صابر عبد الباسط يكتب: عندما يكون المعلم رسالة علم تنير العقول

الخميس، 30 أغسطس 2018 08:06 ص
صابر عبد الباسط يكتب: عندما يكون المعلم رسالة علم تنير العقول صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

المعلم صاحب رسالة علم ينير بها العقول ويزيل بها ظلام الجهل فالعلم فضله عظيم فليس ابلغ من كتاب ربى عز وجل لما قال "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ" قال ابن عباس العلماء فوق المؤمنين مائة درجة ما بين الدرجتين مائة عام ، وقال الله تعالى "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ" بدأ سبحانه بنفسه ثم بملائكته ثم بأهل العلم فهذا لعظيم شرف العلم وأهله.

وتتوالى آيات الله سبحانه وتعالى التى تتحدث عن فضل العلم وأهله "قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ" وقال تعالى "فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" وقال تعالى "وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ" وقال تعالى "بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ" وقال تعالى "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ".

والمعلم هو من يعلم هذه العلوم فلا يخرج المعلم من ضمن أهل العلم والعلماء بل ويدخل ضمن نصوص كتاب الله التى ذكرنها فلغويا نجد اتفاق بين الجذر اللغوى للعلم والمعلم فالمعلم يلعب دورا كبيرا فى بناء الحضارات كأحد العوامل المؤثرة فى العملية التعليمية لأنه يتفاعل معه المتعلم ويكتسب عن طريق هذا التفاعل الخبرات والمعارف والاتجاهات والقيم فالمعـلم ليس مخزن للعلم يغرف منه التلاميذ المعارف و المعلومات لكنه نموذج و قدوة ولأن المعلم أمين على ما يحمل من علم كان لا بد له من صياغة وأن يحافظ على كرامته ووقاره ولا يبتذل نفسه رخيصة فذلك من شأنه أن يحفظ هيبته مكانته بين الناس.

كان للعالم المسلم بدر الدين بن جماعة رأيه السديد فى أن المعلم هو العامل الأساسى فى نجاح العملية التعليمية و أنه من أهم عناصر التعليم، حيث يرى أن التعليم لا يتغير بغير المعلم و أن عناصر التعليم تفقد أهميتها إذا لم يتوفر المعلم الصالح الذى ينفث فيها من روحه فتصبح ذات أثر و قيمة و يستشهد على أهمية المعلم فى حدوث تعلم جيد بقوله "قيل لأبى حنيفة رحمه الله فى المسجد حلقة ينظرون فى الفقه" فقال: ألهم رأس؟

قالوا: لا، قال: لا يفقه هؤلاء أبدا.

 

لقد كان سلفنا الصالح يعرف فضل العلم والعلماء، وفضل المعلم والمربى ودوره الهام فى صناعة الأجيال وبناء الإنسان الصالح المصلح، النافع لنفسه ودينه وأمته.

 

ومن هؤلاء كان الخليفة هارون الرشيد الذى يعطينا درسا بليغا فى قيمة العلم ومكانة المعلم ، فلقد عهد إلى الكسائى ( وقيل إلى الأصمعى ) بتعليم ابنيه الأمين والمأمون  ، وأوصاه ألا يدللهما وأن يوقفهما على بابه ليدركا أهمية المعلم ورهبته وأن يعنفهما إذا لزم الأمر وأوصاه قائلا أقرئهما القرآن وعرفهما الأخبار وروهما الأشعار وعلمهما السنن وبصرهما بمواقع الكلام وبدئه وامنعهما من الضحك إلا فى أوقاته ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيدهما إياها وذات يوم أنهى دَرْسَهُ ، ونَهَضَ لِيْنصَرِفَ فرَكَضَ إليه تلميذاهُ الأميرانِ : الأمينُ والمأمونُ يتسابقان إلى نعليه أيهما يحملهما أولا ليقدمهما إلى المعلم إكراما له  وتقديرا لمكانته عندهما  وتسابقا وتشاجرا  إلى أن اتفقا أن يحمل كل منهما فردة من نعال المعلم ليقدمها له  وشكرهما المعلم على كمال أدبهما وحسن صنيعهما.

وتصادف أن رأى الخليفة هارون الرشيد ما حدث من ولديه فى هذا المشهد المهيب لأنه كان يرقب الموقف دون أن يراه المعلم أو الأميران  فأعجبه ما رأى من ولديه  وأكبر صنيعهما، وفى اليومِ التالى سألَ الخليفةُ هارونُ الرشيدِ مُعَلِّمَ وَلَدْيهِ  ترى مَنْ أعزُّ النّاسِ؟.

أجابَ المعلم: أنتَ يا أميرَ المؤمنين  ومن أعز منك؟

قالَ الرشيدُ: بلْ أعزُّ الناسِ مَنْ يَتَسابقُ ولدا أميرِ المؤمنينَ، ووليا عهده لتقديمِ الحذاءِ له وإلباسه إياه  فأصابت المعلم الرهبة وظن أن الخليفة غاضب منه وسيعاقبه ولكن الخليفة أقبل عليه وأكرمه وأثنى عليه  وذلك تقديرا منه لفضل العلم ومكانة المعلم الناصح الأمين وقال الرشيد للمعلم لقد سرنى ما قاما به إن المرء لا يكبر عن ثلاث صفات  تواضعه لسلطانه ولوالديه ولمعلمه

ومن هذه القصة تتضح  قيمة العلم  ومكانة العلماء فى منظور الإسلام 

تتضح مكانة المعلم والمربى فى الإسلام  فهى مكانة سامية عظيمة حددها القرآن الكريم  وبينتها أحاديث النبى صل الله عليه وسلم  وكذا ما سطره السابقون الأولون ومنهم الإمام الحسن البصرى حيث يقول: "لولا العلماء (والمعلمون)، لصار الناس مثل البهائم "، أى أنهم بالتعليم يخرجونهم من مساواه البهائم إلى أفق الإنسانية وقال الإمام الغزالى حق المعلم أعظم من حق الوالدين فإن الوالد سبب الوجود الحاضر والحياة الفانية  والمعلم سبب الحياة الباقية، والسؤال الذى يفرض نفسه متى يأخذ المربى والمعلم المسلم حقه الذى يظهر مكانته وأهميته فى حياة الأمة متى يدرك الآباء والأمهات والمجتمع المسلم بأسره فضل المعلم فى بناء الإنسان ، وصناعة الأجيال ، وتشييد الأمم ، وإرساء قواعد الحضارة ؟










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة