يبدو بسيطاً فى طرازه المعمارى القديم، وملفتاً للنظر كونه يتوسط بنايات غلب على معظمها طابع الحداثة والتطور، جدرانه التى وهنت وظهرت عليها علامات الشيخوخة كما لو كانت تجاعيد وجه عجوز بلغ من الكبر عتيا، وشرفاته العالية التى كانت بمثابة نافذة على العالم الخارجي، تطل من خلالها على افراح الجيرة، او تشاهد أحد المناسبات الدينية والاجتماعية التى أصبحت فلكلورا ترويه الكُتب، واعتابه التى وقف عليها من يحمل الخير ويحمل الأخبار السعيدة، وسائلى الرزق ايضا، اعتاب لم ينضب عليها الخير أبداً ، وجدرانه رغم ما تحتويه من جمود ولكنها اتخذت من المحيطين بها روحا تفرح باللقاء وتحزن للرحيل، وكأنها جدران بأحاسيس بشر !!، وصوت بابهِ الذى وإن دفعته قادماً، فتح لك ثغره مبتسما وعزف لك لحن بهيج لبضع لحظات وكأنه فرِح لقدومك، ويُنشد لحناً حزينا عندما توليه ظهرك منصرفاً، وتارة اخرى يرثى بصوت حزين أشخاص سافروا إلى العالم الآخر ومنهم من سافر فى بلاد الله وطالت غربتهم وسرق الطموح منهم أجمل سنين العمر، وتسمع ضجيج ذلك الباب أيضا إذا لمسته يد مُحتال، ليقوم بدور الحارس الأمين لينبهك بصوت صريره عند الخطر، لعلك لم تتعرف من قبل عن موسيقى الأبواب القديمة، صوت من زمن آخر، سيمفونيات متنوعة .
بيت العائلة الذى وإن طُفت بلاد العالم شرقاً وغرباً، او تغربت او اغتربت، حنينك حتما سيكون له، وتجول تفتش فيه عن أدوات كانت تحتل مكان فى أحد الأركان، كانت قديماً إرثهم ورأس مالهم، واحيانا كثيرة كانت مهورهم ايضا، ولكنها باتت مهملة وحل مكانها أدوات بديلة أصغر حجما ولكنها اقل بركة!!، ولعل البركة كانت ترتبط بالحجم !!!، وتُلقى بنفسك على ما يريحك من أثاث لتجلس عليه مع من تبقى من تلك العائلة يسرد لك ذكريات سنين مضت اسعدتهم وكانت اوفر حظاً، وأشخاص مازالت روحهم لم تفارق المكان، واياماً كانت تحاصرها البركة، او تعثر بالصدفة على صور قديمة تجمع بينك وبين أشخاص ترفض الذاكرة أن تسعفك بأسماء بعض منهم، ولكنك تدعوا لهم جميعا بالخير أينما كانوا، او تمتد يدك لكتاب قديم لتجد عليه إهداء من صديق او حبيب ولا تجد للوصول اليه سبيلا، هو ذلك المكان الوحيد الذى تطرح فيه أمتعتك وهمومك وأعباءك ويمر فيه الوقت كالبرق، عفوية ذلك المكان تجبرك بالتخلى عن كل تكلف قد لصق بك، فيه الحديث الذى تدركه القلوب بلا عناء، وهو المكان الذى لا تتوفر فيه كل الكماليات التى قد تكون تعودت عليها، ومع ذلك تتمنى أن تحمل بدائلها القديمة معك حيثما ذهبت، براح فسيح يسع من الأحباب الف، ضحكات من القلب ودموع صادقة، وتعاطف غير معهود مضى وانقضى ولكنك ستجد بقيته مع من أطال الله أعمارهم ليشهدوا على هذا الزمن، زمن اللاحب والمصلحة والكبرياء والتطرف والضجيج، تجد فيه من يشاطروك الحزن فيتضاءل، والفرح رغم من يشاركوك فيه ويقتسمونه معك لا ينتقص، هو البيت الذى شهد اجمل ليال العيد واصفاها، وهو ذلك السر كما كانوا يدعونه قديما " البيوت اسرار" بعكس ما نحن عليه الآن، كل ما فينا مشاع !!
بيت العائلة وان بعته، سيباع بالذكريات، فليس لك حق الاحتفاظ بها الا بذاكرتك، وان هُدم سوف يراودك فى الحلم بصورته القديمة !!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة