"التحطيب" لعبة أصولها فرعونية.. المصرى القديم مارسها بورق البردى منعا لإصابة المبارزين فى المناسبات الدينية.. والصعايدة حولوها لرقصة بالعصا فى الأفراح.. واليونسكو تضمها لقائمة التراث

الخميس، 01 ديسمبر 2016 07:47 م
"التحطيب" لعبة أصولها فرعونية.. المصرى القديم مارسها بورق البردى منعا لإصابة المبارزين فى المناسبات الدينية.. والصعايدة حولوها لرقصة بالعصا فى الأفراح.. واليونسكو تضمها لقائمة التراث رقصة التحطيب
كتب أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

نجحت مصر فى تسجيل ملف "التحطيب" ضمن قائمة التراث غير المادى باليونسكو، وهو ما اعتبره الكاتب الصحفى حلمى النمنم نجاحا فى الحفاظ على التراث المصرى من التبديد، ولهذا نستعرض مفهوم لعبة التحطيب.

التحطيب فن من الفنون القتالية المصرية المستمدة من الأصول الفرعونية القديمة، التى يستخدم فيه العصى الخشبية فى المبارزة، وسجل المصريون القدماء لعبة التحطيب على جدران معابدهم، إضافة لتعليمها للجنود، وذلك بالأسلحة بدلا من العصى الخشبية، وكانت طقسا من الطقوس المنتظمة التى تؤدى فى المناسبات الدينية، ويتم استبدال العصى بلفافات البردى الكبير، حرصا على سلامة المتبارزين، لكن مفهوم اللعبة تغير فى العصر الحديث، إذ تحولت إلى رقصة، فأصبحت تقدم من خلال الأفراح داخل الريف المصرى والصعيد كنوع من أنواع التراث الشعبى، وترجع تسمية اللعبة بالتحطيب، نظرا لأنها كانت تلعب باستخدام الحطب أو العصى الغليظة الذى يطلق عليها الآن "شومة"، وهذه العصى ليست للعدوان لكن ترمز للتمسك بالنبل والشهامة.

وأصبحت رقصة التحطيب مرتبطة بالطقوس الاجتماعية عكس ما كانت عليه عند الفراعنة التى كانت متعلقة بالطقوس الدينية، وعلى الرغم من بساطة اللعبة إلا أنها أصبحت مصدر إلهام للعديد من الحضارات مثل الكيندو اليابانى والمبارزة القديمة التى انتشرت فى معظم الحضارات الغربية، التى تتشابه طقوسها وأخلاقياتها مع الجذور القديمة للتحطيب عند المصرى القديم.

كتاب "التحطيب فى الصعيد وتعليمه"

وفى هذا الصدد استعرض الدكتور حسام الدين محسب، أستاذ بالمعهد العالى للفنون الشعبية، فى كتابه "التحطيب فى الصعيد وتعليمه"، إذ قال إن لعبة التحطيب تعد إحدى الظواهر الشعبية فى الصعيد التى ترمز فى مجملها إلى القيمة نفسها، وهى البطل الشعبى ابن النيل فى مواجهة التحدى وتحقيق الانتصار ليس للذات بل للجماعة بأسرها، صحيح أن التحطيب لعبة بالأساس، لكنها انعكاس لمفاهيم المجتمع ورؤيته للكون، فكل جماعة من قرية أو مركز تأتى لتشجيع لاعبها وإعلان انتصاره باعتبارها الفئة التى تستحق هذا النصر، إنه صراع أبطال ممثلين لجماعات، وهنا الجوهر المشترك الذى يجعل لعبة التحطيب جزءاً جوهرياً من المجتمع لا يمكن فهمه بعيداً عن ظروف هذا المجتمع الحضارية التى تعيننا فى النهاية على فهم وتفسير عاداته وتقاليده وفنونه وآدابه.

ويؤكد الكاتب على أن الشكل الاحتفالى لرقصة التحطيب والذى يفرض طبيعة خاصة للفرجة والأداء والمضمون الدرامى، ليس فقط المعنى أو العبرة المأخوذة من اللعب، بل يبحث فى المفاهيم الدرامية المتحققة فى لعبة التحطيب أو رقصة التحطيب، فهناك مفاهيم مشابهة للصراع والتمثيل والإيهام، إلى آخره من مفاهيم الدراما، وهذا ما يجعلنا نكتشف الأصول الدرامية التى خرجت منها لعبة التحطيب.

وأضاف: وعند دراستى لرقصة أو لعبة التحطيب فى هذه المنطقة وجدت بعض الاختلافات والتباينات التى طرأت على التحطيب من محافظة إلى أخرى، بل داخل المحافظة، وليس هذا طبيعة كل ما هو مأثور، وما الفرق بين التراث والمأثور سوى الفرق بين الثابت والمتغير فى أشكال التعبير الشعبى، فمنها ما أصبح تراثاً، أى تاريخاً ليس له وجود حقيقى فى السلوك اليومى للجماعة، وهذا لا يمنع أنه مؤشر حضارى لطبيعة الجماعة فى عصر ما قديم، كجذور وأصول للجماعة فى العصر الحديث.

وأوضح: أما النوع الثانى من أشكال التعبير الشعبى وهو المأثور، فيشمل أشكال التعبير والممارسات التى ما زالت تمارس حتى وقتنا هذا، فلعبة النيشان مثلاً مأثور؛ لأنها مازالت موجودة فى ساحات الموالد والشوارع بجوار المدارس الابتدائية خاصة، أما خيال الظل مثلا فقد انقرض تقريباً من حياتنا اليومية، وفقد وظيفته الاجتماعية فى حياة الجماعة. واللعب بالعصا له أصول قديمة تمتد حتى مصر القديمة الفرعونية، فلقد ظهرت هذه الرياضة كمبارزة بالعصا وكرياضة خشنة للشجعان، "انتشرت بين جميع طبقات الشعب، ثم تحولت على مر العصور بين الطبقات العليا من الشعب إلى المبارزة بالسيف، لقد انتشرت بعد ذلك اللعبة بين الفلاحين فى الريف البحرى والقبلى وأنشئت لها مدارس لتعليم فن المبارزة.

واستشهد الكاتب بما كتبه المؤرخ هيرودوت فى كتاباته، والذى يثبت أن المتبارزين كان يصيب بعضهم بعضاً بإصابات قاتلة "ولو أنه لم يسجل فى التاريخ المصرى القديم آى إشارة لحدوث حوادث مؤسفة نتيجة لتلك المباريات التى كانت أشبه بمعارك غايتها النيل من الخصم بإصابته بضربات قد تكون مؤثرة أو عديمة التأثير"، لكنها على أقصى تقدير لن تقتله إلا فى حدود بعض الحالات الشاذة، هذا عن أصول أو تراث التحطيب، أما التحطيب المأثور الآن فتعدل شكله بتغير وظائفه، ومع ذلك فهو جزء أساسى من تقاليد الريف المصرى، فهو إحدى المهارات التى يتعلمها الشاب فى الصعيد، مثله مثل حمل السلاح، مع اختلاف الوظيفة، فالتحطيب بالدرجة الأولى له وظيفة تسلية، أما حمل السلاح وإطلاق النار فله وظيفة قتالية بالدرجة الأولى،وخاصة فى مسائل الثأر والدم، إذن فلرقصة التحطيب أصول فرعونية، وللتحطيب نفسه وظائف متعددة أيضا.

 







مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة