روان سالم ذكى تكتب: لننتظر حتى تصفو العقول

الثلاثاء، 27 يونيو 2017 02:00 م
روان سالم ذكى تكتب: لننتظر حتى تصفو العقول

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

اعتاد الكثير منا على خيبات الأمل المتتالية فى حياته، سقطنا كثيرا، تعثرنا أحيانا، واستطعنا الصمود أحيانا أخرى، هذه هى الحياة بتقلباتها وتغيراتها، وعلينا أن نعيشها بالطريقة التى نختارها نحن، ونشكلها بالطريقة التى تلائم حياتنا نحن لا حياة الآخرين.

 مقالتى اليوم هى بمثابة صفعة جاءت لتوقظ الكثير منا من سباته العميق، ومن محاولاته الدؤوبة فى أخذ القرارات السريعة التى غالبا ما تكون خاطئة بكل المقاييس. أولا أنا مدركة تماما أن الحياة التى نعيشها ليست جنة، وأننا حتما سنواجه العديد من المشكلات والسقطات التى لم تكن فى الحسبان، والسؤال هنا، كيف نواجه هذه الحياة بتقلباتها المستمرة، وكيف لنا أن نعيش فى خضم هذا العالم السريع المخيف وتحت ظل هذه السيوف القاطعة المسلطة على رقاب علاقاتنا الاجتماعية والإنسانية؟، سأسرد عليكم قصة رمزية أسطورية توضح معنى كلامى وتبين كيفية التعامل مع ضغوطات الحياة ومشاكلها.

 يحكى أن حكيما كان مسافرا مع جمع من أصفيائه وأتباعه من مكان لآخر، وبعدما ساروا لفترة من الوقت قرروا أخذ استراحة لبعض الوقت، وبالقرب من مكان الاستراحة بحيرة صغيرة، فقال الحكيم لأحد الأتباع: اذهب إلى البحيرة واملأ هذه القربة بالماء واحضرها لنشرب ونطبخ منها، فذهب الرجل إلى البحيرة والكثير من الأغنام والأبقار تشرب من ذات البحيرة على مقربة ووجد الماء وقد غدا موحلا جدا، فعاد الرجل ليخبر الحكيم وأصحابه أن الماء موحل جدا وغير صالح للشرب بالمرة. طلب الحكيم من الرجل أن يجلس ويستريح لبعض الوقت، وبعد ساعة أو اثنين طلب منه أن يذهب مجددا إلى البحيرة ذاتها، وأن يحضر الماء للشرب والطبخ، فذهب الرجل مسرعا، وحين أقبل كانت الشمس على وشك الغروب، وأمسى المكان هادئا جدا، فكانت المياه ساكنة وصافية هذه المرة بعد عودة الأغنام والأبقار إلى مأواها، واستقر الوحل والطين فى قاعها، ليصير الماء صالحا للشرب، فملأ الرجل القربة بالماء وعاد إلى سيده الحكيم وأصحابه. ملأ الحكيم كوبا من الماء ونظر إليه قبل أن يشربه فوجده صافيا للغاية فقال لأصحابه: هل رأيتم ما حصل؟، لم يكن صاحبنا بحاجة لعمل أى شىء كى يصفو الماء، كل ما كان بحاجة إليه أن يجلس ليستريح بعض الوقت، وأن يترك البحيرة ليصفو ماؤها وحده، وعقولكم كذلك تماما، حين تتعكر بضغوط الحياة ومشاكلها وحين يعصف بها الإحباط والقلق، وحين يشتعل بها الغضب من أمر ما اعترض سبيلكم، فمن الخطأ كل الخطأ أن يحاول الإنسان أن يعمل شىء حينها، أو حتى أن يتخذ قرارا، كل ما يحتاجه فى تلك اللحظة أن يعطى نفسه فترة من الراحة ليصفو عقله وتهدأ نفسه، وبعد حين ستنجلى الغمة وسيتمكن من الرؤية واتخاذ القرارات بشكل أفضل.

 هذه هى الحياة، إما أن نعيشها بطريقة عقلانية غاية فى الدقة، وإما ستهزمنا وتدهس علينا شيئا فشيئا حتى نختفى تماما، وهذه القصة تنطبق وبشدة على الحاصل فى شبكات التواصل الاجتماعى هذه الأيام، والتى تؤثر بشكل أو بآخر على علاقاتنا الاجتماعية، بل قطعها أحيانا مع كل "مسج" وتغريدة وإيميل وتدوينة على الإنترنت قد نقترفها دون حساب للعواقب ودون تمحيص وبلا تأن وتمهل، فإننا صرنا فى حاجة لوقفة، بل لوقفات كثيرة للمراجعة، واتخاذ القرارات الصحيحة والتفكير مليا قبل الإقدام على أى خطوة خاصة فى ظل هذا العالم شديد السرعة، وهذا الواقع الافتراضى الذى مازال فى طور تقدمه وتطوره. نحن اليوم فى أمس الحاجة إلى أن يركد هذا الطين العالق فى العقول وفى النفوس، حينها فقط سنصبح أكثر سعادة وأكثر راحة من ذى قبل، فلننتظر حتى تصفو العقول.







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة