المخرج الكبير عصام السيد يكتب: شر البلية

الخميس، 11 يناير 2018 04:53 م
المخرج الكبير عصام السيد يكتب: شر البلية المخرج الكبير عصام السيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بدأ عصر حسنى مبارك بمأساة وانتهى بمأساة، مأساة البداية كانت سبب سعده و أساة النهاية كانت سجنه .

كانت المأساة الأولى هى اغتيال رئيس الجمهورية على مرأى ومسمع من العالم كله فى لحظة احتفاله بإنجازه الوحيد، ولأن المصريين ( ولاد أصول) فلم يستعملوا عصاهم ( السخرية ) فى وداع الفقيد، برغم طول استخدامها فى حياته، ولم يحقق الاغتيال إلا نسبة ضئيلة من النكات لا تؤهله للتواجد فى قائمة السخرية المصرية .

وبرغم استقبال الحاكم الجديد ببعض النكات وإطلاق تسميات عليه – كما هى العادة – إلا أن موجة الإرهاب وتوالى حوادثه على مر السنوات منذ اغتيال السادات 1981وحتى مذبحة الدير البحرى بالأقصر عام 1997 جعلت عصا السخرية عاطلة عن العمل، كان خطر الإرهاب وتدنى موارد الدولة بسبب إحجام الاستثمار وعزوف السياحة كلها عوامل مكبلة للعصا، بل شجعت الشعب على الوقوف إلى جانب الحكومة، وحتى لو لم يقف معها فهو يعانى للحصول على الرزق مما يجعل وقته أضيق من أن يفكر فى السخرية

رغم أن مذبحة الأقصر هى آخر عمل إرهابى، وبعدها أعلنت التنظيمات المتأسلمة رسمياً مبادرة وقف العنف، إلا أن حال المصريين لم يتحسن، فالظروف الدولية كانت معاكسة منذ احتلال الكويت، لحرب تحريره، ثم حصار العراق تمهيدا لغزوه الذى تم فى 2003، كل هذه الأحداث أثرت على المصريين اقتصاديا و معنويا. باختصار كان المصريون فى شر البلية، وبما أن شر البلية ما يضحك، انطلقت الضحكات مع الثورة .

امتلأ الميدان بالثوار من كل الاتجاهات و الايدلوجيات والمشارب، واتفق الجميع على رحيل النظام و لكن لم يتفقوا على البديل، و لذا تعددت الأهداف والمطامح و المطامع، ووسط كل هذا كانت عصا المصريين تلوح فى الأفق تضرب بلا هوادة رؤوس النظام، كان الميدان وكأنه مسابقة فى السخرية: بمجرد أن يظهر شخص يعلق على صدره لوحة عليها تعليق ساخر على الفور تجد آخرين علقوا لوحات عليها تعليقات أكثر سخرية، فهذا شاب بدا عليه الإرهاق، يرتدى ملابس رثة بعد أن مكث أسبوعين فى ميدان التحرير، وقد رفع لافتة عليها "ارحل بقى عايز استحمى". وآخر بلافتة تقول "قاعد 13 يوم ما نمتش.. وأنت لسه ما فهمتش "وفى أحد مداخل ميدان التحرير وقف كهل يحمل لوحة كتب عليها " آخر طلعة جوية هتكون على السعودية " .....

و بمجرد إطلاق هتاف ساخر فى مظاهرة تجد عشرات الهتافات أكثر سخرية قد انطلقت بعده، حتى أن بعض المواقع الإخبارية كانت ترصد نكات المصريين التى أطلقوها فى الميدان من خلال اللوحات والهتافات وأيضا الرسوم، وأيضا صفحات التواصل الاجتماعى التى امتلأت بعشرات التعليقات الساخرة لعل أطرفها ما قيل عن سر تثبيت كاميرات التليفيزيون المصرى على مشهد النيل طوال تغطية الأحداث بأنهم "مستنيين السمك يخرج يقول نعم لمبارك "

وهكذا أبهرت الثورة المصرية شعوب العالم بخفة دمها و روحها الساخرة، ولكن الأكثر إبهارا من السخرية الفردية هو ظهور نوع من السخرية الجماعية، سخرية تشارك و تتشارك فيها الجموع، فقد شهد الميدان حفلة زار لخروج مبارك، وكأنه جن قد لبس جسد المصريين فأقاموا الزار لخروجه، وشارك العشرات وربما المئات فى هذا الطقس الساخر، وهذه مظاهرة أخرى قد خرجت بالحلل ( أوانى المطبخ ) و ثالثة بانابيب الغاز الفارغة، حتى أن مجموعة تخصصت فى مثل هذه النوعية من المظاهرات الساخرة .

رويدا رويدا توالت الأحداث وتعددت الحوادث وانتشر الدم، واختلف أخوة الأمس  فتطاحنت الفصائل وتصارع الشركاء، إلى أن تولى الأخوان المسلمون رسميا حكم البلاد فزاد الصراع وهبت رياح الكآبة و تكاثفت سحب الاكتئاب، و حاول الأخوان فرض نمط حياتهم على المصريين ولكن عصا المصريين لا تستقيم مع مبدأ السمع و الطاعة، فخرج المصريون دفاعا عن عصاهم التى هى عماد حياتهم وجوهر وجودهم . هاهن مثقفات مصريات يحملن اعلى الدرجات العلمية و فنانات مصريات يقفن صباح 30 يونية امام وزارة الثقافة المصرية يطرقن بالقباقيب فى أولى مظاهرات طرد الإخوان . هل هناك سخرية أكثر من هذا؟ و هل هناك دفاع عن هوية المصريين افضل من هذا ؟ . فالسخرية احد المكونات الرئيسية للهوية المصرية .

أما على مستوى الميديا  فكان هناك تجلى اخر لعصا المصريين أو سخرية مختلفة

 









الموضوعات المتعلقة


مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة