أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد سعيد يكتب: ثقة

السبت، 15 سبتمبر 2018 11:00 م
محمد سعيد يكتب: ثقة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى إحدى مناجم الفحم وقف صبى صغير ابن أحد العمال ينتظر فى صبر صعود المصعد وخروج مناوبة المساء؛ فرآه أحد المشرفين على العمال وسأله: أيها الصبى ماذا تفعل فى هذا المكان؟ قال الصبي: إنى أنتظر أبى. فقال المشرف: كيف ستتعرف عليه وسط مئات العمال الذين سيخرجون الآن وقد ارتدوا جميعاً الخوذات نفسها، ولهم الوجه نفسه الذى سوَّدَه غبار الفحم؟! وببراءة الأطفال وبثبات الواثق أجابه الصبي: أن كنتُ لن أعرف أبي؛ فلاشك أن أبى سيعرفنى.. فتعجب المشرف من ثقة الصبى ويقينه الذى تحدث به.
 
عجيب أمر هذا الصبى وثقته فى والده، وإنك لو تأملت مواقف أطفالنا لدُهشت من عمق إحساسهم ورحابة آفاقهم، على عكس ما يظن كثير من الآباء فى أبنائهم. أن اليقين فى وجود الله مُطلعاً علينا هو الينبوع الذى تسيل منه نُذُر الرجولة الناضجة، وتتفجر منه معانى اليقين الحى.
 
والإيمان بقدر الله يجعل المرء صلب العود لا يميل مع كل ريح ولا ينحنى مع أية كبوة، وعلى راغبى الكمال وطالبى المروءة أن يتحصنوا بيقين أن الله مُطَّلِع عليهم بعين الرحمة التى تعينهم على هزيمة الصعاب، وتجاوز المحن والانتصار فى أغلب معارك الحياة، وقد استأنس هؤلاء بربهم، وركنوا إلى قضائه وقدره، واستظهروا عونه كلما راب أمر أو أظلم أفق. 
 
وإنى لأذكر فى هذا السياق ما قاله ابن عطاء الله السكندرى فى ذلك اليقين بالله وفى لطف قدره، وقد أوجز فى بلاغة نادرة: "لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح فى الدعاء موجباً ليأسك، فهو قد ضمن لك الاستجابة فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك، وفى الوقت الذى يريد لا فى الوقت الذى تريد".
 
إن المتشبث بالعناية العليا تنقذه مما يحلُّ به من مشاعر الضيق والارتباك، والاستسلام لها بداية لنهوض شامل فى الإرادة يطبع أعمال المرء كلها بالثبات الراسخ، ويصبغها بالأمل والصلاح. إنها تلك الصلة الروحية بين العبد وربه والتى تكسبه طمأنينة المحتسب الذى ينظر إلى ربه نظرة الشفوق المرتقب لرحمته والآمل فى عطائه ومنّته.
 
كما يتجلى هذا اليقين حال تلقى هزات الدهر وصدماته غير المتوقعة، فإن الواثق يستشعر السكينة التامة فى تلقى تلك الضربات، ويضبط إيقاع نفسه أمام ما يظهر مُحيراً أو مُروعاً منها، فإن القلق يقود حتماً إلى الغرق، والأمل يسلم إلى الأمان والسكينة والارتقاء.
 
فلنتمسك بِعُرى اليقين فى الله الذى يقودنا إلى التوفيق، إنه النهج الأقوم الذى يشقه المرء لنفسه بين دروب الحياة المتشعبة، والخط الذى نلتمس فيه النجاة بين منحنياتها المتعرجة. 









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة