أكد الدكتور جمال منصور أستاذ اللغة الفرنسية بجامعة دمنهور وعضو محبى رشيد إن مدينة رشيد أو رخيت أو روزيتا مدينة السحر والجمال تقع عند التقاء النيل مع البحر الأبيض المتوسط شرق مدينة الإسكندرية والطرق إليها تحفة الحدائق والبساتين وأشجار النخيل والموالح على الجانبين، لذا سميت رشيد مدينة المليون نخلة وهى فى إيجاز مدينة التاريخ وزهرة النيل وتعتبر رشيد متحفا كبيرا للعمارة الإسلامية ويتجلى ذلك فى بيوتها ومساجدها الأثرية وقد قدمت رشيد للعالم مفتاح حضارة إنسانية فى صورة حجر رشيد الذى كشف عن أسرار اللغة المصرية القديمة كما لرشيد تاريخاً حافلا بالبطولات فى مقاومة الغزاة ورد جحافل العدوان عن أرض مصر.
وأضاف منصور أن احتفالية رشيد "ذاكرة مكان": إطلالة تاريخية على مستقبل مدينة السحر والجمال وتعد زيارة تاريخية لأحفاد بوشار وشامبليون لاستكمال ما قام به الأجداد لدعم إدراج مدينة رشيد بمنظمة اليونسكو ووضعها على الخريطة العالمية للمدن الحضارية والسياحية .
ماذا تعنى رشيد بالنسبة لكم كأحد أبناء محافظة البحيرة؟
مدينة رشيد هى أحد أهم مدن محافظة البحيرة على مر التاريخ، حيث تضم جميع حقب التاريخ ضمن آثارها فهى تضم آثارا فرعونية عديدة، حيث كانت تسمى ريخيت، وبها معبد بولتيين الشهير، كما أنها تسبق مدينة القاهرة فى تراثها الإسلامى المتميز لكونها تضم أكثر من 22 مبنى إسلامى وعددا مميزا من المساجد، حصلت على جائزة أحسن مدينة تحتفظ بطابعها المعمارى الإسلامى عام1990، من منظمة البلاد الإسلامية.
تعد هذه الزيارة بمثابة الزيارة التاريخية لمدينة رشيد لوجود حفيد بوشار وشامبليون بها، فمن هما وما الدور الذى يمكن أن تسهم به هذه الزيارة ؟
هناك خطأ تاريخى لدى الجميع فى الربط بين شامبليون وحجر رشيد هذا الخطأ يتمحور لدى غالبية المصريين فى أن شامبليون هو من اكتشف أو عثر على حجر رشيد ولكن هذا خطأ فادح، فالذى عثر على الحجر هو الضابط الفرنسى بوشار وهو أحد ضباط الحملة الفرنسية ووجده بين أنقاض قلعة قايتباى برشيد، أما عن شاميليون فهو أحد المستشرقين المهتمين بالآثار المصرية، والذى قام بفك رموز حجر رشيد بلغته الثلاث الذى كتب بها مما ساهم فى فك رموز اللغة والكتابة الهيلوغروفية بوصفها اللغة المصرية القديمة الموجودة على كل الآثار المصرية، مما أضفى قيمة كبيرة على تلك الآثار.
ونأمل من خلال هذه الزيارة التاريخية أن يكون لتواجد مثل هذه الشخصيات دورا كبيرا فى دعم ملف مدينة رشيد بمنظمة اليونسكو بوصفها مركزا حضاريا وثقافيا وسياحيا مهم بمحافظة البحيرة.
ماذا عن حجر رشيد؟
ويأتى دور الجد بوشار فى كونه اكتشف حجر رشيد Rosetta Stone وهو حجر نقش عليه نصوص هيروغليفية وديموطقية ويونانية، كان مفتاح حل لغز الكتابة الهروغليفية، سمى بحجر رشيد لأنه اكتشف بمدينة رشيد الواقعة على مصب فرع نهر النيل فى البحر المتوسط وذلك فى 19 يوليو عام 1799 إبان الحملة الفرنسية وقد نقش عام 196 ق.م. وهذا الحجر مرسوم ملكى صدر فى مدينة منف عام 196ق.م، وقد أصدره الكهان تخليدا لذكرى بطليموس الخامس، وعليه ثلاث لغات الهيروغليفية والديموطقية ( القبطية ويقصد بها اللغة الحديثة لقدماء المصريين) والإغريقية.
وكان وقت اكتشافه لغزا لغويا لايفسر منذ مئات السنين، لأن اللغات الثلاثة كانت وقتها من اللغات الميتة، حتى جاء العالم الفرنسى جيان فرانسوا شامبليون وفسر هذه اللغات بعد مضاهاتها بالنص اليونانى ونصوص هيروغليفية أخرى، وهذا يدل على أن هذه اللغات كانت سائدة إبان حكم البطالمة الإغريق لمصر لأكثر من 150 عاما، وكانت الهيروغليفية اللغة الدينية المقدسة متداولة فى المعابد، والديموطيقية كانت لغة الكتابة الشعبية (العامية المصرية)، واليونانية القديمة كانت لغة الحكام الإغريق وكان قد ترجم إلى اللغة اليونانية لكي يفهموه، وكان محتوى الكتابة تمجيدا لفرعون مصر وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر.
وكتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة، وكان العالم البريطاني توماس يانج قد اكتشف أن الكتابة الهيروغليفية تتكون من دلالات صوتية، وأن الأسماء الملكية مكتوبة داخل إشكال بيضاوية خراطيش، وهذا الاكتشاف أدى إلى فك العالم الفرنسى جان فرانسوا شامبليون رموز الهيروغليفية، واستطاع شامبليون فك شفرة الهيروغليفية عام 1822، لأن النص اليونانى عبارة عن 54 سطرا وسهل القراءة، مما جعله يميز أسماء الحكام البطالمة المكتوبة باللغة العامية المصرية، وبهذا الكشف فتح آفاق التعرف على حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها، وترجمة علومها بعد إحياء لغتهم بعد مواتها عبر القرون، وأصبحت الهيروغليفية وأبجديتها تدرس لكل من يريد دراسة علوم المصريات، والحجر أخذه البريطانيون من القوات الفرنسية، ووضعوه فى متحف لندن .
ما الدور الذى تأملون أن تقوم به الدولة للنهوض بمدينة رشيد؟
أكد الدكتور جمال منصور أن هناك جهودا غير عادية تبذل من قبل الأجهزة التنفيذية بالبحيرة برئاسة المهندسة نادية عبده محافظ البحيرة لتنفيذ مشروع تطويروتنمية مدينة رشيد للانتهاء منها فى موعدها المحدد وفقا لتكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية خلال مؤتمر الشباب الذى عقد مؤخرا بمدينة الإسكندرية، مشيراً إلى أن الأعمال تجرى فى رشيد على قدم وساق لسرعة الانتهاء من المشروع القومى لتطوير وتنمية مدينة رشيد خلال 3 سنوات، وذلك لوضعها على الخريطة السياحية والأثرية، كما كانت من قبل تنفيذا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى .
وأضاف منصور بأنه تم تنفيذ أعمال مشروع التطوير بقيمة 500 مليون جنيه، وتابع جمال منصور أن التكلفة المبدئية لمشروع تطوير مدينة رشيد تبلغ أكثر من مليار و500 مليون جنيه .
وأوضح منصور أن المهندسة نادية عبده محافظ البحيرة كانت قد صرحت خلال موقع "اليوم السابع" بأنه يوجد مخطط لإنشاء أكبر مشروع سياحى بمنطقة المثلث الذهبى الذى يلتقى فيه نهر النيل بالبحر الأبيض المتوسط بالإضافة إلى إنشاء أكبر مركز للصناعات البحرية وصناعة السفن وصناعات الأسماك داخل المنطقة الصناعية التى تضم 500 فدان بالقرب من الطريق الدولى الساحلى .
على المستوى الاقتصادى ماذا تمثل رشيد؟
أكد منصور أن رشيد كانت من أكثر مدن مصر تأثرا ببناء السد العالى حيث كان طمى النيل يصنع دلتا واسعة للزراعات المتميزة، ويصنع لها موسما ثريا من صيد السردين، وكان يحتفى به كمحصول القطن للفلاحين، وقد تأثر دخل المواطن الرشيدى تأثرا مباشرا بما حدث بعد ذلك من نحر دلتا النيل والبحر، حيث إن أغلب المواطنين كانوا يعملون بالحرف الأساسية الموروثة مثل صناعات المراكب واللنشات، وصناعات مشتقات النخيل، كما هاجر أصحاب رءوس الأموال للاستثمار فى الإسكندرية، وبالتالى زادت أعداد البطالة بين أبنائهم المتعلمين.
على المستوى الحضارى والسياحى كيف ترون مدينة رشيد؟
رشيد تعد من أجمل مدن العالم، وتعد أيضا متحفا مفتوحا فبالرغم من ضيق الشوارع وأتربة الزمن والإهمال، إلا أن عراقة المعمار وروعة التصميم للمشربيات وتيجان الأعمدة والأحواض الرخامية والأشغال الزخرفية، التى يعد أشهرها منزل ووكالة علوان الذى نزل به أحمد عرابى فى أثناء مروره على الأقاليم، وهو الشارع نفسه الذى شهد معركة رشيد الأولى، وبه منزل البواب الميزونى والدغادة رشيد وجميلتها زبيدة التى أشهر زواجها من مينو القائد الثالث للحملة الفرنسية بعد إشهار إسلامه، أما علي الجانب الآخر من النيل، حيث تل أبو مندور فيوجد مسجده، الذى يصل نسبه للإمام على بن أبى طالب ويضم مجموعة من الآثار المهمة منها مدينة بولتيين الفرعونية.
أما قلعة قايتباى، التى تقع على الشاطئ الغربى للنيل شمال رشيد، التى أنشئت فى عهد السلطان الأشرف قايتباى فقد شملت مجموعة كبيرة من الحصون والأسوار، وقد تم ترميمها، كما أقام مجلس المدينة حديقة متحفية عام86، تضم عرضا متحفيا منها صورة لحجر رشيد الذى اكتشف بها، وفك رموز اللغة الهيروغليفية المصرية، وحقق نقلة حضارية ويقع بجانبه متحف رشيد، الذى أقيم عام1959، ويمثل مزجا عربيا كليا، وهو تحفة معمارية من 4 طوابق يصور حياة الأسرة الرشيدية ونضال أهلها ضد الإنجليز والأسلحة المستخدمة فيه.
ما دور جامعة دمنهور للنهوض بمدينة رشيد؟
شاركت جامعة دمنهور بإشراف الدكتور عبيد صالح رئيس الجامعة على مر السنوات السابقة فى دعم مدينة رشيد محليا ودوليا، وذلك من خلال الدور العظيم التى قامت به السيدة الفاضلة الدكتورة نادية أندراوس أستاذ الأدب الفرنسى بجامعة دمنهور ورئيس مجلس إدارة جمعية محبى رشيد وذلك بالتنسيق مع كل الجهات المعنية بالمحافظة من خلال إقامة مؤتمر 200 عام على اكتشاف حجر رشيد، وكذلك إعداد ملف مدينة رشيد لإعلانها مدينة سياحية من خلال منظمة اليونسكو، وتوج هذا الدعم من خلال المنتدى التاريخى الذى تنظمه جامعة دمنهور برئاسة الدكتور عبيد صالح بعنوان "رشيد محل ذاكرة" شاهد على العلاقات المصرية الفرنسية، وذلك وبرعاية معالى المحافظ المهندسة نادية عبده التى وفرت كل الدعم وذللت كل العقبات للخروج بالمؤتمر فى أبهى صورة تليق بمدينة رشيد وبالزيارة التاريخية لأحفاد أهم شخصيتين أثروا فى الحضارة المصرية.
ماذا تقترحون للنهوض بمدينة رشيد؟
إذا نظرنا إلى مدينة رشيد من الناحية الحضارية والسياحية نجد أنها غير مستغلة نهائياً ولم تحظ بالقدر الكافى من الاهتمام، إلى أن جاءت تعليمات الرئيس السيسى إبان المؤتمر الرابع للشباب والذى أقيم بمدينة الإسكندرية، حيث وجه سيادته بضرورة دعم وتنمية مدينة رشيد بوصفها متحفا مفتوحا يضم العديد من الآثار المصرية وثانى أكبر مدينة تحوى آثاراً لإسلامية بعد مدينة القاهرة، هذه الدعوة من الرئيس لاقت قبولا وترحيباً من أهالى رشيد، حيث وجهت السيدة الفاضلة محافظ البحيرة نحو ضرورة تنمية مدينة رشيد والتنسيق مع جامعة دمنهور للنهوض بها، حيث تأمل جامعة دمنهور ضرورة إصدار قرار بإنشاء كليتى الآثار والسياحة والفنادق بمدينة رشيد خاصة بعد نقل كلية الطب البيطرى إلى مدينة الإسكندرية وإخلاء قصر الملك مقر كلية الطب البيطرى بإدفينا وهو أنسب الأماكن لإنشاء هاتين الكليتين.
أيضا إذا نظرنا إلى توأم مدينة رشيد على الجانب الآخر من نهر النيل وهى مدينة رأس البر نجد بها نهضة هائلة وتسهم بجزء كبير فى اقتصاد محافظة دمياط، ولذا نأمل أن تتحول مدينة رشيد إلى مدينة سياحية تفوق رأس البر، خاصة وهى تزيد عليها بالطابع الأثرى على مر العصور.