ذهب أحمد عرابى إلى محمد شريف باشا لتهنئته بتكليف الخديوى توفيق له بتشكيل الحكومة الجديدة، وطلب منه أن يختار فى حكومته هؤلاء الذين يؤازرونه فى سرعة تأليف مجلس نواب ونشر الحرية فى البلاد، حسبما ذكر عرابى فى مذكراته (هيئة قصور الثقافة - القاهرة)الذى يضيف، أنه نصح «شريف باشا» بأن يعين معه محمود سامى البارودى باشا، ناظرا للجهادية (الحربية)، ومصطفى باشا فهمى ناظرًا للخارجية «لميلهما إلى العدل والحرية».
لم يقبل «شريف باشا» نصيحة «عرابى» وكان ذلك يوم 10 سبتمبر 1881، وكانت حجته حسب مذكرات عرابى، أن «البارودى» و«فهمى» أخلا بالعهد الذى قطعته وزارته بأن تستقيل فى حال رفض الخديوى اقتراحها بتأليف مجلس نواب، وألا يشارك أحد منها فى الحكومة الجديدة، ولما رفض الخديوى اقتراح الحكومة استقالت، غير أن البارودى وفهمى قبلا الدخول فى الوزارة الجديدة بقيادة رياض باشا، أى أنهما أخلا بوعدهما.
فى سيرة «محمد شريف باشا» الذى توفى فى مثل هذا اليوم «20 إبريل 1887»، سنجد هذا الموقف الذى يرويه «عرابى» ويظهر منه أننا أمام رجل كان يسعى إلى إقامة حياة ديمقراطية فى مصر بمقاييس عصره، وأنه استمر فى طريقه هذا حتى قيامه بإعداد دستور 1882، وكان يسمى فى اصطلاح ذلك العصر «اللائحة الأساسية» أو «القانون الأساسى».
ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «الزعيم الثائر أحمد عرابى» (دار ومطابع الشعب- القاهرة )، أن «دستور 1882» اشتمل على «أحدث المبادئ العصرية»، وتم عرضه على مجلس النواب فى 2 يناير 1882، وطالبت إنجلترا وفرنسا فى يوم 26 يناير ألا يخول هذا الدستور مجلس النواب حق تقرير الميزانية، ورأى شريف باشا ألا يبت المجلس فى الأمر بقرار نهائى فيها حتى لا يتم التدخل عسكريا، وهو ما رفضه العرابيون، فاستقال شريف، وكلف الخديوى محمود سامى البارودى بحكومة جديدة أصدرت الدستور، ولأن شريف باشا هو من قام بإعداده قبل إصداره، فإنه يحوز تاريخيا على لقب «أبوالدستور المصرى».
هو ابن أحمد شريف باشا، التركى الأصل، والمولود يوم 28 نوفمبر 1826 فى «إسطنبول» بتركيا وفى رواية أخرى أنه ولد بالقاهرة، وكان والده شيخا للإسلام فى «الآستانة» فى عهد السلطان العثمانى محمود، وعمل قاضى قضاة فى مصر إبان حكم محمد على، وبعد انتهاء عمله فى مصر عادت أسرته إلى إسطنبول، وتم تعيين والده قاضيا للحجاز، فمر بمصر ومكث فيها بعض الوقت فى طريقه إلى مقر عمله الجديد، فأعجب محمد على بنجله، وأقنع الوالد بتركه تحت رعايته، وفى رواية أخرى، أن محمد شريف جاء للدراسة بالأزهر، ونزل برواق الأتراك، وعندما سافر محمد على إلى الآستانة تقابل مع شيخ الإسلام فيها «أحمد شريف» فأوصاه بابنه، فلما عاد محمد على لمصر أرسل فى طلب الابن، وأشرف على تعليمه.
تعطى لنا هذه الإطلالة لمحات مهمة عن تربية «محمد شريف باشا»، وفيها صورة اجتماعية تشير إلى أننا أمام رجل هو من «أرستقراط» هذا العصر (القرن التاسع عشر)، وسياسيًّا هو من نخبته التى ساهمت فى صنع الأوضاع فى مصر فى زمن شهد بناء محمد على للدولة المصرية، ثم المراحل التى تلته فى ظل حكم عباس وسعيد وإسماعيل وتوفيق، غير أن ما قدمه مازال موضع خلاف حين يتم تقييم دوره التاريخى، فحسب «الرافعى» هو من المعسكر الوطنى، مستندًا فى ذلك على دوره فى إصدار الدستور، ويرى ميزة أخرى فيه وهى حسب قوله نصا: «كان شريف باشا يشعر حيال العرابيين بشىء من الاستقلال والكرامة»، أما صلاح عيسى ففى كتابه «الثورة العرابية» (مكتبة الأسرة - القاهرة) فيذكر أنه قبل تكليف الخديوى بتشكيل حكومة جديدة فى 24 أغسطس 1882، ورحى الحرب دائرة فى البلاد بين الجيش الإنجليزى الغازى وبين الجيش المصرى، والخديوى الذى كلفه بتشكيل الوزارة أعلن انضمامه لقوات الغزو، وأعطاها تفويضا لتقويض الثورة، ويستخلص «عيسى» من ذلك: «إن تأييد شريف لسلطة الخديوى فى هذا الظرف الغريب، لا يمكن اعتباره إلا خيانة مباشرة، ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن يوضع شريف باشا فى المعسكر الوطنى مهما كان الدور الذى لعبه فى إصدار الدستور، وهو الدور الذى يكن له الأستاذ الرافعى بسببه احتراما كبيرا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة