خالد عزب يكتب: دينى ودين الناس كتاب مثير للجدل

السبت، 21 أكتوبر 2017 03:00 ص
خالد عزب يكتب: دينى ودين الناس كتاب مثير للجدل غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

صدر عن العربى للنشر والتوزيع كتاب للدكتورة هبة شريف، وهى متخصصة فى الأدب المقارن بجامعة القاهرة، الباحثة فى صفحات الكتاب تربط بين الواقع المعاش والمسلسلات والأفلام والرؤى الفلسفية والاجتماعية لتقدم لرؤيتها عن الدين فى حياة المصريين.

ترى هبة شريف أن كتابها فى النقد الثقافى، وفى حقيقة الأمر هو يندرج تحت علم الاجتماع الدينى الذى لا يزال الباحثون المصريون بعيدين عنه إلى حد ما، الكتاب يركز على تعامل المصريين مع الدين مع الربط برؤى فلاسفة ومفكرين وعلماء اجتماع بصورة جيدة، وجاء الكتاب ليمزج بين الرؤى الشخصية والتحليلية ورؤى الآخرين للموضوع.

والكتاب تذهب صفحاته لمعالجة دور الدين فى حياة المصريين وتحوله من حالة ثورية إلى حالة استسلام بالقضاء والقدر والمكتوب، واهتم بإبراز كيف تعمل السلطة الحاكمة على فرض حالة من التدين من خلال تعبيرات ثقافية فى البرامج التليفزيونية والصحف والكتب والأفلام والمسلسلات.

وهنا تلتقط المؤلفة خيطا مهما ربما كان فارقا فى كتابها، وهو إجابتها عن سؤال: لماذا قاوم المسلمون الحداثة، وهى ترى أن هذه المقاومة لا تعنى العداء لقيمها الإيجابية، لكن تعنى مقاومة النظام الاقتصادى والسياسى المجحف الذى تفرضه الدول الحديثة على البلاد الأخرى، فلا يحتاج الإنسان إلى أن تكون خلفيته إسلامية ليعرف أن الدول الحديثة تسعى وراء فرض هيمنة اقتصادية وسياسية ليست فى صالح المجتمعات الأضعف.

وتضرب الكاتبة مثلا بالتيارات المختلفة غير الإسلامية التى اجتمعت فى الثورة الإيرانية قبل إعلان حكم الملالى فى إيران كانت كلها تنظر لقوى العولمة الاقتصادية باعتبارها تهديداً أكثر من كونها فرصة، وعندما أسقط الثوار النظام الملكى البهلوى القديم فى فبراير 1979 ارتفع سقف الآمال بأنه يتم أخيراً وضع حد للتدخل الأجنبى غير المرغوب فيه فى الاقتصاد الإيرانى، وقد كانت معارضة نظام بهلوى تمضى يداً فى يد مع توجيه نقد جرىء  وواضح لعلاقة التبعية الاقتصادية الإيرانية للرأسمالية الغربية، بل إن النظام السياسى بعد الثورة الإيرانية اعتمد التخلص من التبعية الاقتصادية للغرب كجزء أصيل من الهوية الإيرانية لدرجة أن الدستور الإيرانى احتوى على صياغة لهذا المطلب، حتى لو كانت إيران فيما بعد اضطرت إلى التعامل مع الدول الغربية لاستيراد حاجاتها، إلا أن الرغبة الأصيلة فى التخلص من التبعية للغرب كانت محركاً أساسياً فى الثورة الإيرانية.

ويرى الكتاب أن الإسلاميين ليسوا وحدهم المناهضين للتبعية للدول الغربية، فى إيران، فكثير من المثقفين والمفكرين اليساريين والماركسيين المنشقين عن نظام "رضا بهلوى" كانوا يساوون بين الغرب والإمبريالية والاستعمار، لكن الإسلاميين ربطوا بين الحرب على الرأسمالية الغربية وبين التعبير الإسلامى "نصرة المستضعفين"، بحيث فسروا المستضعفين بأنهم أولئك الذين تطحنهم الرأسمالية الغربية بعنف عندما تحاول استغلال ثروات الشعوب الأخرى وعندما تحاول فتح أسواق جديدة لها خارج حدودها.

وتعتقد هبة شريف فى جرأة أن التحالف بين الدين والسلطة الحاكمة فى منطقتنا العربية سوف يستمر فترة من الزمن، وأعتقد أيضاً أن الخطاب الدينى المتجدد يبحث عنه الناس وحدهم، دون الاعتماد كثيراً على المؤسسات الرسمية، وهناك بالفعل جزء كبير من المصريين يعتمدون على فهمهم الفطرى الخاص للدين ولا يتبع المؤسسة الدينية الرسمية أو الخطاب المتطرف للأصوليين المتشددين، يحاول الكثيرون البحث بدأب واجتهاد عن كتابات مجددة فى الدين تعود بهم لأصله الذى لم يشوهه علماء وشيوخ يطوعونه لأغراضهم أو أغراض آخرين.

ويرى الكتاب أن همّ الناس الأساسى هو العثور على من يقدم ويشرح لهم دينهم فى تفاعله مع واقعهم المعاصر بلا تطرف وبلا نفاق أيضاً، وقد يقول قائل إن المشهد الثقافى ملىء بباحثين عظماء تصدوا للبحث فى الفقه والفلسفة الدينية وتمتلئ المكتبات الجامعية بكتب وأبحاث أكاديمية عديدة مختصة بهذا الشأن، إلا أن الناس لا تريد تلك الكتابات الأكاديمية ولا المتخصصة، إنها تبحث عن كتابات عامة لا تغوص فى التفاصيل الدقيقة للشرع والفقه والفلسفة، فالدين ليس شأناً أكاديمياً ولا خاصاً بالفقهاء، أو الفلاسفة، بل هو شأن كل الناس ذو علاقة أكيدة وقوية بحياتهم اليومية، لهذا فلا عجب أن تلاقى كتب كاتب مثل "عبد الرزاق الجبران" إقبالاً جماهيرياً غير عادي.

و"عبد الرزاق الجبران" مفكر عراقى صاحب مشروع "الوجودية الإسلامية" يناصب المؤسسات الدينية الرسمية والأوساط الفقهية التقليدية العداء الصريح، وقد لاقت كتبه إقبالاً كبيراً خاصة فى أوساط الشباب الذين يبحثون عن دين يعد بالحرية والحق والعدل، أى تلك القيم التى وعد الدين بها، ولكنها ما زالت غائبة عن حياتهم رغم تمسكهم بدينهم.

وهنا ننتقل مع هبة شريف إلى شهادتها حول التعليم الدينى فى المدارس المصرية فتذكر أنها كانت تضرب أخماساً فى أسداس فى حصة الدين فى المدرسة، وكانت مدرِّسة الدين تبذل كل جهدها لترد على أسئلة البنات التى لا قبل لها بها، وأشهد أن المدرِّسة وقتها لم يحدث أن نهرت طالبة على سؤال قد يكفرها عليه أحد الشيوخ الكبار والدعاة الشيك فى هذا الزمان، وكان من بين الأسئلة سؤال لم تستطع المدرسة أن ترد عليه، حول الأوثان وعبادة قريش للأصنام، مفاده: كيف يعبد الناس ما لا يضر ولا ينفع، وكيف – وقريش وسادتها من الأذكياء وعلية القوم- غير قادرين على التفكير المنطقى؟ فكيف يكفرون بهذه الفكرة المنطقية البسيطة التى جاء بها النبى "محمد" وهى أن آمنوا بالله الذى خلق كل شيء فى حين أن الأصنام لا تستطيع حتى تحريك نفسها من مكان لمكان، فكيف تخلق كوناً وبشراً وحيوانات وجبالاً وسماوات وبحاراً؟ لم تستطع المدرسة الإجابة إلا بجملة "فأغشيناهم فهم لا يبصرون" أى أن الله طبع على قلوب هؤلاء الناس فلم يؤمنوا، ولكن لم يكن هذا كافياً بالنسبة لى: أن الله طبع على قلوب الناس فلم يروا الحقيقة الواضحة العقلانية، فلابد أن هناك ما يحرك هؤلاء الناس ضد الإيمان بهذه الفكرة التوحيدية المنطقية جداً، ولم تشرح لنا المدرسة أن الإسلام كان ثورة اجتماعية حقيقية فى الجزيرة العربية، لأنه جاء بغرض مساواة الناس جميعاً، فطبقاً لتعاليم الإسلام فالناس سواسية كأسنان المشط، ولا فرق بين السادة والعبيد، ولا بين الرجال والنساء، ولا بين الأعجمى والعربى إلا بالتقوى، وقد فرض الإسلام على العبد والمرأة ما فرضه على السيد والرجل. الصلاة واحدة للعبد والمرأة والسيد، الصوم واحد للعبد والمرأة والسيد، والتقوى هى أساس الفرق بين الناس وليس المال ولا الجاه ولا السطوة ولا الثروة ولا الجنس. ما كانت قريش وسادتها يحاربونه لم يكن الإيمان بوجود إله، فهم كانوا مؤمنين بوجود الله بكلام القرآن نفسه. فالآية القرآنية تقول: "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله" (سورة العنكبوت، الآية 61).

وتستشهد هبة شريف بما يؤكده طه حسين فى كتابه "الفتنة الكبرى" أن قريشاً ما كانت لتسخط على النبى إلا لأنه جاء بهذه الثورة السياسية والاجتماعية ودعا إلى المساواة وهدد النظام الاقتصادى والاجتماعى القائم. ولو كان النبى قد جاء برسالة التوحيد دون المناداة بالمساواة والعدل ما  كانت قريش قد حاربته. قريش لم تكن حريصة على عبادة الأوثان إلا لأنها وسيلة تحارب بها النبى وليست غاية. لم يكن سادة قريش حريصين على آلهتهم، كما كانوا يلقوننا فى كتب الدين، ولكنهم كانوا حريصين على سطوتهم وعلى النظام الاجتماعى المميز لهم. سادة قريش كانوا يعملون على استمرار قهر الضعيف وعلى زيادة الثروة للأغنياء، باقين على تمييز الرجل الحر عن النساء والعبيد. وبهذا لم تكن أزمة "أبى لهب" مع النبى أنه سيهدم اللات والعُزّى، كما كنا نقرأ فى كتب التربية الدينية، ولكن لأنه سيساويه مع العبيد، وينادى بنظام اجتماعى يجعل فى ثروة الأغنياء حقاً معلوماً للفقراء. بل إن القرآن ذهب خطوة أبعد من ذلك، فأكد أن أموال الناس ليست أموالهم، ولكنها أموال الله استخلف الناس عليها.

وبعد مرور سنوات عديدة، تذكر هبة شريف أنها فهمت لماذا لا تذكر كتب الدين التابعة لوزارة التربية والتعليم أن الإسلام ثورة اجتماعية فى المقام الأول، وأن الحكاية ليست قبيلة تعبد أصناماً فى مقابل أناس عقلاء يعبدون الله. فإذا أكدت مناهج التربية الدينية أن الإسلام ثورة اجتماعية، فسوف يجر هذا كله وبالاً عظيماً على سادة مصر، وسيقارن الطلبة بين ظلم سادة قريش وظلم سادة مصر. فأى ذكر لكلمة ثورة أو مساواة أو عدل فى سياق منهج التربية الدينية كفيل بأن يفتح أعين التلاميذ على ظلم واقعهم البين. وسيدرك الناس أنه ما زال هناك عبيد وسادة. ومازال استغلال الفقراء والضعفاء والمرأة منتشراً بقوة وبحكم العادات والتقاليد والتفسير الدينى أيضاً. سيكبر التلاميذ وهم مدركون أن المجتمع لا تُطبق فيه القيم الإسلامية التى أنزلها الوحي، بل إن هذه القيم قد أصابها التغيير والتشويه المتعمد.

الباحثة غاب عنها دراسة تيار الصوفية الجديد، هذا التيار الذى له جناحان حاليا فى مصر، جناح يمارس الصوفية من تجديد من داخلها يبعدها عن الشعوذة والأطر التقليدية التى عرفت بها ويمثله الدكتور محمد مهنا، وجناح آخر يقوده الدكتور عامر النجار يمثل السمو النفسى للتصوف والذى بلوره فى نظرية صدرت فى كتاب عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان "التصوف النفسى".







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة