"بلاها لحمة.. بلاها فراخ.. بلاها سمك" لم تعد مجرد شعارات لحملات مقاطعة سعيا لتخفيض الأسعار، بل تحولت لمنهج حياة للكثير من الأسر المصرية التى لم تعد قادرة على شراء البروتين الحيوانى بأنواعه المختلفة وأصبح المثل الشعبى القائل "إذا فاتك الضانى عليك بالحمصانى "هو الشعار الذى يرفعه العديد من المواطنين للبحث عن بدائل أخرى للبروتين.
ما حال إليه أسعار البروتين كان نتاجا طبيعيا لتعويم العملة، خاصة وإن كافة مدخلات الصناعة فى حالتى اللحوم الحمراء والدواجن من الأعلاف ومكونات صناعتها مستورد من الخارج، أما الأسماك فلجأ كبار التجار لزيادة معدلات تصدير النوع الشعبى إلى الدول العربية "البلطى والبورى" لتحقيق مكاسب أكبر، خاصة مع انخفاض قيمة الجنيه.
فى هذا الملف نعرض بالأرقام كيف زادت الفجوة الغذائية من البروتين الحيوانى بأنواعه الثلاثة: اللحوم الحمراء، ولحوم الدواجن والطيور، والأسماك،على مدار 15 عاما من 2001 وحتى 2015 سواء ، وفقا لأرقام الدراسة التى نشرها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فيما يتعلق بالإنتاج أو بالاستهلاك.
واتسعت الفجوة بين الإنتاج والزيادة السكانية الهائلة خلال السنوات الماضية، بصورة كبيرة، لتصبح مصر مستورد للثروة الحيوانية، وتتحول من الاكتفاء الذاتى فى الدواجن على سبيل المثال إلى عجز يقدر بحوالى 98 ألف طن عام 2015 طبقا للبيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.
وعانت مصر من فجوة غذائية قدرها حوالى مليون طن من البروتين الحيوانى بمختلف أنواعه عام 2015، والتى تحتاج بالطبع لسدها من خلال الاستيراد.
ويتوزع هذا النقص بواقع 720 ألف طن فجوة فى إنتاج اللحوم، و98 ألف طن فجوة فى إنتاج الدواجن، و188 ألف طن فجوة فى إنتاج الأسماك، وذلك من حساب بيانات لنشرة حركة الإنتاج والتجارة الخارجية من السلع الزراعية الصادرة عن جهاز الإحصاء.
اللحوم الحمراء سعر الكيلو يصل إلى 120 جنيه.. والركود يضرب الأسواق
تفضل الكثير من الأسر المصرية أكل اللحوم الحمراء، ولكن معدلات ارتفاع اسعارها فاقت قدرتهم الشرائية، حيث يتراوح سعرها ما بين 120 – 130 جنيها للكيلوجرام، وفقا لمحمد شرف نائب رئيس شعبة الجزارة بالغرفة التجارية، والذى يشكو حالة الركود الشديد التى يعانى منها القطاع نتيجة ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين.
وفقا لبيانات جهاز التعبئة والإحصاء عن حركة الإنتاج والتجارة الخارجية من السلع الزراعية، فإن الزيادة فى حجم إنتاج اللحوم الحمراء محليا لم تكن كبيرة، حيث ارتفعت من 695 ألف طن عام 2001 إلى 975 ألف طن عام 2015، ويصل متوسط إنتاج مصر من اللحوم الحمراء سنويا خلال تلك الفترة حوالى 908 ألف طن.
ورغم زيادة الإنتاج المحلى، ظلت الفجوة الغذائية من اللحوم الحمراء فى اتساع مستمر، لتصل إلى مستوى غير مسبوق بحوالى 720 ألف طن عام 2015، مقابل 99 ألف طن عام 2001.
وترجع زيادة الفجوة الغذائية من اللحوم بصورة أساسية إلى زيادة عدد السكان والذى ارتفع من 65.298 مليون نسمة عام 2001 ليصل إلى 87.963 مليون نسمة فى 2015،وهو ما أدى بالتبعية لتراجع نسبة الاكتفاء الذاتى من اللحوم إلى أدنى مستوياتها عام 2015 طبقا لأحدث بيانات متاحة لتصل إلى 57.5%،مقابل نسبة قدرها 87.5% عام 2001.
سد هذه الفجوة يتم من خلال استيراد اللحوم من الخارج، وهى الأزمة التى ألقت بظلالها خلال الأيام الماضية عندما تم الإعلان عن توقف استيراد اللحوم البرازيلية، فى أعقاب تحقيقات تجريها الحكومة هناك حول فساد الموافقات الصحية لتصدير اللحوم، ولكن تراجعت الحكومة عن القرار فى أيام قليلة لتؤكد أنه يجرى الفحص الصحى لمدى مطابقتها للمواصفات قبل الإفراج عنها جمركيا والسماح بدخولها للبلاد.
ويصل متوسط نصيب المواطن من اللحوم الحمراء إلى 13.6 كيلو جرام سنويا عام 2015.
ويعلق محمد شرف نائب رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية، مؤكدا أن ما آل إليه حال إنتاج اللحوم الحمراء فى مصر هو نتيجة لتأخر التنمية، وتجاهل وضع خطط للنهوض بالثروة الحيوانية بصورة عامة، وتربية الماشية بشكل خاص.
وقال شرف لليوم السابع: تكلفة الإنتاج المتمثلة فى الأعلاف مرتفعة جدا بسبب ارتفاع سعر الدولار.. وهو ما تسبب فى حالة ركود كبيرة نتيجة تراجع القوة الشرائية للمواطنين".
ولم يكن تردى حال الثورة الحيوانية نتيجة أزمة اقتصادية منذ شهور، ولكنها نتاج إهمال القطاع لسنوات عديدة بحسب شرف، فلم يعد قادرا على تلبية احتياجات المواطنين الذين تتزايد أعدادهم.
الفجوة الغذائية من الدواجن تتسع لـ98 ألف طن عام 2015
وتعانى مصر من فجوة غذائية فى أغلب السلع الغذائية التى تضطر لسدها بالاستيراد،وبخلاف كافة السلع ظلت مصر تحقق اكتفاءا ذاتيا من الدواجن والطيور حتى عام 2006 التى انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتى إلى 90% لأول مرة، وهو العام الذى شهد ظهور أنفلونزا الطيور وتضرر كافة المربين، حيث تحول الاكتفاء الذاتى لفجوة فى الإنتاج قدرها 11 ألف طن فى تلك السنة، وظلت الفجوة تزيد حتى وصلت إلى 98 ألف طن عام 2015.
وتلجأ مصر لسداد الفجوة الغذائية من لحوم الدواجن من خلال الاستيراد كباقى السلع الأخرى،واستوردت مصر 98 ألف طن من لحوم الدواجن والطيور عام 2015.
ورغم زيادة حجم الواردات لتغطية الفجوة الغذائية، لم يرتفع نصيب الفرد من لحوم الدواجن والطيور بصورة كبيرة خلال فترة الدراسة، وكان أعلى مستوى له عام 2005 بواقع 14.4 كيلوجرام سنويا، وبلغ نصيب الفرد 8.8 كيلو جرامات عام 2001،وارتفع إلى 10.7 كيلو جرامات عام 2015، فيما وصل متوسط نصيب الفرد خلال الفترة 10.66 كيلو جرام سنويا.
وقال عبد العزيز السيد رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية، إنه من المتوقع ارتفاع أسعار الدواجن مع بداية شهر رمضان، خاصة مع زيادة الطلب على الشراء فى ذلك الشهر والتى تصل نسبته ما بين 25 – 30%، ولكن قد تنخفض النسبة إلى 10% العام الحالى بسبب تراجع القوة الشرائية للمستهلكين جراء الوضع الاقتصادى الحالى.
ويرجع السيد أزمة أسعار الدواجن بصورة رئيسية إلى تأثيرات تعويم الجنيه فى ظل اعتماد الصناعة على استيراد أكثر من 80% من مدخلات الإنتاج المتمثلة فى المواد الداخلة فى صناعة الأعلاف.
وأشار عبد العزيز إلى أن عام 2006 الذى شهد بداية ظهور الفجوة الغذائية من الدواجن يرجع إلى ظهور أنفلونزا الطيور، ومنذ ذلك الوقت وتعانى الصناعة من مشاكل كبيرة تتمثل فى وجود امراض وبائية واستيراد اللقاحات من الخارج بأسعار مرتفعة، لافتا إلى أن الشعبة عرضت فى تلك السنة خططا على مراحل طويلة وقصيرة ومتوسطة الأجل لعلاج أزمات القطاع، ولكن لم يلتفت إليها المسئولون حتى الآن.
200
ألف طن فجوة غذائية سنويا فى الأسماك وتصدير "البلطى والبورى" أدى لزيادة الأزمةظل السمك لسنوات عدة هو الخيار الأمثل للأسر الأقل دخلا، ولكن اختلف الوضع كثيرا الآن حيث قفزت أسعاره بصورة كبيرة ليصل متوسط سعر الأسماك مثل البلطى إلى 35 – 40 جنيها للكيلو مقابل 12 – 15 جنيها قبل الأزمة، وارتفع سعر البورى ليصل إلى 60 – 65 جنيها للكيلو حاليا، وهو ما يتخطى قدرة محدودى الدخل على الشراء وتعويض نقص البروتين من اللحوم الحمراء والدواجن.
وشهد الإنتاج المحلى من الثورة السمكية زيادة مطردة خلال فترة الدراسة ليرتفع من 772 ألف طن عام 2001 إلى 1.5 مليون طن عام 2015، بنسبة زيادة بلغت 97% خلال الفترة تقريبا.
ورغم الزيادة السنوية فى الإنتاج المحلى من الأسماك، تظل هناك فجوة كبيرة ولا يكفى هذا الإنتاج لتلبية حاجة الاستهلاك بالسوق، ويصل متوسط حجم الفجوة الغذائية من الأسماك إلى حوالى 200 ألف طن خلال فترة الدراسة، وترتفع عن ذلك فى بعض السنوات وتنخفض فى سنوات أخرى تشهد زيادة فى الإنتاج.
ولم يكن حال الأسماك أفضل من البروتينات الأخرى فيما يتعلق بنسبة الاكتفاء الذاتى، والتى لم تشهد تحسنا كبيرا خلال الفترة لتصل إلى 89% عام 2015، مقابل نسبة اكتفاء 81% عام 2001.
وانعكست الزيادة السكانية بصورة كبيرة على نصيب الفرد من الأسماك بالكيلو جرام سنويا، على الرغم من زيادة الإنتاج وارتفاع معدلات الاستيراد لتغطية الفجوة الغذائية، إلا أن نصيب الفرد من الأسماك شهد انخفاضا ليصل إلى 12.5 كيلوجرام عام 2015،مقابل 14.5 كيلوجرام عام 2001.
كافة المؤشرات السابقة لم تكن تنبئ بحدوث أزمة كبيرة فى توافر الأسماك أو أسعارها كالتى تجتاح السوق فى الوقت الراهن.
وكشف عبده عثمان نائب رئيس شعبة الأسماك بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن سبب أزمة الأسعار الرئيسية هى تراجع معدلات الاستيراد المعتادة بعد انخفاض قيمة الجنيه، وزيادة سعر الضريبة الجمركية على الأسماك المستوردة لتصل إلى 20%،فى الوقت الذى ارتفعت فيه معدلات تصدير أسماك المزارع "البورى والبلطى" إلى الدول العربية خاصة السعودية عبر ميناء ضبا البرى، بصورة غير مسبوقة، دون أن تحديد حجم الكميات المصدرة.
وتكشف بيانات جهاز الإحصاء أن مصر فى الأساس هى دولة مستوردة للأسماك وليست مصدرة، حيث يبلغ متوسط حجم استيرادها 185 ألف طن سنويا ، تزيد أو تقل عن ذلك فى بعض السنوات.
أما صادرات مصر من الأسماك فهى منخفضة جدا، ويصل متوسط كمية الأسماك المصدرة حوالى 9 آلاف طن فقط، وكانت أقصى كمية صدرتها مصر خلال فترة الدراسة الصادرة عن الجهاز، هى 29 ألف طن عام 2014.
ومع تأكيدات نائب رئيس الشعبة بأن ارتفاع معدلات التصدير وراء الأزمة حتى يكسب التجار من فارق سعر الصرف، فلا يوجد بيانات توضح حجم تصدير الأسماك حاليا.
وفى محاولة لكبح جماح الأسعار أصدر وزير التجارة والصناعة طارق قابيل، قرارا بفرض رسوم صادر على الأسماك الطازجة والمبردة والمجمدة بواقع 12 ألف جنيه للطن، وذلك لمدة 4 أشهر من تاريخ نشر القرار بالوقائع المصرية فى نهاية أبريل المنقضى.
ووصف نائب رئيس الأسماك القرار بالـ"جيد"،مؤكدا أنه سيؤدى إلى تراجع أسعار الأسماك التى ارتفعت بصورة جنونية خلال الفترة الأخيرة، ويرى أن موعد القرار مناسب، خاصة مع اقتراب شهر رمضان وزيادة الطلب على الأسماك.