أطلق العرب فى الجاهلية على شهر رمضان اسمًا قديمًا هو "ناتق" ، والنَتْقُ فى اللغة : الزَعزعةُ والنَفْضُ. ونَتَقَ الشيءَ يَنْتِقُه ويَنْتُقُه بالضم نَتْقًا جذبه واقتلعه. وفى التنزيل : " وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ " (171- الأعراف) ؛ أى زَعْزَعْناه ورفعناه، وقد اختفى هذا الاسم وزال ولم يَعُد دارجًا على ألسنة الناس ، وحلّ مكانهُ الاسم الذى نستخدمهُ الآن وهو شهر رمضان كما يبين لاحقًا.
أمّا كلمة "رمضان" وعلة اشتقاقها فقد اختلف اللغويون فيها وفى أصلها, فمنهم من قال: هو الرَّمَض والرَّمْضاءُ أى شِدّة الحَرّ, وأنه من رمض الصائم إذا حر جوفه من شدة العطش . ومنه حديث عَقِيل: فجعل يَتَتَبَّع الفَيْء من شدّةِ الرَّمَضِ. والمصدر: رَمِضَ يَرْمَضُ رَمَضًا. وانفرد صاحب القاموس بتعليل يرى فيه أن رمضان سُمى بذلك لأنه يحرق الذنوب!.. ويرى الجوهرى صاحب الصحاح: "أن العرب حينما نقلوا أسماء الشهور عن لغة العرب العاربة : عاد وثمود وغيرهما, سموا الشهور بحال الأزمنة التى وقعت فيها عند التسمية, فاتفق أنهم حينما أرادوا تغيير اسم "ناتق" - وهو اسم شهر رمضان عند العرب العاربة - كان الحر والرمض فى أشده, فسموه رمضان !, وأكّد على ذلك الماوردى، حيث ذكر إن اسم رمضان فى الجاهلية "ناتق" ومنه قول أحد الشعراء:
وفى ناتِقٍ أَجْلَتْ لدى حَوْمَةِ الوَغَى *** ووَلَّت على الأَدْبَارِ فُرْسَانُ خَثـْعَمَا
والعلتان الأولى والثانية كما يذكر الأستاذ عبدالله الكبير يمكن قبولهما والتسليم بأن العرب فى جاهليتهم كانوا يصومون رمضان, أو بعضه، وإلا فكيف تستقيم العلة الأولى , وهى أنه من رمض الصائم إذا حر جوفه من شدة العطش ؟! .. وكيف تستقيم العلة الثانية, وهى أن رمضان يحرق الذنوب ؟!.. والذى يرجع إلى أقوال اللغويين فى مادة "نتق" يرى أنهم يقولون: أنتق الرجل صام ناتقًا، وهو رمضان، وهو دليل على أن العرب قبل الإسلام وأمم قبلهم كانوا يصومونه مصداقًا لقوله –جلّ وعلا- " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " (183-البقرة) .
أما رمضان اصطلاحًا فهو الشهر التاسع من السنة الهجرية, ويُجمع على رمضانات وأرمضاء, وقد اختار الله شهر رمضان وفضّله على سائر الشهور لما تشرّف به من احتواءه على ليلة القدر, والتى هى خير من ألف شهر، لنزول القرآن المنقذ من الضلالة فيها، فضلًا من الله ونعمة "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ (آية 185- البقرة) . وقال تبارك وتعالى: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" (3-4 – الدخان).
الجدير بالذكر أن شهر رمضان لم يكن الشهر الوحيد الذى جرى التعديل فى مُسماه, فجميع أسماء الشهور عند العرب العاربة، غيّرها من جاء بعدهم من أبناء إسماعيل – فكانت العرب العاربة تسمى المُحرم: المؤتمر, وصفر: ناجر, وربيع الأول: خوّان, وربيع الآخر: وبصان, وجمادى الأولى: حنين, وجمادى الآخرة: ورنة , ورجب: الأصمّ, وشعبان : عاذلا, وتسمى رمضان: "ناتق" – كما سبق أن ذكرنا- وشوال: وعل, وذو القعدة: رنة, وذو الحجة : برك.
تلك كانت إطلالة لغوية وتاريخية سريعة أردنا فيها أن يكون للغة والتاريخ نصيب من الحفاوة برمضان والإشادة به . والله نسأل أن يُبلغنا شهر رمضان ويجعلنا فيه من الفائزين والمقبولين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة