قال معهد التمويل الدولى عن اتفاق منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" على زيادة إنتاج أعضائها من النفط بواقع مليون برميل يوميا، اعتبارا من شهر يوليو الجارى قرارا تسوده الضبابية: "إن المنظمة لم تفصح عن كيفية توزيع زيادات الإنتاج بين الدول".
وكانت المنظمة اتفقت مع عدد من كبار المنتجين المستقلين على رأسهم روسيا فى نوفمبر 2016 على خفض نتاج بمقدار 1.8 مليون برميل يومياً من بداية يناير 2017 بهدف إعادة التوازن إلى سوق النفط ودعم الأسعار، غير أن الانخفاضات المترتبة على ذلك قد تسببت فى تجاوز هذا المستوى إلى حد كبير، حيث ساهمت أعطال الإنتاج غير المتوقعة فى فنزويلا وأنجولا وليبيا فى ارتفاع الأسعار بدرجة ملحوظة، حيث تجاوز خام برنت مستوى الـ80 دولار للبرميل خلال شهر مايو 2018،وهو المستوى الأعلى لها منذ عام 2014.
وأوضح قال معهد التمويل الدولى فى تقريره أن قرار زيادة إمدادات النفط من اوبك استجابة لطلب كبرى الدول المستهلكة مثل الولايات المتحدة والصين والهند لتلافى نقص المعروض العالمى، وزيادة الأسعار بصورة تهدد نمو االقتصاد العالمى.
وقال التقرير: أدى الالتزام بقرار الأوبك بخفض الإنتاج منذ مطلع عام 2017 إلى دعم أسعار البترول الخام بواقع 50 %تقريبًا.نظرا إلى تعطيلات الإنتاج غير المتوقعة، وبلغت نسبة التزام دول الأوبك بتنفيذ الخفض حوالى 160 % فى مايو 2018، بينما اقتصرت نسبة التزام الدول غير الأعضاء على 60 % بسبب تجاوز دولة كازاخستان سقف الإنتاج المحدد لها.
وأوضح التقرير أن هناك حالة من عدم التيقن حول الاتجاهات المستقبلية لإنتاج كل من فنزويلا وإيران، موضحا أنه من الجائز أن يستمر انخفاض إنتاج فنزويلا، غير أن احتمالات تعافيه تدريجيًا مازالت قائمة كذلك. وبالنسبة لإيران، لم يحدد بعد مقدار الخفض الذى سيقع على صادراتها البترولية بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها، علما بأن بعض شركائها التجاريين كالصين وروسيا والهند وتركيا ليست لديهم نية لخفض وارداتهم البترولية منها، مع اعتراضهم على هذه العقوبات باعتبارها غير ملزمة لهم. وفى المقابل، من المحتمل أن تبادر دول كاليابان وكوريا الجنوبية إلى مقاطعة الصادرات الإيرانية.
لولا الإنتاج الأمريكى لتجاوزت أسعار النفط الـ100 دولار للبرميل
وتوقع معهد التمويل الدولى خفض الصادرات الإيرانية بواقع 300 ألف برميل فى المتوسط خلا النصف الثانى من عام2018، و600 ألف برميل يوميًا فى عام 2019.
وأوضح المعهد أنه رغم ارتفاع إنتاج كل من الولايات المتحدة وكندا، إلا أنه لن يكون كافيًا فى المدى القريب للتعويض عن نقص إمدادات كل من فنزويلا وإيران، وفى الوقت نفسه تغطية الزيادة المتوقعة فى الطلب العالمى خلا عام 2018، وقدرها 1.4 مليون برميل يوميًا.
وقال التقرير: إنه لولا الزيادة فى إنتاج الخام الصخرى لكن من المقدر أن ترتفع أسعار البترول فوق الـ100 دولار للبرميل، حيث أوضح التقرير زيادة حجم الإنتاج الأمريكى بما يزيد عن الضعف منذ عام 2008، مع تطور تقنيات استخلاص البترول من طبقات الخام الصخرى، والمعروفة باسم التكسير الهيدروليكى "technology fracking.
من يستطيع سد الفجوة بين الطلب والعرض؟
وتابع من الجائز أن تتمكن الدول المنتجة سواء من منظمة الأوبك أو من خارجها من سد الفجوة بين الإنتاج والطلب. غير أن قلة من الدول التى دخلت اتفاق خفض سقف الإنتاج منذ عام ونصف تمتلك فائضا فى الطاقة الإنتاجية يمكنها من زيادة إمداداتها، ومن أهمها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات وروسيا والكويت والعراق وكازاخستان.
وتوقع التقرير أن تحتاج أسواق النفط إلى نحو مليون برميل إضافية يوميا لسد الفجوة بين العرض والطلب ـ وذلك بافتراض تراجع إنتاج فنزويلا بصورة أكبر واحتمالات توقيع عقوبات أكبر على صادرات إيران البترولية، وهذا الوضع سيستلزم بدوره زيادة إنتاج المملكة العربية السعودية بواقع 400 ألف برميل يوميًا على الأقل خلال النصف الثانى من عام 2018.
وقدر التقرير فائض الطاقة الانتاجية للملكة العربية السعودية بنحو 2 مليون برميل يوميًا، أما روسيا فتستطيع زيادة إنتاجها بمقدار 300 ألف برميل يوميًا، كما أن بمقدور الدول الأخرى مثل الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة والعراق( زيادة إنتاجهم بواقع300 ألف برميل يوميًا.
المملكة العربية السعودية وروسيا فى طليعة المستفيدين من قرار زيادة الإنتاج
المملكة العربية السعودية: ستعمل على تحقيق مكاسب سياسية من خلال خفض سعر الخام إلى ما يقل عن 70 دولار للبرميل، مع سعيها إلى خطب ود الرئيس الأمريكى الذى يساوره القلق بشأن ارتفاع الأسعار من ناحية، وتعظيم خسائر إيران من الإيرادات البترولية بالنقد الأجنبى من ناحية أخرى. فارتفاع أسعار الخام سيقلل من فعالية العقوبات المفروضة على إيران نظرا لأنه سيحيّد أثر انخفاض صادراتها.
أما روسيا فهى ستساعد زيادة إنتاج البترول على دعم اقتصادها، حيث قامت كبرى الشركات الروسية العاملة فى هذا المجال مثل "Rosneft "برفع طاقتها الإنتاجية خلال الأشهر القليلة الماضية، ولذا فمكاسبها من رفع الإنتاج ستفوق ما قد تجنيه من زيادة الأسعار.
كما أن انخفاض الأسعار سيعمل على تهدئة مخاوف روسيا بشأن زيادة الحصة السوقية للولايات المتحدة األمريكية، نظرا لإن ارتفاع الأسعار كان عاملا محفزا على زيادة إنتاج الأخيرة من الخام الصخرى.
لكن ما المخاطر التى قد تدفع أسعار البترول إلى الارتفاع؟
بحسب التقرير فإن هبوط إنتاج فنزويلا بصورة أكبر يأتى على رأس المخاطر التى تدفع أسعار النفط إلى الارتفاع، بالإضافة إلى انخفاض صادرات إيران على نحو أكثر حدة بعد إعادة فرض العقوبات الأمريكية عليها، وأيضا أن تعمل عوائق البنية الأساسية فى مجال صناعة البترول بالولايات المتحدة على الحد من النمو المتوقع لإنتاجها.
وما هى المخاطر التى قد تتسبب فى انخفاض الأسعار فى عام 2019؟
يأتى على رأس هذه المخاطر إحجام شركاء إيران التجاريين عن خفض وارداتهم البترولية منها بدرجة ملموسة، وتصاعد الإنتاج الأمريكى بما يفوق المتوقع، بالإضافة إلى تعافى الإنتاج الليبى.
وما هى النظرة المستقبلية للأسعار البترول؟
بحسب ما يقوله معهد التمويل الدولى فإن صناعة الخام الصخرى الأمريكى تمثل إحدى العوامل المحددة للمسار المستقبلى لأسعار البترول، فالشركات الأمريكية تواجه فى الوقت الحالى بعض معوقات البنية الأساسية فى أهم مناطق التنقيب، ولذا ستضطر الشركات المنتجة إلى تقليص أنشطتها لحين توافر خطوط جديدة لنقل الخام.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن يصل متوسط الزيادة فى حجم الإنتاج العالمى خلال عام 2018 إلى 1.4 مليون برميل يوميًا )وهو تقريبًا نفس مقدار الزيادة فى حجم الطلب العالمى(، ولكن ستتراجع هذه الزيادة لتقتصر على مليون برميل يوميًا فى عام 2019.
فى حين يتوقع معهد التمويل الدولى أن يتسبب قرار الأوبك الأخير فى ارتفاع طفيف فى أسعار البترول فى أواخر عام 2018 وفى عام 2019، بحيث يصل متوسط سعر البرميل من خام برنت إلى 73 دولارا خلال النصف الثانى من عام 2018، وإلى 65 دولارا خلال عام 2019.
بالنظر إلى عقود البترول بالسوق الآجلة، من المتوقع انخفاض سعر برميل البترول من خام برنت تدريجيًا ليستقر عند 69 دولار للبرميل فى نهاية عام2019،و66 دولار للبرميل فى نهاية عام 2020.