علا الشافعى تكتب: مقص نجيب محفوظ وسكاكين الرجعية.. عندما جلس أديب نوبل على كرسى الرقيب لم يرفض عملا فنيا واحدا.. وواجه المختلفين معه بكل تحضر منتصرا للحرية.. وخاض معركة شرسة مع صلاح نصر بسبب "الكرنك"

الجمعة، 02 ديسمبر 2016 10:00 ص
علا الشافعى تكتب: مقص نجيب محفوظ وسكاكين الرجعية.. عندما جلس أديب نوبل على كرسى الرقيب لم يرفض عملا فنيا واحدا.. وواجه المختلفين معه بكل تحضر منتصرا للحرية.. وخاض معركة شرسة مع صلاح نصر بسبب "الكرنك" علا الشافعى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بعض منا لا يعلم الكثير عن الفترة التى تولى فيها الأديب الكبير نجيب محفوظ جهاز الرقابة.. نعم جلس محفوظ على كرسى الرقيب على المصنفات الفنية!. وهو ما قد يراه البعض تناقضًا، فكيف لمبدع بحجم الأديب العبقرى الذى يدافع عن حرية الإبداع ويكتب بجرأة محطما كل "تابوهات" الجنس والسياسية والدين، محاربًا المتطرفين الذين حاولوا اغتياله، أن يكون رقيبا، ولماذا قبل أصلًا أن يشغل هذا المنصب؟.. كيف لصاحب "الحرافيش" و"أولاد حارتنا" الذى عانى من المنع والمصادرة أن يمسك هو بمقص الرقيب.

المخرج عز الدين ذو الفقار
المخرج عز الدين ذو الفقار

يبدو من شهادة كل المعاصرين والمقربين من الأديب الكبير أنه عندما قبل هذا المنصب كان على يقين أنه سيبذل جهدًا مضاعفًا لحماية الإبداع ليس ذلك فقط، بل سيدافع بسلطة الرقيب عن حرية المبدع وهى المعادلة الصعبة والتى نجح فيها نجيب محفوظ خصوصًا وأنه كان يدرك أن الرقابة قدر ومصير محتوم فى مجتمعنا، وأنه لن يتم أبدًا التخلص من هذه السلطة.. لذلك فكر جديًا فى تغيير آليات التعامل، وأن عليه أن ينتصر للحرية ويقف ضد كل محاربيها، لأنه ببساطة كيف لمن تم مصادرة أعماله ومنعها من النشر أن يقف فى وجه الإبداع مثلما حدث وتم منع  روايته "المرايا" من النشر فى الأهرام بعد نكسة 67 ، وفى عهد الرئيس السادات منعت "الحب تحت المطر"، وهو أيضًا من عرف قيمة وأهمية أن ينصره ويسانده أحد ويدعم موقفه وإبداعه عندما أصر الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل على نشر "أولاد حارتنا" كاملة  فى الأهرام رغم اعتراض الشيوخ وتكفير محفوظ.

وهو ما جعل المبدعين يصفون فترة تولى محفوظ للرقابة فى عام 1959 "بالعصر الذهبى للسينما المصرية وهى فترة الستينات إذ قدمت أجمل أفلام السينما المصرية طوال عقد الستينات وهى ما نطلق عليه حاليا "درر" الإنتاج السينمائى فى تاريخ السينما العربية وليست المصرية فقط.. ليس ذلك فقط بل أنه كان شديد الحرص فى تلك الفترة ألا يقوم بأى تعاقدات على روايات أو مؤلفات جديدة له تحول للسينما، حتى لا يحدث تضارب مصالح.

وفى حوار للأديب الراحل مع الكاتب محمد سلماوى سبق نشره، تحدث نجيب عن فترة توليه الرقابة، جاء فيه: "كنت قد وضعت نظاما فى الرقابة وقت أن توليت إدارتها عام ‏1959،‏ بأن تشكل لجنة محايدة من المثقفين للنظر فى تظلمات أصحاب الأعمال التى ترفضها الرقابة، ‏ لكن هذه اللجنة لم تجتمع إلا مرة واحدة فى حالة عزالدين ذوالفقار،‏ لأنه لم يتم حظر أى فيلم أو مسرحية طوال وقت ولايتى للرقابة‏.

قلت‏:‏ وماذا تم فى حالة  فيلم عز الدين؟

قال‏:‏ أجازت اللجنة الفيلم وأوصت بحذف مشهد واحد فقط لرقصة رأت أنها خليعة، وليست فى صلب البناء الدرامى للفيلم،‏ لكن خلاف تلك الواقعة الواحدة لم تحذف الرقابة فى عهدى أى مشاهد من أى أعمال درامية‏.‏

قلت‏:‏ وماذا عن أعمالك أنت السينمائية فى ذلك الوقت؟

 قال‏:‏ لقد اتخذت قرارا بوقف تعاملاتى مع السينما طوال فترة رئاستى للرقابة‏ ، كانت هناك بعض التعاقدات السابقة وتلك لم أتدخل فيها،‏ لكنى رفضت أى تعاقدات جديدة إلى أن تركت الرقابة‏.‏

والمفارقة أن الأديب الكبير وطبقا للرواية هو من اتصل بالمخرج عز الدين ذو الفقار، ونبهه إلى موقف الرقابة، وأن عليه أن يقدم تظلما بسرعة، وقد كان، وأجاز الأديب الراحل الفيلم.

المرايا
المرايا

ومن المعارك الأكثر شراسة والتى خاضها محفوظ مع الرقابة حول واحدة من روايته الهامة والتى تحولت إلى فيلم سينمائى هى معركة محفوظ عندما عرض فيلم " الكرنك"  1975، ووصل الأمر إلى رفع صلاح نصر دعوى قضائية على الفيلم، يتهمه بتشويه سمعته، وكأنهم يتهمونه بالفساد والديكتاتورية ممثلاً فى شخصية خالد صفوان فى فيلم الكرنك، التى جسدها كمال الشناوى، وسارع نجيب محفوظ بتوكيل المحامى الكبير لبيب معوض فى القضية مطالباً إخراجه من الدعوى، متعللاً بأن كتب شخصيات الرواية دون تشخيص ودون ذكر لاسم "صلاح نصر"، وبعد عدة أسابيع فى أروقة المحاكم، رفضت دعوى صلاح نصر بعد أن قامت هيئة المحكمة بمشاهدة الفيلم فى قاعة مغلقة، ورأت أنه لا يوجد فى مشاهد الفيلم ما يشير بشكل حكمى إلى أن شخصية خالد صفوان فى الفيلم هى تجسيد لصلاح نصر.

فيلم الكرنك
فيلم الكرنك

إلا أنه وقبل وصول الفيلم إلى قاعات المحاكم كان قد مر، كعادة أفلام نجيب محفوظ، ببعض العثرات فى مبنى الرقابة، التى تخوفت من إجازة الفيلم لأنه لأول مرة يتم فتح ملف مراكز القوى فى تلك الفترة، والانفراد بالسلطة، وتمت إجازته بعد تدخل مباشر من الرئيس السادات، والتخفيف من مشهد اغتصاب رجال خالد صفوان لبطلة الفيلم سعاد حسنى.

أتصور أنه لو كان نجيب محفوظ حيًا يرزق بيننا الآن، وسمع ما قيل تحت قبة البرلمان من أن أعماله تحتوى مواد إباحية تستوجب معاقبته، لكان اتصل بمحاميه لبيب معوض أطال الله عمره، وطلب منه الاستعداد لمواجهة القضية، بكل احترام للقانون حتى لو كان ظالما، فكم كان الرجل ودودًا صابرًا فى مواجهة كل من جنوا عليه، سواءً باستخدام القانون، أو حتى من حاولوا اغتياله بسكين.

الحب تحت المطر
الحب تحت المطر

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة