جمال أسعد

إعلام الـ «BBC» والمصداقية المفقودة

الثلاثاء، 06 مارس 2018 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يعرف الإنسان الإعلام قبل الوصول إلى تلك المخترعات الإعلامية التى يتعامل معها الآن، مثل الصحافة والإذاعة والتليفزيون، وأخيرًا ما يسمى بالـ«سوشيال ميديا» أو وسائل التواصل الاجتماعى، التى جعلت العالم أقل من قرية صغيرة، ولكن كان هناك فى كل زمان ولكل مكان إعلامه ووسائله التى توصل إليها الإنسان، لإمكانية التواصل الإنسانى كحقيقة فطرية جُبل عليها البشر، وحتى تكون هناك وسيلة لإخبار الجماهير أو أكبر عدد من البشر بما يريد أن يوصله الحاكم إلى شعبه، سواء كان هذا الإعلام يعنى الخبر أو المعلومة أو الأوامر الواجب تنفيذها، وعرفنا تاريخيًا ما كان يسمى بالمنادى الذى يعلن هذا الخبر، أو تلك المعلومة، أو ينشر ذلك الأمر، ومع التطور أصبح هذا المنادى هو تلك الوسائل الإعلامية التى أصبح لها هذا الدور المهم والخطير فى الشحن والحشد، والأهم فى تشكيل الوعى لدى البشر، مما جعل هذه الوسائل من أهم ما تمتلكه الأنظمة والحكومات، خاصة فى تشكيل الرأى العام حتى أصبحت وسائل الإعلام هذه هى أحد الأسلحة المهمة فى وقت السلم ووقت الحرب، ففى وقت السلم ترسل ما يشكل وعى الآخرين من خلال بث أفكار وقضايا ومعلومات، بهدف إثارة الرأى العام ضد الآخر العدو، أو لتمرير معلومات كاذبة عن الدولة المعادية. وفى وقت الحرب من المعروف أن ما يسمى بالحروب النفسية هى الأهم والأخطر من الجيوش المحاربة لو تم نشر حالة من الإحباط واليأس، والوصول إلى فقدان الثقة فى القيادة، ما يضيف أعباء ثقيلة على القوات المحاربة لفقدانها قوة وصلابة الجبهة الداخلية التى هى الطاقة الأهم لتحقيق النصر فى أى معركة.
 
ومن المعروف أن هذه الحرب النفسية تعتمد على الأكاذيب والادعاء الكاذب بالنصر وهزيمة الآخر، ولنا فى «جوبلز» فى الحرب العالمية الثانية خير دليل، فكان الاعتماد على الأكاذيب. هذا حتى وصلنا إلى ما نراه الآن من تطور لنوعيات الحروب، وما يسمى بالجيل الرابع والخامس المتمثل فى هذه الحروب النفسية، اعتمادًا على هذا الإعلام وعلى وسائله المتعددة، وكم عانت ومازالت تعانى مصر على الدوام من هذه الحروب النفسية، خاصة بعد يوليو 1952، فكم رأينا من إذاعات موجهة ضد مصر وشعبها من إسرائيل وبريطانيا تحديدًا، بهدف هز ثقة الجماهير فى النظام المصرى، خاصة عند حروب 1965 و1967 وعلى الدوام. هنا فلا غرابة ولا استغراب فيما نراه حتى الآن من تلك الممارسات الإعلامية التى دائمًا وأبدًا ما تدعى المهنية والحرفية والمصداقية، وهى لا علاقة لها بكل هذا.
 
ولا شك أن سقطة «B.B.C» الخاصة بتلك الفبركة الإعلامية التى سايرت تلك الحملة العالمية على نظام يونيو, والتى تدعى على النظام بمحاولة تشويهه فى نظر مواطنيه وفى نظر العالم, تحت مزاعم حقوق الإنسان المهدرة، حيث يتم خطف واختفاء قسرى واعتقالات بلا محاكمة للبشر، تؤكد بما لا يدع مجالًا لأى شك فضح وكشف ذلك الدور الحقير الذى تقوم به هذه الوسائل الإعلامية ضد النظام والوطن, ولصالح جماعة الإخوان المتربعة على حجر بريطانيا منذ تأسيسها 1928 وحتى الآن، بعيدًا عن أى مصداقية كاذبة مدعاة، نعم هذا هو دور هذه الوسائل الإعلامية التى لعبت على مشاعر الجماهير بادعاء هذه المصداقية، فى مقابل ترسيخ مفهوم عدم مصداقية وسائل إعلامنا، حيث إنها موجهة ولا تقول الحقيقة، ما جعل هناك موروثًا جمعيًا أصبح أسير هذه الأكاذيب، ولذا هنا لا يجب الاكتفاء بهذا الدور الذى بدأت تلعبه هيئة الاستعلامات، بقيادة الصديق د. ضياء رشوان، خاصة بعد كشف واقعة خطف «زبيدة»، وبعد كشف هذه المؤامرة الدنيئة التى كشفت ذلك الدور الخسيس الذى تلعبه الجماعة فى ترويج هذه الأكاذيب، وللأسف عن طريق هذه الوسائل التى تدعى المصداقية، فدور الاستعلامات مطلوب ومقدر ومطلوب المزيد، ولكن الأهم وبكل وضوح هو لابد من إحداث نقلة نوعية فى إعلامنا المصرى بكل وسائله وبكل أساليبه، فالآن لم يعد الأمر مقصورًا على صحف كانت فى يد الرقيب، ولا فى تليفزيون الدولة الذى كان يقوم بدور رائع وعظيم فى توجيه الرأى العام لصالح التوجهات الأساسية والقومية والوطنية التى كانت تهدف إلى صالح المواطن، وحماية الأمن القومى فى مواجهة الأعداء الخفيين والظاهرين.
 
ولكن كان يقوم التليفزيون العربى بتشكيل وعى عام ناضج وواعٍ وقادر على الحكم على الأشياء، وصولًا إلى حالة انتماء حقيقى لهذا الوطن. ولكن الآن لا نجد هذا الدور، ولا نجد ذلك التليفزيون، فالأدوار تبدلت إلى الأسوأ، خاصة أنه لا يمكن أن يقوم القطاع الخاص الذى أصبح يمتلك القنوات لتمرير مصالح مالكه، إما إرضاء للغرور أو تسهيلًا لمصالحه الخاصة أو تسويقًا لأكاذيبه الذاتية، وكله بفلوسه. فلا يمكن أن يكون القطاع الخاص المعتمد على الإعلانات التى تحدد المذيع والبرنامج والمادة لصالح العائد الإعلانى، وليس بهدف القيام بالدور الإعلامى. لا يمكن أن يكون إعلام الجدل والشعوذة والاهتمام بالقضايا التافهة التى تسطح الوعى، وبالإعلانات التى تكدس القيم الاستهلاكية التى تضر بالاقتصاد، وتأتى بمزيد من المشاكل لغير القادرين، فيكون الصراع الطبقى أو الاغتراب داخل الوطن. المصداقية والرد على المزايدات هو بمزيد من المصداقية لوسائل إعلامنا، وصدق خبرنا، وموضوعية تحليلاتنا، ونشر الوعى لا تسطيحه. هذا يتطلب إعادة دور إعلام الدولة، فهذا حق وواجب، ودور للإعلام الخاص لمواجهة هذه التحديات الاستثنائية فى عمر الوطن حتى يخرج الوطن منها، وحتى تتقدم مصر بشعبها ولصالح كل المصريين.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة