بالصور.. "رسم الحنة" مش بس فن.. سلاح المغتربات السودانيات لمواجهة الفقر

الجمعة، 27 أكتوبر 2017 04:00 ص
بالصور.. "رسم الحنة" مش بس فن.. سلاح المغتربات السودانيات لمواجهة الفقر صانعة العطور سامية مع محررة اليوم السابع
أسوان - ندى سليم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- "رقية": بحوش الفلوس وأبعتها لأولادى فى السودان بعد وفاة زوجى

- "مكة": أعاون أمى برسم الحنة للمارة لنوفر علاج والدى المريض ومصاريف أشقائى

 

ضحكات وابتسامات ترتسم على وجوهن تختفى وراءها قصص كفاح لأمهات واجهن كل التحديات وفضلن الغربة وعذاب الفراق كل ليلة من أجل البحث عن لقمة عيش لتربية أبنائهن كما حلمن لهم، وسط ضجيج السوق وحركة المارة التى لا تتوقف، تجدهن جالسات بزوايا الشارع يرتدين الزى السودانى، ينتظرن الزبائن بشغف أملا فى بيع تجارتهن التى قطعن بها مئات الكيلو مترات من دولة السودان الشقيقة.

 

عندما تقترب منهن تجد كل ما يروق لك من المستحضرات ذات الطابع السودانى الأصلى من بخور وعطور وأدوات تجميل للبشرة، وكل ما يخص العروس، فضلاً عن قدرتهن على رسم الحنة اللاتى يتميزن بها، ولكن عندما تجلس بجوارهن ستكتشف حكايات وقصص كفاح مؤثرة تعلم من خلالها أن فى كثير من الأحيان تكون "الست بميت راجل".

 

تنتظر "مكة" و"أمانى" و"سامية" و"رقية" وغيرهن من بائعات المنتجات السودانية، أن ينتهى اليوم لجمع ما رزقهن الله به كل ليلة، لإرساله إلى أسرهن بالسودان، فرسم الحنة وصناعة المستحضرات السودانية هو مصدر رزقهن الوحيد والموهبة الوحيدة التى يملكنها وسلاحهن لمواجهة الفقر وتربية أبنائهن.

 

"سامية" ست بميت راجل.. تصنع العطور السودانية وتبيعها لتربى أبنائها العشرة

 

بعد سنوات من حياة زوجية هادئة أنجبت خلالها "سامية" 10 أبناء، وفى ليلة واحدة تبدلت الحياة أمامها بعد أن أصيب زوجها وعائل أسرتها الوحيد بإصابة بالغة أفقدته القدرة على الحركة، وأصبح رجلاً عاجزًا وتولت الأم مسئولية بيت وزوج وأولاد.

 

تمسكت "سامية" بحياتها الزوجية وظلت بجوار زوجها سنوات طوال عملت خلالها فى عدة مهن بالتجارة وبيع المستحضرات السودانية، بعد أن تخلت عن حلمها لتعمل مدرسة لغة عربية، ولكن حتى ذلك لم يكف احتياجات أسرتها الكبيرة، فلم تجد سبيلاً لتربية أبنائها وتعليمهم وتوفير العلاج لزوجها سوى السفر للعمل بالتجارة فى محافظة أسوان.

 

تجلس "سامية" فى الشمس الحارقة كل نهار تضع بضاعتها على منضدة صغيرة تنتظر بشغف أى زبون يلقى نظرة على منتجاتها التى تتنوع من عطر وبخور ومستحضرات تجميل للمرأة.

 

تروى "سامية"، لـ"اليوم السابع"، تفاصيل غربتها من السودان للاستقرار بأسوان بحثًا عن مصدر رزق لأسرتها، قائلة: جئت إلى مصر منذ عام 2006 بعد أن أصيب زوجى الذى يعمل عاملاً فى مناجم الذهب بإصابة بالغة أثرت على قدرته على الحركة فأصبح طريح الفراش، وجدت نفسى أتحمل مسئولية علاج زوجى وتعليم أبنائى العشرة، وكنت وقتها أعمل مدرسة لغة عربية تركت عملى وقررت العمل هنا، وبالفعل بدأت أبيع بضاعتى بالقاهرة وهنا بدأت رحلتى.

 

وأضافت قائلة: قررت الاستقرار فى محافظة أسوان منذ 5 سنوات، وقمت بتصنيع بعض المنتجات العطرية مثل "الدلكة" وكريم آخر يدعى "كركارى"، ولأننى كنت لا أملك نقودًا كنت أقوم بجمع عبوات البلاستيك من محطة السكك الحديد وـأقوم بتنظيفها وأضع بها هذا المستحضر لبيعه، وفوجئت بإقبال على المنتج الذى أصنعه بيدى.

 

وأشارت "سامية" إلى أنها تمكنت من خلال بيع تجارتها البسيطة من تعليم أبنائها العشرة وصولاً للتعليم الجامعى، فأوضحت قائلة: عندى بنت مدرسة لغة عربية وواحدة خريجة اقتصاد وعلوم سياسية وبنت خريجة إدارة أعمال، والأولاد منهم مدرس وواحد خريج كلية حربية.

 

 وعن معاناة "سامية" فى غربتها كسيدة وحيدة تروى قائلة: "مبحسش أن غريبة هنا الناس طيبين ونفس عادتنا وتقاليدنا، وأى مكان فيه الحلو والوحش"، لافتة: "مبحسش بالتعب مدام عيالى بيتربوا ويتعلموا كويس كل حاجة تهون عشانهم".

 

واختتمت حديثها قائلة: "هفضل أشتغل لحد ما عيالى يتعلموا وحلمى أسافر وأعيش فى حضنهم، ونفسى ابنى الكبير يشتغل ويسافر برة عشان يتحمل مسئولية البيت وأرتاح بعد سنين من التعب والغربة".

 

صانعة الحنة: "بحوش اللى اشتغلت بيه فى 30 يوم وأبعتهم لأولادى"

 

"شق الديار علم".. من الأمثال السودانية التى ذكرتها الحاجة رقية فى بداية لقائها لتروى عن رحلتها من مصر إلى السودان للعمل فى تجارة المنتجات السودانية وصناعة الحنة السودانى، قائلة: بعد أن توفى زوجى منذ عدة سنوات أصبحت مسئولة عن تربية أبنائى وعددهم 10 أبناء 9 أولاد وبنت واحدة، فلم أجد سبيلاً بعد أن وجدت ركودًا فى عملى كبائعة أوانى منزلية فى بلدتى بالسودان سوى التفكير فى تصنيع وترويج مستحضرات التجميل السودانى وترويجها بمحافظة أسوان، ولم أتردد لحظة واحدة وبالفعل جئت إلى هنا.

 

وتروى الحاجة رقية قائلة: تزوجت وعمرى 18 عامًا أنجبت 10 أبناء من زوجى رحمه الله، ولم أجد مصدر دخل لأبنائى بعد وفاة والدهم الذى كان يعمل بائع براميل، لذلك عملت فى بداية الأمر برسم الحنة وبيع الأدوات المنزلية لكن ضغوط الحياة أجبرتنى على ترك أولادى والسفر إلى هنا لرسم الحنة وبيع البخور السودانى وتجهيز العرائس، وإقامة حفلات الحنة ذات الطابع الهندى والسودانى.

 

وتابعت قائلة: "أستيقظ كل صباح برفقة بضاعتى وأقوم بوضعها وانتظر الزبائن بشغف، وبعد انتهاء كل شهر أجمع ما تحصلت عليه من عمل 30 يوما وأرسله إلى أبنائى فى السودان، حتى يتمكنوا من العيش بحياة كريمة"، مشيرة: "الحمد لله تمكن من تعليم أبنائى وجميعهم بالمراحل التعليمية المختلفة، وأصغر أبنائى ما زال بالصف الابتدائى".

 

وأكدت "رقية"، قائلة: مهما طال الغريب مسيره يرجع لأهله، لافتة: "بحاول أجمع فلوس على قد ما أقدر عشان أرجع لبلدى تانى وأستقر معاهم وأشترى عربية وأعيش على دخلها من غير تعب، طول عمرى نفسى يكون ليا دخل ثابت وده هدفى اللى أتغربت عشانه".

 

وعن صناعة الحنة السودانى، قالت الحاجة رقية: الحنة السودانى مطلوبة هنا جدًا وأتميز بتجهيز العروس بالدلكة وهى عبارة عن عطر يتم صنعه من البخور والمسك ليعطى العروس رائحة مميز ليلة زفافها، فضلاً عن صناعة التوب السودانى الذى هو أهم ما يميز الحنة السودانى، لافتة أن شهرة الحنة السودانى تجاوزت حدود أسوان وذاع صيتها بالقاهرة والقرى الريفية أيضًا.

 

"مكة": أعاون أمى برسم الحنة للمارة لنوفر علاج والدى المريض ومصاريف أشقائى

 

وسط ضجيج الشارع وحركة السيارات، تجدها ترتدى الزى السودانى المميز تصدر منها رائحة من خليط من العطور القوية، تجلس بابتسامة بسيطة ترسم الحنة للمارة بين حين وآخر بمهارة فائقة.. إنها "مكة" إحدى الفتيات المغتربات جاءت من السودان تعاون والداتها فى عملها لتربية شقيقاتها الصغار.

 

تروى "مكة"، التى تبلغ من العمر 19 عامًا، قائلة: "لسة مخلصة ثانوى وكان المفروض أدخل الجامعة بس قررت تأجيل الالتحاق عشان أساعد أمى فى عملها وإن شاء الله أدخل السنة الجاية"، لافتة "أمى تبيع الحنة والبخور وأنا أجلس بجوارها أرسم الحنة للسيدات وأحيانا نذهب لتجهيز العروس".

 

وأضافت "مكة": "أمى جاءت للعمل بأسوان منذ 6 سنوات بعد إصابة والدى بمرض السكر الذى أفقده القدرة على المشى، تتركنا بالشهور وتأتى إلينا كل عام مرة واحدة حتى تتمكن من تدبير مصاريف أشقائى كل شهر، لذا قررت أعاونها هذا العام وأعمل معها حتى تتمكن من تحقيق حلمها".

 

واستطردت قائلة: "حلم أمى هو العودة إلى بلدنا والاستقرار هناك لكنها تعمل طوال النهار حتى تتمكن من شراء بيت ملكًا لنا، لأننا لا نملك منزلاً خاصًا بنا"، لافتة: "أمى تعمل منذ سنوات.. كانت تعمل طباخة وتبيع المنتجات العطرية لكن الأعباء زادت عليها لذلك لم تجد سوى الغربة طريقًا لها".

 

واختتمت "مكة" حديثها قائلة: نفسى أشتغل وأريحها وأتحمل مسئولية أخواتى ووالدى المريض، نفسى نرجع بلدنا ونبطل غربة".

 

"أمانى": أتحمل الغربة فى سبيل تعليم أبنائى.. ورسم الحنة أكل عيشى

 

رضخت لرغبة أسرتها بالزواج من رجل يكبرها بنحو 30 عامًا، ووافقت على الزواج منه رغم فارق التفكير بينهما، وبمرور السنوات وفى أول أزمة دقت بابها فضلت "أمانى" الوقوف بجوار زوجها ووافقت على الغربة من أجل الحفاظ على أسرتها الصغيرة وبحثًا عن مصدر رزق جيد لتربيتهم.

 

تروى"أمانى" قائلة: "زوجى كان يعمل فى دبى وكنت أعاونه وأعمل كوافيرة، وكانت حياتى الزوجية مستقرة للغاية أنجبت خلالها 5 أبناء، لكن سرعان ما تبدلت حياتى بعد أن ترك زوجى عمله لعدم قدرته على تجديد الإقامة، وعدت إلى السودان، لكننا لم نتمكن من الحصول على مصدر رزق نتولى منه تربية أبنائنا، لذلك قررنا الاستقرار بمحافظة أسوان والعمل هنا فى مجال المستحضرات السودانية".

 

واستطردت قائلة: "مجال المستحضرات التجميل ذات الطابع السودانى مميزة فى مصر ولها رواج كبير، لذلك نأتى أنا وزوجى كل صباح نضع بضاعتنا، فهو يبيع البخور والعطور، وأجلس بجواره لرسم الحنة للسيدات".

 

وأوضحت "أمانى": "مجال العمل فى أسوان مربح للغاية، وكل ما أحصل عليه من عملى أضعه فى تعليم أبنائى، فكل ما أحلم به هو أن أعطى فرصة لهم أن يتعلموا ويعملوا بمهن أفضل منى".

 

وعن حلمها أشارت قائلة: "أتمنى أن ألحق أبنائى الخمسة بجامعات أجنبية، ووقتها سأشعر أننى قمت برسالتى على أكمل وجه".

 الحاجة رقية مع محررة اليوم السابع
الحاجة رقية مع محررة اليوم السابع

 

 الحاجة رقية تبيع المنتجات السودانية
الحاجة رقية تبيع المنتجات السودانية

 

الحاجة رقية تصنع الضفائر السودانية
الحاجة رقية تصنع الضفائر السودانية

 

صانعة العطور "سامية" مع محررة اليوم السابع
صانعة العطور "سامية" مع محررة اليوم السابع

 

 راسمة الحنة "مكة" مع محررة اليوم السابع
راسمة الحنة "مكة" مع محررة اليوم السابع

 

"امانى" تروى قصة كفاحها مع محررة اليوم السابع
"امانى" تروى قصة كفاحها مع محررة اليوم السابع

 

 جانب من المستحضرات السودانية بمحافظة اسوان
جانب من المستحضرات السودانية بمحافظة اسوان

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة