المخرج عصام السيد يكتب: الفلاح الصفيح

الجمعة، 19 يناير 2018 06:00 م
المخرج عصام السيد يكتب: الفلاح الصفيح المخرج عصام السيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أثناء الثورة، وبعدها، حققت برامج التوك شو انتشارا واسعا، وأصبح لكل قناة برنامجها الذى يصرخ فيه المذيع طوال الليل محاولا فض الخناقات والاشتباكات بين ضيوفه وهو يزيدها اشتعالا من طرف خفى، فبقدر الخناقات وعنفها وعلى قدر التجاوز فى الألفاظ المتبادلة بين الضيوف، يحرر المعلنون الشيكات للقنوات ويتحدد أجر المذيع بناء على شهرته فى تأجيج الخلافات، وبدلا من أن تصبح تلك البرامج ساحة لتبادل الأفكار والنقاش العقلى تحولت إلى ساحات لمصارعة الثيران، فالمذيع يوميا يستضيف ثورا ومصارعا أو عدة مصارعين ويجلس المشاهدون ليستمتعوا بالدم المراق من الطرفين، فقد المصريون (العصا) و تحولت أحاسيس الكبت والقهر خلال سنوات عشر على الأقل إلى طاقة عدوانية، ووجدوا تفريغا لها فى تلك البرامج.

 

ومن بين مذيعى تلك البرامج من تلبّس دور الثور لينطح ويناطح الجميع على الهواء حكاما ومحكومين، حكومة ومعارضة، ووجد المصريون فى حديثه قليلا من السخرية التى افتقدوها، ولكنه لم يكن يقصدها فربما كانت اللهجة الريفية إلى جانب العفوية والتلقائية التى قد تصل إلى حد السذاجة، مضافا إليها خبثا ريفيا أصيلا يظهر متواريا أحيانا ومكشوفا فى معظم الأحيان، كونت كلها مواصفات للمذيع قربته من صورة تعيش فى الذاكرة الجمعية للمصريين، إنها صورة الفلاح الفصيح، ولكن بدلا من أن يكون لسان المصريين فى السخرية صار هو مادة لها، وبدلا من أن يصبح الفلاح الفصيح الذى يعبر عنهم صار الفلاح الصفيح، تصفعه فيصدر أعلى الأصوات و كأنه أسد هصور، تدق عليه فينثنى فى سرعة وسهولة، لذا أخذ المصريون فى السخرية منه لكثرة أخطائه وأحاديثه المخلوطة والمغلوطة، وإطلاقه للحديث على عواهنة، لكن البعض أحبه لأنه كان - على الأقل – مجرد بسمة فى بحر البكاء.

 

مذيع آخر كان أكثر ذكاء وأعمق ثقافة، يملك القدرة والموهبة على السخرية، لكنه للأسف لم يستغل كل مواهبه فى هذا الاتجاه، إنه الصحفى والروائى "إبراهيم عيسى" الذى طالما قدم لمحات ساخرة كثيرة فى برامجه، ولكن أكثر برامجه سخرية تلك التى قدمها عن انتخابات رئاسة الجمهورية وأطلق فيها لقب (الاستبن) على المرشح " محمد مرس".

 

وكانت روح السخرية تسيطر على هذا البرنامج بشكل أكبر من كل برامج "إبراهيم عيسى" السابقة واستفاد من تلك الروح فى التفرد والتميز عن باقى البرامج، ها هو يملأ الصورة التليفزيونية بإطارات السيارات فى حلقته عن "محمد مرسى"، وفى حلقة أخرى يملأها بلعب أطفال عبارة عن طائرات فى حلقة "أحمد شفيق" وهو ما مثل شكلا جديدا على برامج التوك شو .

 

فى مقابل روح السخرية تلك حاولت "جماعة الإخوان" أن تظهر بمظهر عصرى يجذب لها أتباعا جددا أو على الأقل يخفف من غلواء (النخبة والمثقفين والليبراليين) فى العداء للجماعة وأفكارها، وبعد أن نجحت فى ضم عناصر كثيرة من عاصرى الليمون، حاولت أن (تستخف دمها) وتستخدم السخرية لتحطيم أعدائها، وأطلقت بعضا من أقلام وضيوف فى برامج تحاول حمل عصا المصريين لا ليهشوا بها على الغنم وإنما ليهشوا بها الغنم نفسه، والفرق كبير، فالهش على الغنم هو تحريك غصون الأشجار لتسقط ورقها فتأكل منه الأغنام، أما هش الأغنام فهى أن تسوقهم أنى شئت، والحقيقة أنهم تمتعوا بثقل ظل لا مثيل له وكأنهم لا ينتمون لهذا الشعب الذى أتقن السخرية وأجاد فن الضحك، وكانت كتاباتهم وأحاديثهم فى البرامج تجافى روح المصريين.

 

تدفقت الإعلانات على برامج التوك شو، فالمصريون يجلسون أمامها طوال الليل، وبعد أن كان لكل محطة برنامج أساسى سرعان ما أنشئت محطات من أجل برامج طمعا فى الحصول على حصة من وجبة الإعلانات، وبعد أن كانت مجموعة قليلة من المذيعين تتناوبهم المحطات صار كل من هب ودب صاحب برنامج.

 

بعد قليل اكتشف المصريون اللعبة، وبدأت ضحكاتهم تتجلى فى السخرية من تلك البرامج ومن هؤلاء الضيوف، وانتشرت على يوتيوب عشرات البرامج الساخرة من التوك شو وضيوفه والآراء التى تقال فيه وخناقاته، فلقد ساعدت شبكات التواصل فى أن يصبح لكل من يريد برنامجه الخاص أيضا!، وأصبح هناك برامج ثابتة يقدمها نجوم لا يعرفهم إلا مشاهد النت.

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة