عاطف البرديسى يكتب: عودة ميت

الجمعة، 07 أكتوبر 2016 10:05 م
عاطف البرديسى يكتب: عودة ميت جنازة – أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

عزيزى القارئ جِئتُ لك بهذه القصة؛ ربما أخذت منها ما ينفعك.

بالأمس عدت إلى بيتى متعباً منهكاً فقالت لى زوجتى هلَّا بدلت ثيابك وارتحت قليلا ريثما ينضج الطعام.

وبالفعل ذهبت إلى غرفتى وبدلت ثيابى وتمددت على سريرى فإذا بى أغط فى نوم عميق !

ولم أفتح عينى إلا على صوت المؤذن يؤذن للصلاة، فخرجت من الغرفة متوجها إلى المطبخ فوجدت زوجتى منهمكة فى إعداد المائدة.

جلست إلى المائدة وسألتها ماذا طبختى لنا اليوم يا أم احمد ؟ إلا أنها لم ترد !

فعاودت السؤال مرة ثانية وثالثة فتفاجأت بالرد ذاته

فكانت دهشتى أسبق من غضبى ؛ إذ أنها المرة الأولى وعلى مدى عشرين عاماً من حياتى الزوجية أخاطب فيها أم أحمد ولا تعيرنى أى اهتمام.

التفت فإذا بابنى أحمد يدخل المطبخ, فطلبت منه

احضار زجاجة ماء من الثلاجة, فكان جوابه مماثلا لجواب أمه, فازداد تعجبى من أحمد ذلك الشاب الدمث الذى يُضرب به المثل فى الأدب وحسن الخلق !

فهممت بالخروج من المطبخ فإذ بزوجتى تقول لأحمد: اذهب وأيقظ أباك لتناول الغداء !

هنا بلغ منى الذهول مبلغا !

وبالفعل اتجه أحمد إلى غرفتى ليوقظنى ,,, فصرخت فيه بعلو صوتى أنا هنا, فلم يلتفت إلى ومضى مسرعاً وتركنى غارقاً فى ذهولى.

 

وبعد دقيقة أو يزيد عاد أحمد وقد ارتسم الرعب على وجهه فقالت له أمه هل أيقظت أباك ؟ فتلعثم قليلا ثم قال: حاولت إيقاظه مرارا وتكرارا لكنه لم يجب ! فازدادت دهشتى ؛ ماذا يقول هذا الولد !

فدخلت زوجتى مسرعةً إلى الغرفة وخلفها الأولاد مذعورين فتبعتهم لأجدها تحاول إيقاظ شخص آخر فى سريرى يشبهنى تماماً ؛ ويلبس نفس ثيابي, وينام بنفس طريقة نومى.

وما إن يأست من إيقاظه حتى بدأت عيناها تغرورق بالدموع وبدأ أولادى فى البكاء والنحيب ومناداة ذلك

الرجل الملقى على فراشى والتعلق بثيابه أملا فى الرد. وأنا لا أصدق ما يجرى حولى !

يا إلهى ما الذى يحدث ؟!

من هذا الرجل الذى هو نسخة منى ؟!

لماذا لا يسمعنى أحد ؟!

لماذا لا يرانى أحد ؟!

 

خرج أحمد مسرعا ليعود بعد قليل ومعه أبى وأمى وإخوتى وانهمر الجميع فى البكاء وأمى تعانق ذلك الرجل النائم مكانى وتبكى بكاءا حارا، فذهبت إليها محاولا لمسها والحديث معها وإفهامها أنى مازلت بجوارها إلا أنه حيل بينى وبين ما أشتهى.

فالتفت إلى أبى أحاول احتضانه ؛ إلى زوجتى إلى إخوتى محاولا إسماع صوتى ولكن دون جدوى !

ذهب إخوتى للإعداد للجنازة وخرَّ أبى على الكرسى يبكى وأنا فى ذهول تام وإحباط شديد من هول ذلك الكابوس المزعج الذى أحاول الاستيقاظ منه.

جاء المغسل وبدأ فى تغسيل ذاك الجسد الملقى على فراشى بمساعدة أبنائى ولفه بالكفن ووضعه فى التابوت.

وتوافد الأصدقاء والأحباب إلى البيت والكل يعانق أبي

المنهار ويعَزُّون إخوتى وأبنائى ويدعون لى بالرحمة ولهم بالصبر والسلوان.

 

ثم حملوا التابوت إلى المسجد ليصلُّوا عليه, وخلا المنزل إلا من النساء. فخرجت مسرعاً خلف الجنازة. المتجهة إلى المسجد حيث اجتمع الجيران والأصدقاء واصطفوا خلف الإمام ليصلوا على.

ووسط هذا الزحام الشديد وجدتنى أخترق الصفوف بيسر وسهولة دون أن ألمس أحدا.

كبَّر الإمام التكبيرة الأولى وأنا أصرخ فيهم يا أهلى يا جيرانى على من تصلون ؟!

أنا معكم ولكن لا تشعرون !

أناديكم ولكن لا تسمعون !

بين أيديكم ولكن لا تبصرون !

فلما استيئست منهم تركتهم يصلون وتوجهت إلى ذلك الصندوق وكشفت الغطاء أنظر إلى ذلك النائم فيه ؛ وما إن كشفت عن وجهه حتى فتح عينيه ونظر إلى وقال: الآن انتهى دورى.

أنا إلى الفناء أما أنت فإلى البقاء !

ثم قال لازمتك ما يزيد عن أربعين عاما واليوم مآلي

إلى التراب ومآلك إلى الحساب !

ولم أشعر بنفسى إلا وأنا ملقى فى التابوت فاقدا السيطرة على كل شئ ؛ أطرافى لم تعد تستيجب لى لم أعد أرى شيئاً ؛ لم أعد أقوى على الحراك ؛ أحاول الكلام فلا أستطيع.

فقط أسمع تكبيرات الإمام

ثم غمغمات المشيعين

ثم صوت التراب ينهال عليَّ

ثم قرع النعال مبتعدة

أدركت حينها أنها النهاية.. ولربما البداية ؛ بداية النهاية

هكذا بكل بساطة ودون مقدمات.

مازال لدى الكثير من المواعيد.

مازال لدى الكثير من الأشغال.

مازال لدى الكثير من الديون التى لم أسددها ولم أوص بسدادها.

 

أين نقالى ؟

أريد أن أوصى بفعل خير لاطالما أجلته.

أريد أن أنهى عن منكر لاطالما رأيته.

وشيئا فشيئا بدأت أختنق

ثم سمعتُ أصوات أقدام متجهة إليَّ

يا ويلتى سيبدأ الحساب !

هذا ما كان يقال لى فى الدنيا

لابد أنهما منكر ونكير فى طريقهما إلى ؛ وبقيت أصرخ فى قبرى

رب ارجعونِ ,,, رب ارجعونِ ,,, رب ارجعونِ ,,,

لعلي,,, أعمل صالحا فيما تركت !!!

فلا أسمع صدى لدعائى سوى كلا.. كلا.. كلا..

 

ولازلت على هذه الحال حتى تدفق إلى مسامعى صوت رقيق يهمس فى أذنى: بابا.. بابا.. الغدا يا بابا.

ففتحت عينى لأجد ابنتى الصغرى وفلذة كبدى "فاطمة " مبتسمة كعادتها فى وجهى وهى تقول: " يلا يا باباقبل الأكل ما يبرد"

احتضنتها بلهفة وقبلت جبينها ثم تركتها تذهب وجلست فى فراشى برهة وأنا أشعر بإرهاق شديد وأطرافى ترتعد وجسدى يتصبب عرقا لأخاطب نفسى قائلا: ها يا نفسُ قد عدتى ؛ فأرينى أى صالحٍ ستعملين قبل أن

يأتى يوم تسألين فيه الرجعى فلا يستجاب لكِ.

عزيزى القارئ :

سارع بالخيرات ؛ بالأعمال الصالحات ؛ فما تدرى نفس متى تموت ؛ وﻻ تدرى نفس بأى ارض تموت.

اللهم أحسن خاتمتنا وﻻ تأخذنا من الدنيا إﻻ وأنت راضٍ عنا يا رحمن يارحيم

......

تذكرنى دائماً صديقى القارئ

ولا تحرمنى من دعائك لى بظهر الغيب..

 

 

 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 2

عدد الردود 0

بواسطة:

وائل عبد الودود حسين

استاذ عاطف البرديسي

الله يجازيك كل الخير جميلة جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

خالد عبد العزيز

منقووووووووووول

أستاذ عاطف القصة مسروقة وليست من تأليفك أنا الكاتب الأصلي لهذه القصة وقد نشرتها في صفحتي على الفيس بتاريخ 2 أغسطس 2015م وأحرى بمثلك أن يكتب منقووول من باب الامانة العلمية

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة