أكرم القصاص - علا الشافعي

محمد مختار جمعة

السلام النفسى

الثلاثاء، 20 يونيو 2017 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما أجمل أن يعيش الإنسان فى سلام مع نفسه، وسلام مع أسرته، وسلام مع عائلته، وسلام مع جيرانه، وسلام مع زملائه، وسلام مع أصدقائه، وسلام مع المجتمع، وسلام مع الناس أجمعين، غير أن هذا السلام لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال نفوس صافية تحكمها ضوابط إيمانية وإنسانية راقية، من أهمها أن يكون للإنسان وجه واحد ظاهره كباطنه، لا أن يكون من ذوى الوجهين الذين يلقى الواحد منهم هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه، حيث يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: «مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ الَّذِى يَأْتِى هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ». «رَوَاهُ مُسْلِمٌ». 
ومنها أن يكون محبًا للخير للناس أجمعين، رحيمًا، ودودًا، سهلاً، هينًا، لينًا، يألف ويؤلف، فالمؤمن يألف ويؤلف، والكافر فظ غليظ لا يألف ولا يؤلف، والمؤمن مفتاح للخير مغلاق للشر، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: « إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ» «سنن ابن ماجه»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» «متفق عليه»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ» «صحيح البخارى»، ويقول «صلى الله عليه وسلم»: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ». «متفق عليه».
ولا يمكن للإنسان أن يكون فى سلام مع نفسه أو مع الآخرين إلا إذا كان منصفًا للآخرين من نفسه يعمل فى إطار الحقوق المتكافئة المتبادلة، ويطبق عن قناعة مبدأ الحق والواجب، فالعلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على الحقوق المتبادلة، يقول الحق سبحانه: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ»، ويقول نبينا «صلى الله عليه وسلم»: « أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، وَلاَ يَأْذَنَّ فِى بُيُوتِكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ، أَلاَ وَإِنَّ حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِى كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ». «سنن الترمذى».
والعلاقة بين المواطن والدولة وبين العامل ورب العمل تقوم على الحق والواجب، يقول نبينا «صلى الله عليه وسلم» فيما يرويه عن ربه سبحانه: « قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِى ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ». «صحيح البخارى»، أما من تغلبه شهوته وأنانيته، فكما يقولون: ما استحق أن يولد من عاش لنفسه.
وهذا السلام النفسى يقتضى أن يؤمن كل منا بحق الآخر فى الحياة الكريمة الآمنة المستقرة، ويدرك أن هناك قواسم إنسانية مشتركة أجمعت عليها جميع الشرائع السماوية، يؤدى الالتزام بها والوفاء بمتطلباتها إلى أن تسود الطمأنينة والاستقرار والسلام والنفسى والمجتمعى بين الجميع، ومن هذه المشتركات ما يعرف بالوصايا العشر التى وردت فى أواخر سورة الأنعام، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، فقد قال سيدنا عبدالله بن عباس «رضى الله عنهما»: هذه آيات محكمات لم ينسخهن شىء من جميع الكتب، وهى محرمات على بنى آدم جميعًا، وهن أم الكتاب «أى أصله وأساسه»، من عمل بهن دخل الجنة، ومن تركهن دخل النار.
فلو نظرنا فيما تضمنته هذه الآيات الكريمات من جوانب إنسانية تعد مشتركًا إنسانيًّا بين بنى البشر وتسهم فى تحقيق أعلى درجات التعايش السلمى فيما بينهم، حيث تقوم على حرمة قتل النفس أى نفس وكل نفس، فكل الدماء مصونة، وكل الأعراض محفوظة «وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»، ومال اليتيم والضعيف مرعى ومصون، مع الوصية بالعدل مع القريب والبعيد على حد سواء، والوفاء بعهد الله مع الجميع، المسلم وغير المسلم، الصديق والعدو، وإقامة الكيل والميزان بالقسط، والبعد عن المال الحرام وكل ألوان الاستغلال والتطفيف والغش والخداع، مما يحقق أعلى درجات الحياة الآمنة فى كل جوانبها، ويحقق للإنسان سلام النفس فيما بينه وبين نفسه، وبينه وبين مجتمعه، وبينه وبين الإنسانية، بل الكون كله.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة