زد على ذلك أننى كنت موظفا مضمون الإيراد، فى ذلك حين كان منافسى «يا مولاى كما خلقتنى».
 
ويعود الريحانى لحبيته: «كل هذه العوامل شدت أزرى وقوت سببى فاتفقت مع الغزال النافر، على تمضية نهاية الأسبوع فى الإسكندرية بعيدا عن على يوسف ورقابته القاسية.. ومعروف أن يوم الأحد هو العطلة الأسبوعية فى البنوك، فحصل الرضا والاتفاق بينى وبين محبوبى!! على أن نغادر القاهرة ظهر السبت إلى الثغر، ثم نعود صباح الاثنين».
 
لكن ماذا حدث، وماذا كان يخبئ القدر للريحانى فى تلك القصة العاطفية، يقول الريحانى: «قبل موعد الخروج من البنك زارنى فى مكتبى الصديق على يوسف وألح على فى أن أقرضه شيئا من المال، لأنه دعا بعض زملائه إلى نزهة خلوية، ولذا يحتاج إلى كذا من الفلوس، فأعطيته ما طلب وأنا أحمد الله على (زحلقته) وأدعو بطول العمر لأصدقائه أولئك الذين شغلوه عنى فى هذا الظرف السعيد، وودعت أبا يوسف إلى باب مكتبى مطمئنا وفى الموعد المحدد قصدت محطة السكة الحديد، فوجدت (الكتكوتة) على أحر من الجمر فى انتظارى على رصيف القطار الذى امتطيناه وقلوبنا ترقص فرحا، وسار القطار بنا ينهب الأرض نهبا ونحن نحلم بالسعادة التى سترفرف علينا بأجنحتها فى الثغر الباسم، ووصل القطار إلى الإسكندرية ونزلنا نسير وخلفنا الشيال يحمل حقيبتنا المشتركة، وما كدت أسير خطوات متأبطا ذراع المحبوبة، حتى برز أمامى عزرائيل! فى ثياب الصديق الملعون على يوسف، لقد اقترض اللعين مالى، واشترى منه تذكرة السفر وجاء معنا فى عربة أخرى بالقطار نفسه، وراح يستقبلنا هاشا باشا مرحبا، وهو يمد يده لى بالتحية شاكرا إياى على قيامى بدفع نفقات السفر، لحضرته ولحضرة بسلامتها (الست المصونة والجوهرة المكنونة) التى استلبها منى وتركانى أعض بنان الندم ولات ساعة مندم».
 
ويتم الريحانى حديثه عن الواقعة: «أصارحك أيها القارئ الحبيب بأن الدنيا أظلمت فى عينى وفى تلك اللحظة، وأحمد الله إذ كنت خلوا من السلاح، ولم أكن أحمل حتى ولا سكينة البصل، فأغسل بها الشرف الرفيع من الأذى، وذهب العاشقان بينما ظللت واقفا فى مكانى، حتى دنت ساعة القطار العائد إلى مصر فامتطيته وجئت أضرب أخماسا فى أسداس».
 
أجاب الراحل عن تساؤل مهم حول سر عدم اقتنائه سيارة فى حياته، وكانت الإجابة المدهشة هى «عرافة» وذلك عام 1913، حين كان يعمل موظفًا بسيطًا يتقاضى أجرًا لا يتعدى 14 جنيهًا شهريًا.
 
»السبب أن هذه العرافة تنبأت بأن هناك تصادمًا سيحدث لسيارة أكون فيها، ومع أنها ذكرت لى «أن ربنا هيجيب العواقب سليمة»، كما ذكر، إلا أننى خشيت من ذلك اليوم، فامتنعت بتاتا عن اقتناء سيارة لنفسى، كما أننى كلما دعيت لركوب إحدى سيارات الغير، أو حتى سيارة تاكسى أتوسل إلى السائق بكل عزيز لديه أن يرحم شباب العبد لله، وأن يسير على أقل من مهله لأنى مش مستعجل أبدا».
 
»ومش مستجعل هذه.. أقولها دائما كلما ركبت سيارة، حتى ولو كان باقى على القطار الذى سأسافر فيه دقيقة واحدة»، ولفت الريحانى سرًا آخر وهو أنه كان يفضل دائمًا ركوب عربات الخيل، قائلاً «إننى أفضل دائمًا ركوب عربات الخيل، لا رفقا بالعربجية بل حرصًا على حياتى الغالية، والحنطور فوقك يا أتومبيل».
 
منيرة المهدية، سلطانة الطرب، قبل أن تطل علينا كوكب الشرق أم كلثوم، كانت له موقف مع «الريحانى» فيذكر: لم تكن حالة الفرقة من الوجهة المادية تسر أحدا، فظللنا نفكر فى طريق الإصلاح، لعل وعسى يفرجها من لا يغفل ولا ينام، وهبط علينا على يوسف فى تلك الأثناء باقتراج لم نتأخر فى تنفيذه، قال: «السيدة منيرة المهدية اشتهرت فى عالم الغناء، فماذا لو جعلنا منها ممثلة تظهر كذلك على المسرح؟».
 
وحصل الرضا والاتفاق على أن تمثل السيدة منيرة المهدية فى كل ليلة، فصلا من إحدى روايات الشيخ سلامة حجازى، ثم نمثل نحن روايتنا كالمعتاد، على أن يكون الإيراد مناصفة بين الفرقة ومنيرة.
 
واختير لأول ظهور المطربة الكبيرة الفصل الثالث من رواية «صلاح الدين الأيوبى»، وفيه تغنى القصيدة المشهورة «إن كنت فى الجيش أدعى صاحب العلم» ونجح البرنامج والحق يقال، أقبل الناس إقبالا لم نكن ننتظره.
 
كانت السيدة منيرة المهدية فى ذلك الوقت تقطن فى مصر الجديدة، وبما أنى من سكان هذه المنطقة، فقد اختارتنى إدارة الفرقة كى أراجع للمطربة أدوراها نهارا، وأدخل لها ما تمثله مساء، وفى اليوم دخلت منزلها أمشى على استحياء، يعرونى ثوب من الخجل، وتقدمت ربة البيت، لا لتراجع معى الدور، ولكن لتداعب حيوانا أليفا كانت تقتنيه، أتدرى ما هو «عِرسة»، والعرسة كما يعرف أصحاب البيت حيوان كل همه ارتكاب جرائم القتل خنقا ضد الطيور المنزلية المفيدة كالدجاج والحمام، ولكن «عِرسة» الست منيرة، كانت يا أخى شىء إلهى محبوبة من الجميع، وجدت أن مراجعتى للست لا فائدة منها، لأن النظرة فى وش «العرسة» خير لها ألف مرة من التطلع إلى العبد لله، وفى الحال اعتذرت للفرقة عن أداء هذه المهمة.
 
الموسيقار العظيم وفنان الشعب سيد درويش، كان له نصيب من حكايات «الضاحك الباكى»، فبينما كان يبحث عن ملحن جديد يلحن له مسرحياته الجديدة، اقترح عليه اسم الشاب آنذاك سيد درويش، ورغم أنه ظل كثيرا فى حيرة من العمل مع ذلك الشاب السكندرى، لكن محبته للفن جعلته يقرر العمل معه، ويقول «الريحانى»: «أخيرًا تغلبت عل محبتى للفن، فقررت الاتفاق مع سيد درويش، مهما كان وراء ذلك من تضحية، إذ إننى وجدت من الإجرام حرمان الفن من شخص كسيد درويش، كان المرحوم الشيخ سيد يتقاضى 18 جنيها فى الشهر من الأستاذ جورج أبيض، فرفعت القيمة إلى أربعين دفعة واحدة، وتعاقدت مع الرجل، وكان مرتب الأستاذ بديع خيرى قد وصل فى الحين إلى 50 جنيها».
 
أعددنا رواية أطلقنا عليها اسم «ولو» وضع بديع أول زجل منها، وهو عبارة عن شكوى يتقدم بها جماعة من السقايين، يشرحون للجمهور آلامهم فى الحياة، ومطلع هذا الزجل هو «يعوض الله.. يهون الله، على السقايين، دول غلبانين، متبهدلين من الكبانية، خواجاتها جونا، دول بيرازونا فى صنعة أبونا، ما تعبرونا يلا خلايق». سلمنا الزجل للشيخ سيد، وكانت ميزته أن يضع لكل لحن ما يوافقه من موسيقى، وأقصد بهذه الموافقة العبيرية الصادق للمعنى العام، بل ولكل لفظ من ألفاظ الكلام، حتى كان المرء يدرك من أول وهلة ما يرمى إليه هذا الكلام عند سماع الأنغام.
 
تسلم الشيح سيد، لحن السقايين، ولكنه لم يعد إلينا فى الموعد «المضروب»، بل ولا فى التالى، حتى إذا كان اليوم الثالث قصد إليه أحد أصدقائنا فسهر معه الليل بطوله، وكانت شكواه أن قريحته اليوم متحجرة وأنه قضى الأيام الثلاثة الماضية يقدح زناد الفكر عله يصل إلى النغم الموافق دون جدوى.
 
وفيما هما يتحدثان، وقد كانت أضواء النهار فى تلك اللحظة تطارد جيوش الظلام، صادفها أحد «السقايين» وكان يحمل قربة الماء على ظهره ويجوب الحوارى، وكان يسير إذ ذاك فى حى المنشية بالقلعة، وسمعه ينادى بأعلى صوته وبنغمته التقليدية «يعوض الله» فتنبه الشيخ سيد وأمسك بذراع صديقه وهتف «وجدته وجدته»، وفى المساء حضر الشيخ سيد وأسمعنى اللحن وكدت أطير به فرحا، وفى اليوم التالى وضع الشيخ سيد اللحن المناسب، ثم لحن عقب ذلك زجل استقال «كشكش»، وهكذا كان عبقرى التلحين سيد درويش.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة