خالد عزب يكتب: العرب وليس الفرس هم من قادوا الثورة العباسية

الأحد، 08 أكتوبر 2017 08:00 ص
خالد عزب يكتب: العرب وليس الفرس هم من قادوا الثورة العباسية غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استقر فى أذهان الكثيرين من المؤرخين، بعدم فهم من المستشرقين واتباع دون تمحيص من المؤرخين العرب، أن الدولة العباسية قامت على أكتاف الموالى من الفرس من أهل خرسان، لكن كتابا جديدا صدر عن دار الشروق فى الأردن للمؤرخ العراقى البارز الدكتور فاروق عمر فوزى من مجلدين، يعيد فيه كتابة تاريخ الدولة العباسية من جديد، نرى فيه تحليلا تجديدا مبرهن عليه من المصادر التاريخية، كاشفا عن نظرة جديدة تشير إلى أن الدعوة التى نظمها العباسيون كانت موجهة إلى عرب خراسان المقاتلة منهم والمستقرين على السواء. فقد كان هناك دعاة فى قرى مرو، حيث استقرت القبائل العربية وفى كل مدينة فيها حامية أو رابطة عربية، لقد أدرك الدعاة بأن العرب مصدر السلطة والقوة الضاربة فى خراسان. ومن أجل الانتصار على الأمويين كان يتحتم على الدعاة كسب العرب أولاً إلى الدعوة. ولم يفضل الدعاة فى بداية الدعوة قبيلة عربية على أخرى بالرغم من أنهم حصلوا على تعضيد اليمانية أكثر من المضرية إلا أنهم كانوا يرحبون بالمضريين الذين يرغبون فى الانضمام للدعوة، وقد انضم بعض الموالى إلى الدعوة إلا أن دورهم لا يمكن مقارنته بدور القبائل العربية من أهل خراسان.
 
ويرى المؤلف إن ظروف خراسان من حيث قبائلها وعلاقتهم ببعضهم وبالسكان المحليين والخلافة الأموية فى دمشق لعبت دوراً فى إيجاد الجو المناسب للثورة. فالعرب الذين استوطنوا قرى مرو كانت لهم أسباب للتذمر ترجع إلى حرمانهم من الامتيازات التى يتمتع بها المقاتلة من العرب، كما أنهم شاركوا الموالى فى استيائهم من سطوة الدهاقين ونفوذهم. على أن دكتور فاروق عمر يلاحظ من جهة أخرى أن المقاتلة العرب كانت لديهم أسباب للتذمر أيضا تتلخص في: 
 
1- سياسة التجمير وهى إبقاء المقاتلة فى الثغور وعلى خطوط المواجهة شتاءً فى الوقت الذى يرغب المقاتلة فى قضاء الشتاء مع عوائلهم.
2- كان الوالى يسلبهم حصتهم من الفئ والغنيمة أحياناً أو يأخذ أكثر من حقه منها أحياناً أخرى.
3- سئمت القبائل من النزاع المستمر بين الشيوخ والرؤساء الطموحين للوصول إلى السلطة حيث خلق هذا بين قبائل خراسان نوعا من القلق لدى اليمنى والربعى والمضرى الذين وجدوا فى الدعوة العباسية أملا جديدا لحياة أكثر استقرارا ويسراً.
 
ازدادت ثورات المدن السورية ضد حكم مروان الثانى واشتدت مؤامرات الأمراء الأمويين ضد سلطته كل ذلك فت من عضد الدولة وفسح المجال للدعوات السرية بالعمل الفعال من أجل إسقاطها. فقد نشطت المنظمة السرية الهاشمية بقيادة أبى هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية الذى أوصى بالإمامة من بعده إلى محمد بن على بن عبد الله بن العباس وبهذا تحولت المنظمة إلى عباسية صرفة وضاعفت من فعاليتها فى خراسان حيث أعلنت الثورة سنة 129ه سنة 747م.
أن الدعوة العباسية كانت لها واجهات عديدة حيث أنها حاولت جذب عناصر مختلفة تحت شعارات براقة متباينة وهذا فى الحقيقة سر نجاحها- والذى يهم هو الواجهة السياسية للدعوة الذى برز فيه دور العرب من أهل خراسان فى هذه الحركة.
 
تتفق أغلب الروايات التاريخية على أن خراسان فتحت أيام الخليفة عثمان بن عفان رضى الله عنه. وعلى يد القائد عبد الله بن عامر بين سنة 29ه/ 649م- 649م- 35ه/ 655م ولقد عقد مرزبان مرو معاهدة مع المسلمين ترك للدهاقين بموجبها تقدير الضرائب وجبايتها واشترطت المعاهدة كذلك على الإيرانيين أن يفسحوا المجال لاستيطان العرب فى قراهم ولهذا الإجراء أهمية لأنه كان الأساس الذى بنيت عليه علاقات العرب المسلمين بالسكان المحليين.
 
ولم تكن السنوات التى تلت الفتح الإسلامى لخراسان سنوات سهلة ولا هى فترة استقرار فى تاريخ خراسان خاصة، وإن الأوضاع السياسية فى قلب الدولة الإسلامية كانت على غير ما يرام. على أن انتهاء الحرب الأهلية وتولى معاوية سنة 41ه/ 661م الخلافة ساعد السلطة المركزية بأن توجه انتباهها إلى خراسان. وقد قرر الأمويون إنشاء قواعد ثابتة للمقاتلة بمرو سنة 45ه/ 655م. وتتابعت عملية الاستيطان بتتابع الهجرات القبلية من الكوفة والبصرة. وبمرور الزمن أخذت بعض القبائل العربية تفضل الاستقرار والاشتغال بمهن مدنية كالتجارة والزراعة بدلا من الاقتصار على العمل فى الجيش. إن هذا الاتجاه نحو الاستقرار أوجد عوامل جديدة فى الموقف السياسى والعسكرى واضطر الخليفة الأموى هشام بن عبد الملك (سنة 105/ 724- سنة 125/ 743) إلى أن يأمر أمير خراسان بأن يحذف أسماء المقاتلة العرب الذين يرفضون الاشتراك فى الحملات العسكرية فى بلاد ما وراء النهر وتركستان ويحرمهم من العطاء.
 
ومقابل ذلك أرسل هشام مقاتلة جدداً ممن يرغبون فى القتال، وهكذا فإن الخليفة هشاما يعترف ضمناً بأن عملية الاستيطان والاندماج بين العرب المسلمين والسكان المحليين قد بدأت فعلا وبدأ العرب يألفون الحياة المدنية والاشتغال بالمهن ولا يمكن للسلطة الأموية معارضة الاتجاه الجديد بالقوة. وهذا يدل بطبيعة الحال على أن العرب المسلمين قد انقسموا إلى كتلتين (أ) المقاتلة (ب) المستقرين المستوطنين. كما أن إرسال دفعات جديدة من العرب إلى خراسان أدى إلى حدوث شقاق وتصادم بين القادمين الجدد والعرب القدماء (الفاتحين).
 
اتخذت عملية الاستيطان أشكالاً مختلفة ولكن المعلومات بين طيات كتب التاريخ والتراجم، والكتب الجغرافية الإسلامية لا تعطينا فكرة متكاملة عنها. والظاهر أن العرب من أهل الخراسان استقروا فى مرو والقرى المحيطة بها. واستوطن العرب القرى المحيطة ببلخ كما استوطن قسم منها مدنا أخرى فى بلاد ما وراء النهر بصورة مؤقتة أو دائمة. وعدا هذا وذاك فقد كان للعرب (مسالح) وهى مراكز عسكرية وقتية تتبدل مواضعها بتبدل خطة القواد العسكرية ولذلك فقد كان استقرار الجند فيها وقتيا.
 
لقد انتشر الدعاة العباسيون فى مواطن استقرار العرب فى خراسان حيث نقل إليها الإمام محمد بن على العباسى الدعوة وأمر دعاته بأن تكون الدعوة للرضا من آل ممد صلى الله عليه وسلم وأن يثقوا باليمانية ويتألفوا ربيعة ويتوقوا من مضر ويقبلوا منهم الثقاة.
 
وليس من السهل التعرف على الدوافع التى دفعت الإمام محمد إلى اختيار خراسان ولكن يمكن القول بأنها كانت موطن المقاتلة العرب الذين عركتهم الحرب الطويلة مع تركستان وفى السند والذين عبروا مرارا عن تذمرهم من سياسة الأمويين المالية والعسكرية والمعلوم أن خلفاء بنى أمية منذ زمن عبد الملك بن مروان (685م- 705م) ادركوا القلق وعدم الاستقرار السائد هناك يذكر كتاب أخبار العباس عن أهمية الخراسانية فيقول: ((فى خراسان جمجمة العرب وفرسانها)). وقد نظم الدعاة الأوائل الدعوة تنظيما سريا محكما فكان هناك النقباء يرأسهم سليمان بن كثير الخزاعى شيخ النقباء والقائم بأمر خراسان.
 
أما النقباء فهم اثنا عشر نقيبا:
من خزاعة: سليمان بن كثير الخزاعي، مالك بن الهيثم الخزاعي، زياد بن صالح الخزاعي، طلحة بن رزيق الخزاعي.
من تميم: موسى بن كعب التميمي، عيسى بن كعب التميمي، لاهز بن قريظة التميمي، القاسم بن مجاشع التميمي.
من طيئ: قحطبة بن شبيب الطائي.
من شيبان: خالد بن إبراهيم الذهلى الشيباني.
من بجيلة: أسلم بن سلام البجلي.
من حنيفة: مولى بنى حنيفة شبل بن طهمان.
لاحظ فاروق عمر أن الأكثرية منهم كانوا عرباً. وكان هناك (نظراء النقباء) و70 داعية، كما كان هناك عدد من الدعاة المسؤولين عن تنظيم الدعوة خارج منطقة مرو.
 
وينبه فاروق عمر هنا أنه لابد من الانتباه إلى أن بعض الشخصيات العربية تلقبت أو نسبت إلى المدن الفارسية التى عاشت فيها مثل جديع بن على الازدى (الكرماني) والفضل بن سليمان التميمى (الطوسي) وخازم بن خزيمة التميمى (المروزي) كما لقب عمر بن حفص المهلبى الأزدى والهيثم بن معاوية العتكى بلقب (هزار مرد) ولقد ظن بعض المؤرخين أن هؤلاء وغيرهم كانوا من الموالي.
وأكثر من ذلك فقد فسر بعض المستشرقين وتبعهم مؤرخون مسلمون فى ذلك أن الاصطلاح (أهل خراسان) يعنى السكان المحليين من الإيرانيين ولكن المؤرخين الرواد من المسلمين كالطبرى والبلاذرى اطلقوا عادة اصطلاح (أهل البصرة) و(أهل الكوفة) و(أهل الشام) لتدل على القبائل العربية التى سكنت هذه المدن بعد تمصيرها.
 
ثم أن مؤرخين آخرين فهموا من اصطلاح (سكان القرى) التى وردت فى بعض روايات الدينورى والطبرى أنهم سكان البلاد المحليين الذين يتعاطون الزراعة ويمتهنون بعض الحرف إلا أننا لاحظنا بأن العرب أنفسهم سكنوا القرى مع عوائلهم.
 
ولذلك فإن رواية الطبرى التى تقول (فوافاه... أهل ستين قرية) لا تعنى الموالى كما يظن المستشرق ولهاوزن، بل العرب. على الرغم من أن قسما من اتباع الدعوة كانوا دون شك من الموالي.
 
كما استغل الدعاة العباسيون فكرة التنبؤات والملاحم الشعبية المنتشرة بين الناس فأشاعوا أحاديث تقول بأن الخلافة كائنة فى أحفاد العباس عم الرسول صلى الله عليه وسلم وأنها ستبقى فى أيديهم إلى يوم القيامة وادعوا بأن هناك علامات مخبرات عن ظهور ابن الحارثية صاحب الرايات السود التى ستظهر فى المشرق وانها منتصرة لا محالة. ولما توفى محمد بن على العباسى سنة 125ه/ 742م تسلم إبراهيم الإمام القيادة وبدأ وجه جديد فعال للدعوة. وحيث ساءت الحالة فى خراسان وانقسم العرب فيها إلى كتلتين رئيستين يقود أحداهما نصر بن سيار والى خراسان، ويقود الثانية جديع بن على الأزدى الكرمانى أدرك الدعاة العباسيون بأن ظروف الثورة قد اختمرت وأن الوقت قد حان لإعلانها فطلب سليمان الخزاعى من الإمام أن يرسل من يمثله فى خراسان فرفض، والظاهر أنه كان يرغب فى أن تقوم شخصية هاشمية أو عباسية بتمثيل الإمام خراسان وبعد أن فشل إبراهيم الإمام فى إقناع عدد من الرجال قرر اختيار مولاه أبا مسلم الخراسانى لينوب عنه.
 
إن شخصية أبى مسلم ودوره فى الحركة العباسية قد أصبحت أسطورة نسجت كما يقر فاروق عمر فوزى حولها الروايات المختلفة. وقد بالغت بعض روايات الطبرى والدينورى وحمزة الأصفهانى بدور أبى مسلم وأظهرته بمظهر المحرك للسياسة العباسية. وأكثر من هذا فقد اتخذته العناصر المتذمرة فى بلاد فارس رمزاً لثورتها معتبرة إياه منقذاً منتظراً وخاصة بعد قتله من قبل المنصور سنة 137ه/ 745م ليحقق لها آمالها بأن ((يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً)). والواقع أن النصوص التاريخية فى أخبار العباس وتاريخ الموصل وتاريخ الطبرى تشير إلى أن المسؤولية كانت مشتركة بين النقباء الاثنى عشر ويساعده فى ذلك الدعاة، وأن سليمان الخزاعى نقيب النقباء كان وراء كل عمل قام به أبو مسلم. كما أن سليمان الخزاعى كان المتكلم باسم الدعوة والمفاوض باسمها مع شيوخ القبائل ووالى خراسان نصر بن سيار. وكان سليمان الخزاعى هو الذى يؤم الناس فى الصلاة.
 
 






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة