يسعى الجميع من أجل السعادة وتحقيق التوازن والسلام الداخلى، لكن هل فى ظل الأزمات والضغوط ممكن أن نصل لحالة السلام الداخلى والتصالح مع النفس؟
من الممكن وهو ليس مستحيل، ولكن يحتاج إلى القليل من الجهد والنية الصادقة .
النفس البشرية مليئة بالمتناقضات، ليس من الحكمة أن نترك لها العنان فنسير وفق هواها أو نجنح لأنانيتها دون وقفات لترويضها، ولا ننجرف وراء رغباتها الجامحة، إذا لم نقاوم تلك النفس الثائرة أبدا لن نشعر بالراحة والأمان.
عندما تثور النفس ربما تطير بنا فى عالم بلا نطاق أو حدود، أو تتلاطم بين أمواج ليس لها شطآن، تتيه بلا مرسى أو عنوان، فهى بين ضعف وقوة، بين يأس وأمل، تتلاعب بها الأفكار والمشاعر فى حالة من القلق وعدم الاستقرار.
البعض يجد نفسه فى هذا الصخب، والبعض يعشق حالة السلام النفسى وهى حالة تحتاج إلى تدريب ومحاولة جادة صادقة للوصول إليها وسط هذا الضجيج الذى نعيش فيه.
السلام النفسى حالة تخلد فيها الروح للراحة والاستجمام بعيدا عن هذا العراك الدائر والمستمر فى كل أمور الحياة، ترفض النفس فيها الانزلاق فى هوية الصراع، وتهفو الروح إلى السكينة والطمأنينة وتنأى عن أى شىء يعكر صفوها وهدوئها.
قاسية هى حياة من يعشقون الصراع والعناد، كم هم أشقياء من يشغلون أنفسهم بالمعارك وبالانتقام من الآخرين ظنا منهم أن تلك هى السعادة، كم هم تعساء من ينشغلون بالاستحواذ على ماهو ليس من حقهم، من أجل تحقيق مجد مزيف.
السلام الداخلى لا يستمتع به إلا أصحاب القلوب النقية، والعقول الواعية، التى تعى أن هذه الحالة لا تقدر بثمن .
من يتمتع بسلامة النفس لديه القدرة على التحكم فى انفعالاته، فهو من يوجه شراعه فلا تنجرف وفق أهواء الرياح التى تأتيه من حيث لا يدرى، غالبا هو يقف على أرض صلبة قوية تملاؤها ثقته ويقينه فى الله،
إن من أسوأ ما يجلب الصراع داخل النفس هو التفكير فى خيبات الماضى أو الخوف من المستقبل حالة الترقب وعدم الاطمئنان تصنع التوتر وعدم الراحة، الأفضل أن نعيش ما نحن فيه نستمتع بما نملك وما أنجزناه دون النظر للخلف والبكاء على اللبن المسكوب، لأن الماضى لا يعود، أو نعيش فى حالة الخوف من القادم، لأن القادم بيد الله، ولكن الأفضل أن نتعلم من الماضى دروسا نستفيد منها لنجعل المستقبل أفضل بإذن الله، إن ما يحرمنا من حالة السلام الداخلى هى طريقة تفكرينا، وطريقة تفاعلنا مع المشكلات اليومية، لا ننسى أبدا أن أى مشكلة لها من الحلول وربما بعض المشكلات تتحول إلى نقطه إيجابية فى حياتنا لو تعاملنا بهدوء فى حلها.
لكل باحث عن حالة السلام النفسى، كن قوى بالله وقاوم نفسك الأمارة بالسوء قاومها بشدة، دع الملك للمالك لا تتدخل ابدا فيما لا يعنيك، ركز مع نفسك وإصلاحها.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) المائدة/ 105.
ولا تتدخل فى أمور الناس، تكن أسعد وأهدأ الناس، وهذب نفسك بالقرب من الله، فما أروع السلام الداخلى فهو إحساس راقى يستحق المحاولة.
الصلاة بخشوع هى بداية الطريق، القرب من الله والتوكل عليه ومعرفة أن الأمر كله بيد الله سبحانه وتعالى، نقوم بدورنا ونكون إيجابين ولا نتخاذل، ونكون على يقين أن التوفيق هو من عند الله، اليقين هو سر الراحة والاطمئنان، نعطى أنفسنا فرصة للتأمل والتمتع ببديع خلق الله وجمالها، الشكر الدائم لله على نعمه التى لا تحصى ولا تعد، إن الشكر يزيد النعم، التسامح سر من أسرار السلام الداخلى فهو أحد أبواب الصفاء والنقاء، التسامح هو من أجلك أنت، والتسامح بمعنى عدم الرغبة فى الانتقام ولا رد الإساءة بالإساءة، لكن لا يعنى أبدا نسيان المواقف الصعبة لابد من تذكرها حتى لا نقع فى نفس الأخطاء، وعندما سُئل النبى صلى الله عليه وسلم: "أى الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب صدوق اللسان»، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقى النقى لا إثم فيه ولا بغى ولا غل ولا حسد".
نحن على أعتاب شهر رمضان وهو شهر رائع لتدريب النفس وترويضها، فهو شهر السلام النفسى لما فيه من نفحات وروحانيات نواظب عليها بعد رحيل الشهر، وإن شاء الله نحظى جميعا بالسلام الداخلى والتصالح من النفس.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة